رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصيدة العسل


تتعرض تركيا لحظ عاثر فى علاقتها مع مصر، لأنها تشاهد طموحاتها السياسية، فى تبوء مكانة إقليمية، تنهار أمام أعينها.. ومع تطور الأوضاع الحالية، فإن الدور الإقليمى لتركيا فى انهيار مستمر، لأن الأيديولوجية الدينية فى الحكم تُثبت فشلها،

حيث فقد «النموذج التركى» بريقه، مع أن بعض الآراء قالت سابقاً بأن مصر وتونس من الممكن أن يسيرا على نهجه.. لقد أخفقت تركيا حينما اعتقدت أنها تستطيع أن تسيطر على منطقة الشرق الأوسط، وأن تكون لها الريادة هناك، دون أن يترتب على ذلك أى مشكلات فى علاقاتها الخارجية مع دول المنطقة.. وجاءت تصريحات رئيس الوزراء التركى، رجب طيب أردوغان، الأخيرة لتكون «القشة التى قصمت ظهر البعير»، لتحديه الإرادة الشعبية المصرية، وتطاوله على قيادات مصر الحالية، ناهيك عن دعم أنقرة لجماعة الإخوان ورئيسها المعزول محمد مرسى.. وفى كل الأحوال، فإن قرار الحكومة المصرية بطرد السفير التركى من القاهرة، واعتباره شخصاً غير مرغوب فيه، دليل على أن صبر مصر قد نفد من هذا التدخل التركى فى شئونها الداخلية، وانتقاد حكومتها المؤقتة!.

هذا مختصر مفيد، لرؤية الصحف الغربية والأمريكية، وحتى محللين أتراك، للقرار المصرى، الذى جاء متأخراً، فى الوقت الذى كان يجب أن تكون هناك قرارات تصعيدية، فى أعقاب ثورة 30 يونيو، ضد تركيا، التى وصفت الإرادة الشعبية المصرية بالانقلاب العسكرى، وهو قرار «صفعة» على وجه أردوغان الذى تدخل كثيراً فى الشأن المصرى، ووجه العديد من الاتهامات لشعب مصر وأهان المؤسسة العسكرية وشيخ الأزهر، وآخر القصيدة، كان التطاول على القضاء المصرى، من الرجل الذى راودته أحلام الخلافة العثمانية وتنفيذ المشروع الأمريكى بتفكيك الدول العربية وتدمير جيوشها، لكن مصر أطاحت بالحلم، وتركت صاحبه كالصّعِق، فراح يهذى هذيانه.

لكن.. كيف رأى أبناء مصر قرار طرد السفير التركى من القاهرة؟.

دعونا أولاً نؤكد أن القرار المصرى كان مطلباً شعبياً خلال ثور 30 يونيو، وهو «قطع العلاقات مع تركيا، على أن تكون عودتها مرهونة بانتهاء حكم أردوغان لبلاده»، لأنه رئيس وزراء لحكومة ترعى الإرهاب فى العالم العربى، وبخاصة سوريا ومصر، لنصل إلى نتيجة مفادها أن الخلاف ليس مع تركيا الدولة، وإنما الخلاف مع أردوغان الذى يحاول تسييس الأوضاع الخارجية من أجل تحقيق أحلامه.. وأعتقد أنه من الضرورى أن يعَقْبُ هذا القرار قرارات تصعيدية أخرى، كلما استدعت الظروف، لا ينتهى أجلها إلا باعتراف الحكومة التركية بثورة 30 يونيو، وقد فعلتها أمريكا، فهل أنقرة «أجعص» من واشنطن؟.. أيضاً باعترافها بالإخوان جماعة إرهابية، وأن اسطنبول استضافت اجتماعات تنظيم القاعدة والتنظيم الدولى للإخوان، للتآمر على القاهرة، وأنها هربت الأسلحة لإرهابيى مصر وسوريا.. وهذا رأى غالبية الشعب المصرى.

أما الإخوان، فلم ترض جماعتهم باللطمة الصادمة، توجهها مصر إلى وجه أردوغان، فانطلق أشياعهم منددين بقرار طرد السفير التركى، مرددين هتافات معادية للجيش والشرطة، وكأنما الصفعة نزلت على وجوه تلك الجماعة، وكيف لا، وهم الذراع المنفذة للعقل المدبر فى أنقرة.. ومع هذا يبقى كل ذلك متوقعاً، لكن القرار كان أشبه بطبق العسل الذى سقط فيه ذباب السياسة و«هاموشها»، من هؤلاء المتنطعين، الذين يرتدون مسوح الوطنية، وهم ضد هذا الوطن، على طول الخط.. فهذا فصيل دينى رأى أن «طرد السفير نوع من الاستعجال، وعلى وزير الخارجية أن يدير علاقاتنا الدبلوماسية بأكثر حنكة، وإلا سنقطع علاقتنا بدول كثيرة، غير معترفة بما حدث فى مصر».. وذاك حزب يقرر أن «طرد السفير ما هو إلا دليل آخر على فشل السياسة الخارجية لمصر المتجهة بقوة نحو التدهور»، بينما يرى كاتب محترم!، ضمن جبهة الإنقاذ، أن «القرار تجاوز الحدود المعقولة.. صحيح أن الحكومة التركية تتخذ مواقف عدائية ضد مصر وشعبها، وليس فقط الحكومة، لكن الإجراء الأفضل كان إبعاد السفير وليس خفض العلاقات»، ويصف مؤسس حركة شباب 6 أبريل الخطوة بأنها «خطأ كبير.. إسرائيل وأمريكا أولى بقطع العلاقات مش تركيا»، وأسأل الباشا، وبنفس عاميته «انت بتعمل إيه فى أمريكا دلوقتى؟»!.. ومن عجب أن يرى مساعد وزير خارجية أسبق أن «طرد السفير طفولة سياسية، لأنه من غير الجائز طرد السفير فى القرن العشرين»!.. ربما يكون مساعد وزير الخارجية الأسبق يرى أن تدخل الغير فى شئوننا الداخلية أصبح من لوازم «قرنه» الواحد والعشرين!.

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.