رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

السرقة.. النصب.. واللقاح!


من المفترض أن تكون وكالة الأدوية، التابعة للاتحاد الأوروبى، قد اجتمعت أمس، الإثنين، ومنحت ترخيص استخدام أول لقاح مضاد لفيروس «كورونا المستجد». وهو الحدث الذى استبقه يورجن ستوك، أمين عام الإنتربول، بأن حذر، مجددًا، من احتمالات قيام شبكات الجريمة المنظمة بشن هجمات على شاحنات نقل اللقاحات أو اقتحام المخازن أو بيع لقاحات مزيفة.
زيادة الطلب مع قلة العرض جعلت لقاحات كورونا، بحسب «ستوك»، تعادل «الذهب السائل»، ودفعت شبكات إجرامية عديدة، كانت خاملة خلال الأشهر الأخيرة، إلى استئناف نشاطها. وتأسيسًا على ذلك، أصدر الإنتربول، جهاز الشرطة الجنائية الدولية، بداية الشهر الجارى، نشرة برتقالية، دعا فيها أجهزة الشرطة فى الدول الـ١٩٤ الأعضاء إلى التنسيق مع المؤسسات الصحية وهيئات الرقابة على الأدوية، لضمان سلامة سلاسل التوريد ولمكافحة اللقاحات المغشوشة. كما طالب المواطنين بتوخى الحذر خلال البحث عن الأدوية على الإنترنت، مؤكدًا أن الوحدة المعنية بمكافحة الجرائم الإلكترونية اكتشفت ثلاثة آلاف موقع تبيع أدوية بطرق غير مشروعة.
وكالة الشرطة الأوروبية، يوروبول، حذرت أيضًا من ظهور نسخ مزيفة وخطيرة من اللقاح. وهناك تقارير تحدثت عن هجمات إلكترونية تستهدف سرقة أسرار لقاحات يجرى تطويرها. وبالفعل، أعلنت شركة «فايزر» عن قيام قراصنة بسرقة وثائق اللقاح الذى تقوم بتطويره، ورجحت شركة «آى بى إم» أن تكون هناك دول وراء تخطيط وتنفيذ هذه الهجمات الإلكترونية، لأنها معقدة وتستغرق وقتًا طويلًا وتحتاج إمكانات مالية وفنية ضخمة. كما تحدثت شركة «مايكروسوفت» عن هجمات إلكترونية تعرضت لها ٧ شركات أدوية ومراكز متخصصة فى أبحاث اللقاحات وباحثين من دول مختلفة، وفى تدوينة كتبها توم بيرت، نائب رئيس الشركة لأمن العملاء، قال إن الشركة أبلغت المؤسسات المعنية بما حدث وعرضت عليها المساعدة.
فوق ذلك، تعرضت منظمات أوروبية عديدة إلى هجمات، من بينها إدارات الضرائب والجمارك فى المفوضية الأوروبية، المعنية بضبط أنظمة استيراد وتصدير اللقاحات، وبالتالى تشكل منجمًا معلوماتيًا ثمينًا للقراصنة. كما سبق أن أعلنت منظمة الصحة العالمية عن زيادة عمليات الاحتيال باستخدام اسمها عبر البريد الإلكترونى، لسرقة أموال المستخدمين أو معلوماتهم الحساسة.
فى بيان ألقته أمام البرلمان الأوروبى، الأربعاء الماضى، قالت أورسولا فون دير لين، رئيسة المفوضية الأوروبية، إن دول الاتحاد الأوروبى الـ٢٧ ستكون قادرة على بدء حملات التطعيم، فى اليوم نفسه، بمجرد الترخيص للقاح، الذى طورته شركتا «فايزر» و«بايونتيك»، دون أن تتطرق إلى تحذيرات الإنتربول أو يوروبول. بينما أعلنت الحكومة البريطانية عن عدد من الإجراءات الصارمة لحماية شحنات اللقاح، من بينها تزويد الشاحنات، التى ستنقلها، بأنظمة إنذار وإغلاق، وتخصيص محطة مركزية لمراقبة مواقعها عبر الأقمار الصناعية. وأكد مصدر بوزارة الدفاع البريطانية، لجريدة «ذا صن»، جاهزية سلاح الجو الملكى، لتوفير الدعم اللوجستى خلال عمليات نقل اللقاح وتوزيعه، بالتنسيق مع هيئة الخدمات الصحية الوطنية.
يقع مقر «يوروبول»، فى مدينة لاهاى الهولندية، ودورها الأساسى هو حفظ الأمن ودعم دول الاتحاد الأوروبى فى مكافحة الإرهاب والجرائم الدولية. وفى ظل الكوارث الصحية والاقتصادية والمجتمعية، التى تشهدها دول الاتحاد، أكدت الوكالة أن المجرمين باتوا يستخدمون أساليب أكثر تطورًا فى عمليات الاحتيال عبر الإنترنت، خاصة بشأن بيع منتجات يدعون أنها تقى من «كورونا المستجد». كما أشارت إيلفا يوهانسن، المفوضة الأوروبية للشئون الداخلية، إلى إن الوباء أدى إلى تباطؤ جوانب عدة فى الحياة المعتادة، لكنه زاد من وتيرة النشاط الإجرامى عبر الإنترنت، وشددت على ضرورة قيام دول الاتحاد بتكثيف جهودها لمكافحة ذلك.
فى «إشعار بتحذير مبكر»، قالت «يوروبول» إن عصابات الجريمة تحركت و«بمجرد دخول اللقاح الشرعى السوق، من المتوقع انتشار نسخ مزيفة من اللقاح سريعًا»، ربما تمثل تهديدًا كبيرًا على الصحة العامة إذا كانت سامة فى أسوأ الأحوال، أو غير فعالة فى أفضلها. كما أشارت الوكالة إلى أنها رصدت إعلانات تستخدم علامات تجارية لشركات أدوية حقيقية هى بالفعل فى المراحل النهائية من اختبارات اللقاح. وحثت الدول الأعضاء على مشاركة «أى معلومات ذات صلة بشأن النشاطات الإجرامية المتعلقة باللقاحات».
المجرمون يتعاملون مع أى كارثة على أنها فرصة، أو «موسم»، ومقابل الانخفاض الكبير فى السلوك الإجرامى الشائع، الذى شهدته دول الاتحاد الأوروبى، مثلًا، ارتفع معدل الجرائم غير الشائعة بدرجة أكبر. ومع ذلك، خدعوك فقالوا، أو «قرطسوك» فزعموا، أن عصابات المافيا الإيطالية تبرعت بمليارات، لدعم جهود بلادها فى التصدى للوباء، مع أن العكس تمامًا هو ما حدث، إذ تنافست تلك العصابات على استغلال الأزمة، بشتى الطرق، وحافظت على «مبادئها»، والتزمت بميثاق «شرفها»، ولم تلتفت إلى أن بلادها هى الدولة الأكثر تضررًا من الوباء!.