رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خالد الطوخى يكتب: إعلان الحرب على «تلوث الهواء»

خالد الطوخى
خالد الطوخى


ستظل قضية تلوث الهواء تسبب إزعاجًا للجميع لما يترتب عليها من أضرار جسيمة تلحق الأذى بالجميع، وهو ما يمنح أهمية وقيمة مضافة لهذا الخبر المهم الذى تناولته مؤخرًا وسائل الإعلام، والذى يفيد بأن مجلس المديرين التنفيذيين للبنك الدولى قد وافق على مشروع جديد مع مصر بهدف القيام بتحسين جودة الهواء ومكافحة تغير المناخ، وتقليص انبعاثات ملوثات الهواء والاحتباس الحرارى وتحسين إدارة المخلفات الصلبة بالقاهرة الكبرى بقيمة ٢٠٠ مليون دولار.
قد يكون الخبر عاديًا بالنسبة للبعض، ولكن الأمر اللافت للنظر هو هذا الاهتمام الكبير من جانب الدولة بتلك الخطوة المهمة والجادة، حيث أكدت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التعاون الدولى، فى هذا الصدد أهمية الاستثمارات التى تدعم مُكافحة تغير المناخ وقضايا البيئة فى مصر، خاصة أن المشروع يمثل محورًا مهمًا فى خطة الدولة لدعم «التعافى الأخضر»، فضلًا عن اتخاذ الإجراءات الوقائية، سواء فيما يتعلق بتلوث الهواء أو المخلفات الصلبة، وذلك فى إطار وجود علاقة مباشرة بين التلوث وصحة المواطنين.
وإحقاقًا للحق فقد كان هناك تنسيق فى هذا الشأن تم بالفعل بين وزارة التعاون الدولى، ووزارتى البيئة والتنمية المحلية من خلال فرق العمل المشتركة طوال الفترة الماضية، لإتمام عمليات التفاوض مع البنك الدولى، حيث تم عقد منصة التعاون التنسيقى المشترك بمشاركة المعنيين من الجهات الحكومية ومجموعة البنك الدولى لمناقشة أهداف ومحاور المشروع، والوقوف على الشكل الأمثل للتمويل، بما يحقق أهداف التنمية المستدامة والأولويات الحكومية.. وقد ارتكزت مسألة تعزيز الدبلوماسية الاقتصادية مع شركاء التنمية لدفع جهود التنمية من خلال ثلاثة محاور هى: منصة التعاون التنسيقى المشترك، واستراتيجية سرد المشاركات الدولية، والتمويل التنموى لدعم التنمية المستدامة، بما يضمن توطيد التعاون مع شركاء التنمية متعددى الأطراف والثنائيين.
وتكمن أهمية هذا التوجه فى أنه جاء فى التوقيت المناسب، حيث إن مخاطر تلوث الهواء وتغير المناخ لا حصر لها وقد تمتد لعدة عقود، لذا فإن الهدف من هذه الشراكة مع البنك الدولى، توفير مستقبل أكثر صحة لأطفالنا وشبابنا يسمح لهم بالازدهار والنمو وإطلاق إمكاناتهم، كما يهدف المشروع الجديد لإدارة تلوث الهواء وتغير المناخ إلى: تحديث نظام رصد جودة الهواء، وتدعيم قدرة السكان فى منطقة القاهرة الكبرى على مواجهة حالات ارتفاع التلوث، ومنها الحوادث التى تنشأ أو تتفاقم من جراء الانبعاثات، والظواهر المناخية الشديدة؛ وأيضًا مساندة إدارة المخلفات الصلبة فى القاهرة الكبرى، بما فى ذلك خطط إنشاء مدفن متكامل لإدارة المخلفات فى مدينة العاشر من رمضان، وإغلاق وإعادة تأهيل مكبات النفايات فى أبوزعبل، وتدعيم الإطار التنظيمى لإدارة المخلفات؛ كما يهدف أيضًا إلى الإسهام فى تقليص انبعاثات المركبات عن طريق مساندة تجربة نظام الحافلات الكهربائية فى القطاع العام، وما يتصل بها من البنية التحتية، بما فى ذلك محطات شحن الكهرباء، وتقييم الجدوى الفنية والمالية لتوسيع نطاق تطبيق هذا النظام؛ وأيضًا دعم الأنشطة الرامية لتغيير السلوكيات المجتمعية الخاطئة وسلوكيات مُقدِّمى الخدمات وضمان مشاركة المواطنين فى تصميم المشروع وتنفيذه.
ويأتى ذلك فى الوقت الذى تتخذ فيه مصر خطوات لتسريع الانتقال إلى نموذج تنموى شامل ومراعٍ للبيئة وأكثر استدامة وقدرة على الصمود، وهذه العملية جزء لا يتجزأ من العمل على تحسين نوعية الحياة للمصريين، بما فى ذلك الفئات الأكثر احتياجًا بالمجتمع، بما يمكنها من الاستفادة من كمية كاملة من مشروعات التنمية، وفى الوقت نفسه التمتع بحياة صحية منتجة، وفى تقديرى الشخصى فإن هذا التوجه يجب أن يتم تعميمه فى جميع أنحاء مصر، نظرًا لخطورة تلوّث الهواء الذى يعرفه العلماء والباحثون بأنه يتمثل فى وجود مواد غازية أو سائلة أو صلبة تؤدى إلى تغير خصائص الهواء، وبالتالى إلحاق الضرر بالبيئة والإنسان والحيوان.
وتشير الدراسات العلمية الدقيقة فى هذا المجال إلى أن أسباب تلوث الهواء تعود إلى مصدرين أساسيين هما:
- المصادر الطبيعية: وهى المصادر التى تؤثر على الهواء دون تدخل الإنسان، أى بفعل الطبيعة وتكون أضرارها بسيطة.
- المصادر غير الطبيعية: وهى التى تحدث نتيجة لنشاط الإنسان، ولها تأثير قوى وضار على الإنسان والبيئة المحيطة وأصبحت تحدث بشكل موسع.
وتنوعت أسبابها وتتمثل فى: استعمال الوقود لإنتاج الطاقة، وأيضًا النشاط الصناعى والغازات والدخان، التى تخرج من المصانع، والإشعاعات التى تنتج عن الصناعات الكيميائيّة ومخلّفات المنازل من مواد صلبة وسائلة وغازية، وعدم وضعها فى حاويات النفاية الخاصّة بها، واستخدام المبيدات الحشرية والأسمدة والمواد الكيماوية بشكل كبير فى عمليات الزراعة، ووسائل النقل البرى والبحرى والجوى، حيث تنتج عنها غازات واحتراق غير كامل للوقود، بالإضافة إلى قيام مركبات النقل البحرى برمى النفط فى البحار ممّا يزيد من تلوّث الهواء.
وتتمثل خطورة تأثير تلوّث الهواء على الإنسان والبيئة فى أنه يتسبب فى التأثير على نظام القلب والأوعية الدموية، ويترتب عليه تسمم فى العديد من الأعضاء والأنسجة والإصابة بأمراض فى الرئة والتهاب القصبة الهوائية، وضيق فى التنفس مع ارتفاع معدل الوفيات المبكّرة واحمرار فى العيون وتشوهات فى تكوين الجنين فى حال تأثر المرأة الحامل بهذا الهواء ومشاكل فى الجهاز العصبى وأضرار مؤثرة على طبقة الأوزون.
ولم يقف العلم مكتوف الأيدى أمام هذا النوع من الأخطار التى تهدد حياة الناس، فقام الباحثون والمتخصصون فى مجالات الصحة العامة بتحديد طرق الوقاية من تلوث الهواء وذلك بوضع قوانين للمصانع تلزمها باستخدام فلاتر لمخلفاتها الغازية والحرص على تقليل استخدام الرصاص فى الوقود، والتأكّد من احتراق الوقود فى المركبة بالشكل الصحيح، واستخدام المبيدات العضوية والابتعاد عن الكيماويات مع التأكيد على إقامة المصانع بعيدًا عن مناطق السكن.
وهنا يبدو التساؤل المهم والصعب فى نفس الوقت: كيف يمكن تقليل تلوث الهواء؟
الإجابة وإن كانت واضحة وضوح الشمس إلا أن تنفيذ ما بها من إجراءات يتطلب وعيًا وإدراكًا حقيقيين بحجم وخطورة المشكلة، حيث يمكن تقليل نسبة التلوث من خلال عدة طرق، مثل حظر الحرق المكشوف للمخلفات الصلبة، وإيقاف المحارق بجميع أنواعها والخفض التطوعى لعدد السيارات المستخدمة، وعدم السماح للسيارات بدخول وسط المدينة وإيقاف جميع الصناعات التى تستخدم وقود المازوت بالمناطق السكنية، وزيادة إمداد محطات القوى الكهربائية بالغاز الطبيعى، ووقف أى أعمال يتم من خلالها الاعتماد على حرق الخشب أو الكاوتشوك أو الفحم أو البلاستيك.
وبالطبع فإن هذه الإجراءات الكفيلة بالحد من التلوث جميعها تخضع لقرارات إدارية من جانب الجهات المسئولة فى الدولة، ولكن كيف يستطيع المواطن أن يسهم فى الحد من تلوث الهواء؟.. وهذا فى رأيى أهم بكثير من أى أدوات أخرى.
فالمواطن الواعى المدرك لخطورة المشكلة قد يسهم أكثر بكثير من أى جهة أخرى.. فإذا كنت صاحب سيارة فيجب عليك أن تجرى الاختبار الدورى لعادم سيارتك واستخدام وسائل النقل الجماعى والإقلال بقدر الإمكان من استخدام السيارة، كما يجب الامتناع عن حرق القمامة، لأن حرقها تنتج عنه ملوثات تصيب الإنسان بأمراض، ومنها مادة الديوكسين، وهى من المواد المسرطنة، مع ضرورة تقليل تشغيل تكييفات الهواء والحد من استخدام الكهرباء، لأن محطات الكهرباء تنتج عنها ملوثات للهواء، وأيضًا منع التدخين ومحاربته فى كل مكان.