رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هكذا أمريكا أيها الإسلاميون


العاقل لا يحمل على ظهره أكثر مما يستطيع، وقد حملت الأمة أكثر مما تستطيع بكثير. ولا أملك أن أقول فى نهاية هذا المقال المختصر مرة أخرى ومرات «أن الذى يتغطى بأمريكا سيظل عريانا طول العمر»، ومن لا يصدق، عليه أن يقرأ دروس التاريخ المعاصر فى أفغانستان والعراق وسوريا ومصر، فضلا عن موقفها المخزى من فلسطين المحتلة والتقدم العلمى والتقنى فى إيران.

لم أثق يوما ما فى أمريكا بعد الذى فعلته ولا تزال فى أفغانستان، رغم أن أفغانستان هى الصخرة التى تكسرت عليها شوكة الاتحاد السوفيتى والإمبراطورية الشيوعية، مما مكَّن أمريكا من قيادة العالم وحدها حتى اليوم. كان هذا الدرس كافيا للإسلاميين خصوصا أينما كانوا،ألا يثقوا فى مساعدات الأمريكان، وبخاصة أولئك الذين «يجاهدون» فى بلدان حول فلسطين المحتلة مثل: لبنان وسوريا والأردن ومصر. نقطة خرى مهمة جدا فى هذا الصدد، لا أدرى إذا كان قد التفت إليها الإسلاميون أم لا، وهى أن مما يسمونه جهادا هو تخريب رغم خلوص النيات لمن يستشهد أو يقتل من الطرفين بسلاح أجنبى، وسوريا اليوم خير شاهد على ذلك إن لم تكن دروس أفغانستان كافية ولا العراق.

طالعتنا الأخبار يوم 12 ديسمبر الحالى، أن واشنطن ولندن تعلقان مساعداتهما العسكرية للمعارضة السورية، وكان المبرر واهيا لا يقنع أحداً، ألا وهو تراجع سيطرة الجيش الحر على بعض المناطق الشمالية ومنها باب الهوى.

يقول الغربيون المثل المشهور: «الصديق الحقيقى هو الذى يتقدم عند الحاجة». أنا لست ممن يريدون استمرار الصراع فى سوريا، وكتبت كثيرا ضد ذلك الصراع، لأن الكسبان فيه خسران، ولأن الوطن هو الخاسر الأكبر فى هذا الصراع الدامى، الذى قَّدم فيه الغرب المساعدات العسكرية وغيرها من المساعدات للمعارضة السورية بغية تدمير سوريا ليس إلا. ونحن نرى اليوم أن الغرب نفسه نجح فى بدء عملية التخلص من الأسلحة الكيماوية فى سوريا، ولكن لا تشغله الأسلحة الذرية والنووية والكيماوية فى إسرائيل المحتلة لأرض فلسطين، وليست أرض الغرب، لكى يقفوا وراء إسرائيل فى عدوانها وجرائمها العديدة على مدى خمس وستين عاما الماضية.

المعارضة السورية تقول: «إن قرار المساعدات قرار خاطئ ونأمل أن يعيد أصدقاؤنا النظر فى قرارهم». الحروب والصراع لايعرفون الصداقة بل يعرفون المصلحة، ولو كانت فى التدمير والتخريب والتهجير،وليس لذلك حد حتى تتحقق المصالح.

المريكان والبريطانيون، يقولون إنهم يخشون أن تقع الأسلحة فى أيدى الجهاديين المرتبطين بتنظيم القاعدة، وهى حجة المعتدى فى الأول والآخر. الأمريكان يتعاملون مع من يريدون إن قبلوا، أو مع من يُشترون، أو يُستخدمون، ولو من وراء حجاب أو ستار، ولكنهم ينتظرون اللحظة المناسبة حتى تتوارى مصالحهم وراء المساعدات التى يقدمونها ولو عن طريق ثالث، مثل تركيا على سبيل المثال لا الحصر. أمريكا أيها القراء تتغنى بحقوق الإنسان، ولكن هذه الحقوق عندها لا تمنع من إقامة جوانتانامو الرهيب أو سجن أبو غريب فى العراق، أو تفعل ما فعلته فى أفغانستان وخصوصا فى « تورا بورا» وفى «بجرام».

أمريكا أيها القراء جاءت إلى الخليج بدعو أو فتوى أو حتى قبل الدعوة والفتوى، بمبرر ظاهرى تختلف حوله الأمة والعلماء مثل طرد صدام حسين من الكويت، ولكنها بقيت بقواعدها العسكرية فى الخليج، ولا يتحدث عالم واحد أو فقيه اليوم عن تلك القواعد العسكرية، بل اشتهرت المقولة السيئة أثناء حرب الخليج الأولى: «إذا جاء بوش نم فى الحوش» إشارة إلى جورج بوش الأب الذى هزم مع تحالفه صدام حسين، واحتل بقواعده العسكرية الرهيبة منطقة الخليج وسط فرح وابتهاج بعضهم.

والله الموفق