رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

.. وخامسهم زعيم كوريا الشمالية


الأغرب من صمت الزعيم الكورى الشمالى، هو أن وسائل إعلامه تجاهلت، كعادتها، نتائج انتخابات الرئاسة الأمريكية، وكنا نتوقع أن يختلف الوضع، هذه المرة، بعد التقارب التاريخى فى العلاقات بين البلدين، الذى أحدثه الرئيس الأمريكى الحالى، وبعد الهجوم الحاد الذى شنته وسائل إعلام كورية شمالية حكومية ضد الرئيس المحتمل، مرتين على الأقل، خلال العام الماضى.
تحت عنوان «الرئيس الأمريكى المحتمل»، أبدينا دهشتنا، أمس الأول، من أن غالبية قادة وزعماء دول العالم، لم ينتظروا الإعلان الرسمى لنتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وقاموا بتوجيه التهانى لجو بايدن، وأشرنا إلى أن الرئيس المكسيكى، هو الوحيد، تقريبًا، الذى رأى أنه «من المبكر جدًا» تهنئة بايدن، وأعلن عن أنه سينتظر حتى يتمّ الفصل فى كل الدعاوى القضائية، ولم نتوقف عند أربعة رؤساء آخرين التزموا الصمت: الروسى فلاديمير بوتين، الصينى شى جين بينج، البرازيلى جايير بولسونارو، والتركى رجب طيب أردوغان.
لصمت الرؤساء الأربعة دلالات، تفسيرات أو تبريرات، نرى أنها تختلف تمامًا، عن تلك المتعلقة بصمت خامسهم: الرئيس الكورى الشمالى، كيم جونج أون، الذى عقد ثلاثة لقاءات تاريخية مع الرئيس ترامب، وزعمت جريدة واشنطن بوست أنه «يراقب فوز بايدن وهو يضع إصبعه على زر إطلاق صواريخ باليستية جديدة»، فى تقرير نشرته أمس الثلاثاء!
الحوار قد يكون بداية الطريق لتقارب يجنب الدول كثيرًا من المتاعب، ومع أن المحادثات بين واشنطن وبيونج يانج مجمدة منذ عشرين شهرًا، تقريبًا، إلا أن ترامب تعهد بأن يعقد اتفاقًا «قريبًا جدًا» مع كوريا الشمالية إذا أعيد انتخابه. وفى المقابل قال بايدن، خلال المناظرة التليفزيونية الأخيرة، إن ترامب «تحدّث عن الديكتاتور الكورى الشمالى كما لو أنّه صديقه الصدوق، فى حين أنّه بلطجى». بينما أشاد ترامب بما حقّقه فى هذا الملف، وأشار إلى أن كيم رفض لقاء الرئيس السابق باراك أوباما وبايدن الذى كان نائبًا له.
قبل ذلك، قامت حملة بايدن، فى نوفمبر الماضى، بنشر فيديو دعائى ينتقد السياسة الخارجية للرئيس دونالد ترامب، جاء فيه أنها تقوم على «الإشادة بالمستبدين والطغاة واستبعاد الحلفاء»، ومع كلمة «المستبدين»، ظهرت صورة مصافحة سنغافورة التاريخية بين ترامب وكيم جونج أون خلال لقائهما الأول فى يونيو ٢٠١٨. وبمجرد ظهور الفيديو، شنت كوريا الشمالية هجومًا حادًا وغير مسبوق على نائب الرئيس الأمريكى السابق.
وكالة أنباء كوريا الشمالية الرسمية قالت، فى تقرير، إن بايدن «تجرأ بتهور على المساس بكرامة القيادة العليا»، وكما اعتاد ترامب أن يصفه بـ«جو النائم»، وصفته الوكالة بـ«بايدن الذى لم يستيقظ بعد»، وبأنه يجسد «آخر مرحلة من الخرف»، ورأت أن الوقت قد حان «لتتوقف حياته»، وأن «الكلاب المسعورة مثل بايدن يمكن أن تؤذى كثيرين حال تركها حرة، لذلك يجب ضربها بالعصى حتى الموت»، مؤكدة أن «القيام بذلك سيكون مفيدًا للولايات المتحدة»!
لم تكن تلك هى المرة الأولى التى تهاجم فيها وكالة أنباء كوريا الشمالية نائب الرئيس الأمريكى السابق، فقد وصفته فى مايو ٢٠١٩ بأنه «غبى» و«أحمق». إذ كان «بايدن»، وقتها، قد انتقد فى مؤتمر انتخابى عقده فى فيلادلفيا، الصيغة التى تعامل بها الرئيس الأمريكى مع الرئيس الروسى وزعيم كوريا الشمالية، وقال إنه يقوم باحتضان «الطغاة». وعليه، نشرت الوكالة تقريرًا يتضمن هفوات «بايدن» وسقطاته، مثل رسوبه خلال دراسته الجامعية لقيامه بسرقة خطاب لزعيم حزب العمال البريطانى حينذاك نيل كينوك، وصولًا إلى نومه خلال إلقاء الرئيس السابق باراك أوباما لأحد خطاباته، كما انتقدت «تصرفاته وكلماته الوقحة وتعليقاته المتهورة تجاه النساء».
فى السياسة، لا توجد صداقات دائمة أو عداوات مستمرة، بل مصالح قد تتصالح أو تتصادم، ما يعنى أن تلك الشتائم قد تنقلب إلى مصافحات، كما انقلب تبادل الإهانات والتهديدات بين ترامب وكيم إلى رسائل ود ولقاءات. وعليه، يمكننا تفسير صمت الزعيم الكورى الشمالى، الغريب، وصمت وسائل إعلامه الأغرب، بأنه إعلان ضمنى عن استعداده للجلوس على طاولة المفاوضات مع بايدن، لكى يحاول، مجددًا، ضرب عصفورين بحجر واحد: إنهاء العقوبات الأمريكية والحفاظ على ترسانته النووية. وربما أدرك أنه يمكنه التلاعب أكثر بالرئيس المحتمل، كما تمكن من التلاعب به وبرئيسه السابق، لمدة ثمانى سنوات!
.. وأخيرًا، قد ترى، كما رأى غالبية قادة وزعماء دول العالم أن النتيجة باتت محسومة لصالح الرئيس المحتمل، لكن الأهم منك ومنهم، ومن الصامتين الأربعة وخامسهم، هو أن يقتنع سبعون مليون أمريكى، منحوا أصواتهم لترامب، بفوز بايدن حتى لا يبقى حكمه مشكوكًا فى شرعيته. حال حدوث ذلك، أو عدم حدوثه، فإن صمت الصامتين أو تهانى المهنئين، أو حتى شتائم الشاتمين، لن تؤثر على علاقات دولهم بالولايات المتحدة، ما لم تتصادم المصالح.