رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عام الأزمات.. إسرائيل تائهة في دوامة «الانقسام» بـ2019

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

شهدت الساحة السياسية في إسرائيل خلال عام 2019 العديد من الأزمات توِّجت أخيرًا بالتوجه إلى انتخابات ثالثة في أقل من عام للمرة الأولى، ما أدى إلى عجز شبه تام في معظم القطاعات بتل أبيب، لعدم وجود حكومة تدير شؤونها.

بدأ عام الاحتلال دون حكومة بعد حل الكنيست نفسه رسميًا قبل 4 أيام فقط على انتهاء عام 2018، وحددت موعد الانتخابات الأولى في التاسع من أبريل الماضي، ومن هنا بدأت دوامة تل أبيب في الأزمات والانتخابات، إذ أدت حالة الانقسام الداخلية، وعدم التوافق على تشكيل حكومة، سواء ائتلافية أو وحدة، إلى شلل في أكثر المجالات أهمية، أبرزها الأمنية والسياسية.

انتخابات الكنيست الأولى

شهدت انتخابات أبريل بداية ظهور حزب "أزرق أبيض" بقيادة بيني جانتس، والذي أعلن عنه رسميًا في 21 فبراير الماضي، للتنافس ضد بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة المنتهية ولايته، وزعيم حزب الليكود الإسرائيلي، على الحصول على الأغلبية من أجل تشكيل ائتلاف حكومي.

وكانت نتيجة الانتخابات بمثابة دق ناقوس الخطر لشعبية الليكود، وتحديدًا نتيناهو، إذ فاز في تلك الانتخابات بـ36 مقعدًا، مقابل 35 مقعدًا لـ"أزرق أبيض"، أي بفارق مقعد واحد فقط عن الحزب الذي لم يكمل شهرين فقط على الساحة السياسية في إسرائيل.

وشهدت تلك الانتخابات استمرار تقدم كتلة الأحزاب اليمينية، التي حصلت على 65 مقعدًا، ما يمثل الأغلبية، فيما حصلت كتلة اليسار على 55 مقعدًا، بفارق 10 مقاعد لليمين.

وفي 30 مايو الماضي، صوت أعضاء الكنيست الإسرائيلي لصالح على حله، والتوجه لإجراء انتخابات مبكرة ثانية بعدما فشل نتنياهو في تشكيل ائتلاف حكومي، خلال المهلة التي تم منحها له، وهو التصويت الذي حشد له نتنياهو، خشية أن يكلف رئيس الاحتلال رؤوفين ريفلين، مرشحًا آخر بتشكل حكومة.

وكان أفيجدور ليبرمان زعيم حزب "إسرائيل بيتنا"، الذي فاز بـ5 مقاعد في تلك الانتخابات، أحد أبرز العوامل التي ساهمت في فشل نتيناهو لتشكيل ائتلاف حكومي، إذ طالب بجعل الخدمة العسكرية إلزامية على اليهود المتشددين "الحريديم"، وهو ما شكل أزمة مع أحزاب اليمين المتطرف، التي تملك 16 مقعدًا، ويريد نتيناهو استمرارها في تكتله، ومن ثم لم يتمكن الأخير من تشكيل الائتلاف.

انتخابات الكنيست الثانية

شهدت الانتخابات الثانية، التي جرت في 14 سبتمبر الماضي، مفاجأة سياسية ثقيلة لنتنياهو، إذ تمكن منافسه جانتس من التفوق عليه، وحصل حزبه "أزرق أبيض" على 33 مقعدًا، مقابل 32 مقعدًا لـ"الليكود"، وهو أول فشل لنتنياهو بتلك الانتخابات.

ولم يكن الأمر مغايرا فيما يخص كتلة اليمين، إذ حصلت على 55 مقعدًا، ما يعني فقدان نتنياهو 10 مقاعد دفعة واحدة خلال 5 أشهر فقط منذ الانتخابات الأولى، فيما حصلت كتلة اليسار على 54 مقعدًا، وتمكنت القائمة العربية المشتركة من الظهور كـ"حصان أسود" في تلك الانتخابات، إذ حصلت على 13 مقعدًا دفعة واحدة، بينما حصد ليبرمان 8 مقاعد.

منذ ذلك الحين بدأت المناورة بين نتنياهو وجانتس، إذ أوصت الأحزاب لدى ريفلين أن يمنح بنيامين الفرصة أولا لتشكيل حكومة، وهو ما حدث، ولكن زعيم الليكود كون كتلة يمينة ليتحدث نيابة عنها، وليس باسم الحزب فقط، وعمل على التقاعس في تشكيل الائتلاف، من أجل إعادة التفويض لزعيم "أزرق أبييض"، الذي سيفشل هو أيضًا لعدم حصوله على الأغلبية المطلقة.

من جانبه، نجح ليبرمان في أن يصبح "الورقة الرابحة"، الفارقة أيضًا، لأي كتلة تريد أن تقتنص تشكيل الحكومة، ما جعله يملي شروطه بشكل واضح على "الليكود" و"أزرق أبيض"، من أجل الحصول على أكبر مكاسب.

وبعد فشل نتنياهو رسميًا – للمرة الثانية – في تشكيل حكومة، أعاد ريفلين التفويض إلى جانتس، ومن ثم سعى الحزبان إلى التسويق الإعلامي لما أطلقوا عليه "حكومة وحدة" يتناوب فيها بنيامين وبيني رئاستها، وهنا أعلن "الليكود" أن رئيسهم يكون الأول في ترأس الائتلاف الحكومي، وهو ما رفضه "أزرق أبيض" في نهاية المطاف.

وأعلن ريفلين، في 21 نوفمبر الماضي، رسميًا، فشل جانتس في تشكيل ائتلاف حكومي، وإبلاغ يولي إدلشتين، رئيس الكنيست الإسرائيلي، منح الأعضاء، البالغ عددهم 120 عضوًا، مهلة 21 يومًا، منذ ذلك التاريخ، من أجل التصويت على أحد الأعضاء لتشكيل حكومة جديدة، على أن يحصل على 61 صوتًا على الأقل.

وكانت هذه المرة الأولى التي ينقل فيها الاحتلال الإسرائيلي، سلطة اختيار رئيس حكومة جديد، إلى الكنيست، وأن يفشل مرشحان اثنان في تشكيل حكومة، فيما لحق بهم الكنيست، وفشل هو الآخر في التوافق على شخص يشكل الائتلاف، وهو ما تم إعلانه في 12 ديسمبر رسميًا – موعد انتهاء المهلة الممنوحة له – وكذلك أعلن التوجه لانتخابات ثالثة، تعقد في 2 مارس المقبل، وهي الأولى أيضًا التي تتجه فيها إسرائيل إلى مثل تلك الانتخابات للمرة الثالثة.

أزمات الاحتلال لعدم وجود حكومة

مثّل التوجه لانتخابات ثالثة كارثة لسلطات الاحتلال، فتل أبيب تجاوزت العام تحت إدارة حكومة انتقالية، لا يحق لها المصادقة على معظم القرارات، أو اتخاذ أي خطوة مهمة سواء على الصعيد السياسي أو العسكري أو حتى الاجتماعي والصحي داخليا.

أزمة سياسية

بدأت الأزمات تظهر على الساحة الإسرائيلية علانية بدءًا من ديسمبر الجاري، إذ أعلنت وزارة الخارجية أنها تعاني من أزمة بسبب عدم وجود سفراء لها في مصر وروسيا وكندا، وذلك لعدم وجود حكومة من أجل المصادقة على قرارات التعيينات السياسية.

وقالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" حينها إن يسرائيل كاتس وزير الخارجية، يسعى لتعيين كل السفراء بتلك الدول في أقرب وقت، بينما يحاول كبار المسئولين الإسرائيليين الحفاظ على أن تتم التعيينات عند وجود حكومة رسمية لإسنادها إلى من يفضلوه.

وأكدت "يديعوت" أهمية العلاقات مع مصر وضرورة وجود سفير هناك، قائلة: "ليست هناك حاجة من أجل إعادة التأكيد على الأهمية الكبرى للعلاقات مع مصر، والتي تعمل كوسيط خلال فترة التصعيد الأمني في الجنوب على حدود غزة، ورغم ذلك لا يوجد لدى إسرائيل سفير هناك منذ يوليو الماضي".

وأوضحت أنه منذ إنهاء ديفيد جوفرين السفير الإسرائيلي السابق لدى القاهرة، لمهامه، عينت وزارة الخارجية أميرة أورون، لكن نتنياهو اعترض على هذا التعيين، ومن ثم لم يتم المصادقة عليه.

وأضافت أن السفارة الإسرائيلية في القاهرة تدار من قبل دبلوماسى بدرجة سفير منذ نحو 6 أشهر.

وأشارت إلى أن إسرائيل ليس لها سفير في روسيا منذ سبتمبر الماضي، قائلة: "اضطرت إسرائيل لإرسال يعقوب ليفنه وهو دبلوماسي، لموسكو، من أجل إدارة السفارة هناك بدرجة (قائم بأعمال السفير)، وذلك نظرًا لحساسية العلاقات السياسية والأمنية مع روسيا".

وأضافت أن الخارجية الإسرائيلية لم تبدأ إجراءات لتعيين سفراء في المناصب المهمة، والتي من المقرر أن تكون خالية في العام المقبل، مثل سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة، وسفيرها لدى أمريكا وفرنسا والبرازيل، وكذلك القنصل العام لها في ولاية "تكساس" الأمريكية.

أزمة عسكرية

وبعد نحو 10 أيام من إعلان هذه الأزمة، كشفت تقارير إسرائيلية أن المنظومة الأمنية تعاني من أزمة داخلية لعدم وجود حكومة مستقرة، والتوجه لانتخابات ثالثة، وهو ما يؤثر بالسلب على الميزانية المخصصة للجيش، وكذلك العديد من القرارات التي يجب التصديق عليها.

وقال موقع "واللا" الإسرائيلي إن هناك العديد من الأزمات التي تعرقل عمل الأجهزة الأمنية، أبرزها المصادقة على ميزانية الجيش، والنظام الأمني، وضرورة شراء مقاتلات مروحية "هيلكوبتر"، ووقود الطائرات المقاتلة، والعمليات طويلة الأجل، وإعادة تنظيم الجيش داخليا، والذي يخطط له رئيس الأركان أفيف كوخافي، بالإضافة إلى سياسة الجيش بشأن الوجود الإيراني في سوريا ومستقبل التعامل مع قطاع غزة المحاصر.

أزمة في قطاع الصحة

وأثرت الأزمة السياسية على قطاع الصحة الذي يعاني من أزمة في الميزانية، إذ أن عدم وجود حكومة انتقالية غير مصرح لها باتخاذ العديد من القرارات، ساهم في استمرار أزمة القطاع الصحي، إذ قالت صحيفة "معارف" الإسرائيلية إن المرضى يملأون المستشفيات، بينما الأخيرة ليست لديها القدرة على إسعافهم بسبب أزمة الميزانية، وكذلك أزمة الأطباء والقوة العاملة فيها.

وأكد زئيف فيلدمان رئيس نقابة الأطباء أن النظام الصحي يعاني من عجز سنوي ما بين 3 و5 مليارات شيكل، مؤكدًا أن الأزمة بدأت منذ الانتخابات الأولى التي جرت في أبريل الماضي.

فساد نتنياهو

وجاء ملف الفساد كإحدى العثرات التي يواجهها نتنياهو، حتى أوصت النيابة العامة الإسرائيلية بتقديم لائحة اتهام ضده بتهم تلقي الرشوة وخيانة الأمانة، وبعدها أعلن المدعى العام الإسرائيلي رسميًا توجيه تلك الاتهامات لبنيامين، وهو ما ساهم في فقدانه شعبية كبيرة.

وهاجم نتنياهو تلك التقارير بشكل شرس وقال إنها تمثل اغتيالا سياسيا له في ظل أزمة الانتخابات، لكنه اتجه لـ"اللعب مع القانون"، وأعلن أنه سيتوجه لمقاضاة المحققين في مكتب المدعي العام، لعدم التزامهم بالقانون، كما نفى بشكل قاطع ضلوعه في مثل تلك التهم.

وأفادت تقارير بأن نتنياهو يسعى لطلب الحصول على الحصانة من الكنيست، والتي يحق له طلبها قبل انتهاء مهلة الـ30 يوما التي تم منحها له بعد توجيه لائحة اتهام ضده بالفساد وخيانة الأمانة وتلقي الرشاوى، وهو ما قوبل بعاصفة غضب من منافسي بنيامين.

ووافقت اللجنة المنظمة بالكنيست الإسرائيلي، خلال شهر ديسمبر الجاري، على تشكيل لجنة من شأنها النظر في حصانة بنيامين نتنياهو رئيس وزراء الاحتلال المنتهية ولايته وزعيم حزب "الليكود".

وجاءت اللجنة بناء على طلب من حزب "أزرق- أبيض" برئاسة بيني جانتس، فيما سيتم عقد اللجنة بعد الحصول على موافقة يولي إدلشتاين، رئيس الكنيست، والتشاور مع أيال يانون المستشار القضائي للكنيست.