رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

جرجس صفوت يكتب: الله وافرايم وأنا

جرجس صفوت
جرجس صفوت

كنت في العاشرة من عمري، حينما جاورت أبي –رحمه الله- الذي طلب كوبًا من الشاي، أثناء رؤية مسلسله المفضل حينها "ساكن قصادي"، وبين رشفة وأخرى، باغته قائلا: "لم يستمر الله في محبتنا ولما يجزل فضله وأنعامه علينا رغم كل ما نقترفه بحقه وحق وصاياه؟".

أعلم أن الوقت لم يكن مناسبا حينها، إلا أن الرجل لم يبد أي ردة فعل لمدة دقيقة تقريبًا، ربما كان يفكر في الإجابة.. وبعدها أمسك بمعصمي، وكأنه لن يتحدث، بل سيحقنني بجرعة من الحديث، وقال لي أشياء عدة عن محبة الله لنا غير المشروطة، ولكنه لم ينس أن يختتم حديثه بتطبيق عملي، حيث قال لي: "إن أراد الله لك زواجًا وإنجابًا.. ستعي جيدًا ما حدثتك عنه".

محبة مقابل اللا شىء
في الخامس والعشرين من أغسطس 2020، أتم طفلي الأجمل في كل شىء "افرايم" عامه الأول، وأكون أنا قد أتممت عامي الأول كأب.. 365 يومًا.. من المحبة التي سرقها مني الصغير دون تحكم من جانبي.. ودون أن يمد يده بمقابل.. وعلى الرغم من أني أحصل من وجوده أمام ناظريَّ على السعادة الغامرة..
في المقابل.. تعلمت أن مشاعرنا ما هي إلا نقطة في بحر، من مشاعر الله المُحبة تجاهنا.. الله المصدر الأساسي للحب، والذي يُحبنا فقط لأننا أبناؤه، لا يحتاج شيئًا لكي يُحبنا.. ولا يحتاج مقابل للمحبة، بل يرغب دائمًا في دعوتنا للقرب منها حتى نستزيد بركات على بركات.. فالقرب من النهر لا يأتي معه العطش، وكذلك القرب من ينبوع الحب يملئ القلب بالربيع.

محبة مقابل العناء
تنقسم الـ356 يومًا الاولى لي كأب.. على أجزاء.. الأول منها كان أوج مراحل تحمل المسئولية.. فهذا الضعيف، والذي أئتمنني الله عليه، أصيب بـ"الصفراء" في يومه الأول على كوكب الأرض، الأمر الذي جعلني أتكبد ووالدته عناء على عناء حتى يمن الله عليه بالشفاء.. كذلك في خروج أولى أسنانه وما تلاها، وما بين كل فترة وأخرى كبقية الأسر لنا زيارة للطبيب بين تطعيم إجباري وآخر اختياري، وزيارة متابعة..
أتأمل في علاقتنا بالله، الذي يحزن كل الحزن حينما نمرض روحيًا، ونكسر وصاياه، ونبعد عنه باختيارنا، وحينما نغرق في كبوات تشغلنا عنه، وبصفته أبًا وطبيبًا روحيًا لايقدر سواه على إصلاحنا روحيًا، فهو يتابع معنا لحظيًا حالتنا الروحية حتى في أوج عنادنا ورفضنا لتناول عقاقير الدواء..
يحبنا الله حتى في تلك الحالة.. فحتى ونحن مرضى روحيًا وخطاة ونؤثر الابتعاد عنه.. يحبنا محبة غير مشروطة..

محبة وقت التأديب
أعلم أن هذا الصغير له أن يكبر.. وله أن يخطئ.. ولي أن أحبه حتى في أشد مراحل عقابه وتأديبه، كما رأيت تلك المحبة في عيني أبي وأمي، اللذان لم يمنعا عني عصا التأديب الممزوجة بأدعيتهما لله بالحفاظ عليَّ، وأعلم كذلك أن الله لم يمقتنى حينما سمح لي بتجربة ما، مع العلم بأنه لا يقل أحد إذا جُرب بأنه يُجرب من قبل الرب، لأن الرب غير مُجرب بالشرور.
التجارب التي تصيبني.. ممزوجة بمحبة الله لي.. وحتى وقت التأديب، لا يسمح الله ببقاء أي آثر مؤلم، فينما قال داوود المرنم "تأديبًا أدبني الرب"، استطرد سريعًا: "وإلى الموت لم يسلمني".

ختامًا.. عامًا سعيدًا لك يا أفرايم.. لتعلم أن الله يحبك.. ولتؤمن أنك ستتفهم جيدًا محبة الله غير المشروطة واللا نهائية لنا.. حينما تبسط راحتك في راحة صغيرًا يستعد لإتمام عامه الأول، والخوض في عامه الثاني، بيد تحمل "ببرونة" والأخرى "بامبرز".