رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حفيد عبدالناصر: المنطق يقول إنه مات مقتولًا ودموية الإخوان وراء انقلابه عليهم (حوار)

جريدة الدستور


٤٩ عامًا مرت على رحيل الزعيم الخالد جمال عبدالناصر، وما زال الرجل يرفض أن يموت. ففى ذكرى الميلاد وموعد الرحيل، يطل علينا بسيرته وقراراته التى غيرت مصير أمة ومصائر دول، وكأن الكاريزما التى لازمته ومنحته حضورًا طاغيًا طيلة حياته ترفض أن تغادره أيضًا بعد وفاته التى مضى عليها ما يقرب من نصف قرن من الزمان.
وفى حوار خاص مع «الدستور»، تحدث الحفيد جمال خالد عبدالناصر، كما لم يتحدث من قبل، حيث كشف عن العديد من الحكايات عن مشهد النهاية فى حياة جده، وكواليس الصراع بينه وبين المشير عبدالحكيم عامر فى أعقاب نكسة يونيو، وغيرها من الموضوعات التى صنعت تفاصيلها وسطورها أسطورة جمال عبدالناصر.


■ ٤٩ عامًا على رحيل جمال عبدالناصر.. فى رأيك لماذا ظل حاضرًا حتى الآن؟
- أعتقد أن قراراته هى السبب فى ذلك، فقد أحدثت زلزالًا فى التركيبة الاجتماعية للمجتمع المصرى، وما زال أثرها مستمرًا حتى الآن. فمصر قبل ثورة ١٩٥٢ شىء، وبعدها شىء مختلف تمامًا.
كان «عبدالناصر» مؤمنًا بأن التغيير الجذرى فى أى مجتمع يستند فى رحلة تحقيقه إلى الاستقلال والإرادة والعدالة الاجتماعية، هذا الثالوث الذى افتقدته مصر طويلًا، إلى أن جاء الزعيم، فأعاد مصر إلى المصريين من جديد، والمؤسف أنه بعد كل ذلك تخرج مجموعة من الأصوات لتطعن فى تلك التركة وهذا الميراث بادعاءات تقول إن فترة الملكية كانت تحمل بين جوانبها كل الخير والرخاء للشعب.
هؤلاء لم يقرأوا التاريخ جيدًا، وأغلب الظن أنهم حين اطلعوا لم يفهموا، فحرّفوا الحقائق عن مواضعها، فالأرقام تقول إن مصر قبل ثورة يوليو كانت عبارة عن مجتمع «النصف فى المائة»، وهى الفئة التى تركزت الثروة والسلطة فى يديها، فضلًا عن القرارات المصيرية التى لم تكن تحت سيطرة الملك، لكنها كانت تأتى من مقر السفارة البريطانية بالقاهرة، وهكذا كانت تدار الأمور فى بر مصر.
■ من أين استمد «ناصر» ثقافته المنحازة لقضايا الاستقلال الوطنى وأفكاره المؤيدة للعدالة الاجتماعية؟
- البيئة التى نشأ فيها «عبدالناصر» هى التى صاغت شخصيته، وجعلته منحازًا لفكرة العدالة الاجتماعية، وكان على يقين بأنه من المستحيل أن تستقيم الأمور فى وطن يعانى أغلب أبنائه مشقة توفير «لقمة العيش». من هنا تشكل وعيه المنحاز لقضايا العدالة الاجتماعية.
بالإضافة إلى ذلك النشأة فى بيئة صعيدية، كان ميراثه منها الصبر والتحمل والمعاناة، جعلته متطلعًا ومتشوقًا نحو البحث عن غدٍ أفضل، لكنه لم يكن يحلم بذلك لنفسه، بل حلم بذلك لكل بنى وطنه، وعندما انتقل إلى الإسكندرية عاش مُطلعًا ومتابعًا لكثير من القضايا والمتغيرات، وحينها كان الفكر الاشتراكى يجتاح العالم، باعتباره الطريقة المثلى القادرة على إذابة الفوارق بين الطبقات.
وأعتقد أن الظروف التى عاشها مجتمعة هى التى منحته تلك الكاريزما، وهذا الحضور الطاغى الذى لازمه طيلة حياته ولم ينطفئ بوفاته.
■ كيف تشكلت النواة التى خرج من رحمها تنظيم الضباط الأحرار؟
- فكرة تأسيس تنظيم الضباط الأحرار كانت مشروعًا ناصريًا بامتياز. فجمال عبدالناصر هو مؤسس الفكرة، وذلك إبان عمله مدرسًا فى الكلية الحربية، قبل اندلاع الثورة بثمانى سنوات.
لكن تفكيره الحقيقى فى القيام بها بدأ مع الهزيمة فى حرب فلسطين ١٩٤٨، حين بدأ فى استقطاب العديد من الضباط، وبلغ عدد الدفعة الأولى من الملتحقين بالتنظيم نحو ٢٠٠ ضابط، تم تقسيمهم إلى فرق، كل فرقة تضم ٥ أفراد، لا يعلم أفرادها عن الفرق الأخرى شيئًا.
وفى عام ١٩٥٢ انطلقت الحركة المباركة بمجموعة من الشباب المتحمس والمحب لبلده، وقتها اقترح «جمال» فكرة الاستعانة بأحد كبار قيادات الجيش، كنوع من الدعم وإضفاء الشرعية على الحركة، فوقع الاختيار على اللواء محمد نجيب، لكنه لم يصن العهد، وبدأ بفتح قنوات تواصل مع جماعة الإخوان، وبدا حريصًا على الدعاية لنفسه أكثر من الترويج للثورة.
■ وهل عرض «ناصر» منصب رئاسة مجلس قيادة الثورة على الفريق عزيز المصرى قبل «نجيب»؟
- هذه معلومة روجها البعض فى فترة ما، ولم أسمع بها من قبل.
■ تقول إن «ناصر» بدأ الإعداد للثورة فى الفترة من ١٩٤٤ حتى عام ١٩٥٢، رغم ما تدعيه بعض الأصوات بأنه كان عضوًا فى «الإخوان» خلال تلك الفترة.. فهل حدث ذلك بالفعل؟
- حسب معلوماتى، فإن «ناصر» كان عضوًا فى صفوف الإخوان فى سن الـ١٩، لكنه انقلب على أفكار أبناء «البنا»، عندما وجدهم لا يقدرون حرمة الدماء، ويتخذون من فكرة الاغتيالات السياسية منهجًا للصعود والسيطرة.
وللعلم «عبدالناصر» كان شخصًا متدينًا جدًا، وكان حافظًا للقرآن الكريم، وحرص على أن يحفظه أبناؤه. فوالدى خالد جمال عبدالناصر كان هو الآخر حافظًا لآيات الذكر الحكيم عن ظهر قلب.
والمثير أنه عند نشوب الصراع بين «ناصر» و«الإخوان» استغلت الجماعة الدين فى محاولاتها لحسم الصراع لصالحها.
■ هل صحيح أن المشير عبدالحكيم عامر كان أشبه بالدبة التى قتلت صاحبها خاصة بعدما تسبب فى النكسة؟
- كلنا نعلم أن جمال عبدالناصر تحمل المسئولية السياسية عن نكسة ١٩٦٧، باعتباره رئيسًا للجمهورية، والدليل على هذا قرار التنحى عن منصبه، لكن «عامر» كان المسئول الفعلى عن الاستعدادات العسكرية، وقد أبلغه الرئيس باحتمالية تعرض مصر لضربة مباغتة، فطمأنه بأن الأمور تحت السيطرة، لكن النتائج جاءت مخالفة لكل ما قاله المشير قبلها.
■ لا يمكن أن تأتى بالكلام على ذكر «عامر»، دون أن نسأل عن لغز وفاته، فما المعلومات التى يملكها حفيد الزعيم ولا تتوافر لأحد غيره؟
- لا أملك معلومة حاسمة عن تلك القضية الشائكة، لكن توجد أقاويل تزعم أنه مات منتحرًا، وهناك آراء أخرى ترى أنه تم اغتياله على أيدى شمس بدران وصلاح نصر، خشية افتضاح أسرارهما حال تقديمهما للمحاكمة فيما بعد النكسة.
وقولًا واحدًا.. كل ما عدا هذا الكلام لا أساس له من الصحة أو الدقة، وأرفض تمامًا الزج باسم «عبدالناصر» فى تلك القضية سواء تصريحًا أو تلميحًا. فهو لم يكن شخصًا دمويًا، حتى يقوم باغتيال عبدالحكيم عامر، وليس أدل على ذلك من رفضه إعدام الملك فاروق فى بدايات الثورة.
■ كانت الأمور بعد رحيل «عامر»، تسير باتجاه حسين الشافعى، حيث أنزله «ناصر» منزلة الرجل الثانى وعينه نائبًا له، فلماذا استعان لاحقًا بـ«السادات»؟
- حسب رواية حسين الشافعى لى قبل وفاته بأيام، فإن جمال عبدالناصر قد بدأ الإعداد لمحاربة إسرائيل بعد النكسة مباشرة، وكان الموعد المقرر لبدء الهجوم واستعادة الأرض قد حدده ليكون فى العام ١٩٧١، وفى الوقت ذاته بدأ فى مخاطبة الحليف الروسى لإمداده بالأسلحة اللازمة، لكنهم أخبروه بأنهم لا يريدون حروبًا أخرى فى المنطقة، ولم يبد الطرف الروسى حماسًا كبيًرا لدعم مصر، بالمعنى الصحيح قالوا له «لن نبيع لك أسلحة». وكان البديل حينها، اللجوء إلى السعودية للحصول منها على المال اللازم والكافى لشراء تلك الأسلحة التى تحتاجها مصر لشن الحرب، حينها كان «السادات» هو الوحيد الذى يتمتع بعلاقة جيدة مع «آل سعود»، فأتى به «عبدالناصر» نائبًا، لتسهيل مهمة اتصاله معهم، ونجح بالفعل فى إذابة جبل الجليد بين الطرفين.
وعلى حسب رواية حسين الشافعى أيضًا، فإن الزعيم الراحل كان غير مقتنع بقرار تنصيب «السادات» نائبًا، وعندما رحل كانت هناك مفاضلة بين الاثنين لخلافة «جمال» داخل مجلس قيادة الثورة، لكن «السادات» نجح فى حسم الأمور لصالحه لاحقًا.
■ قامت ثورة يوليو على مجموعة من الأهداف، ونجحت فى تفعيل معظمها وتحويلها إلى واقع، لكن هناك من يرى أن ثغرة الديمقراطية فى عهد «ناصر» كانت قاتلة، فما رأيك؟
- الزعيم الراحل كانت لديه قناعة ثابتة مفادها أن تطبيق الديمقراطية يحتاج إلى تخصيب تربة الحياة السياسية والاجتماعية فى مصر. فالمجتمع الذى يعانى من جحيم الفقر وويلات المرض وسطوة الجهل، ولا يشغل تفكير أبنائه إلا «لقمة العيش»، يصبح من السهل استغلال أبنائه عن طريق الأثرياء، لذا اعتمدت فلسفته على بناء منظومة صحية وتعليمية تمهد الطريق نحو الديمقراطية.
■ لكن هناك من يقول إن مصر قبل الثورة كانت تتمتع بحياة ديمقراطية ومناخ ليبرالى.. فلماذا لم يبنِ «ناصر» على ما كان قائمًا؟
- هناك من يقيس فكرة الديمقراطية على الفترة ما قبل ثورة يوليو حيث كانت مصر تمتلك برلمانًا بالفعل، لكنه لم يكن يملك من أمره شيئًا، فلا يدير ولا يحكم ولا يحاسب، ولكن بعد الثورة، فى كل مرة كان يقطع «عبدالناصر» شوطًا فى الطريق نحو الديمقراطية كانت تداهمه الأزمات مثل العدوان الثلاثى، ومؤامرات اغتياله من قبل جماعة الإخوان.
فمثلًا عندما تواجه مجموعة من القوى العظمى تسعى لتأليب الرأى العام ضدك وإشعال الشارع فى وطنك، عن طريق إلقاء منشورات فى الشارع تروج وتزعم بأنك حاكم ديكتاتور، عندها ستجد نفسك محاطًا بأولويات تسعى لتنفيذها أولًا لمنع الفوضى.
وللعلم كان بإمكان «عبدالناصر» اللجوء إلى ديمقراطية شكلية، لكنه كان متأكدًا أن نتائجها ليس إلا الفساد والإفساد.
■ هناك من اعتبر أن جمال عبدالناصر مات إكلينيكيًا بعد نكسة يونيو.. فهل صار جسدًا بلا روح ولم يعد بذات العزيمة التى كان عليها من قبل كما يقول البعض؟
- تأثر الزعيم كثيرًا بما حدث عام ١٩٦٧. فبعد النكسة بدأ فى تنفيذ مجموعة من الإصلاحات الكبرى، واستعان بفريق عمل جديد، وبدا منفتحًا على كل التيارات، وأقام حوارًا ديمقراطيًا راقيًا مع طلاب الجامعات، فضلًا عن إعادة بناء الجيش الوطنى، وإعادة الروح للقوات عن طريق حرب الاستنزاف، التى عجزت معها إسرائيل ولجأت لمبادرة وقف إطلاق النار، إضافة إلى ذلك فقد استمرت مسيرة التنمية.
■ مشهد النهاية فى حياة جمال عبدالناصر.. هل كانت الوفاة طبيعية؟
- أصيب عبدالناصر بأزمة قلبية فى عام ١٩٦٩، وربما تكون هى السبب فى وفاته، لكن المنطق الأقرب هو أنه مات مقتولًا. فخلال تلك الفترة كانت هناك العديد من العواصم العربية والغربية التى تسعى للتخلص منه. فإسرائيل مثلًا عندما فشلت فى حرب الاستنزاف، كان لديها ترقب وخوف مما هو قادم، وبالتالى لم يكن غريبًا أن تسعى للتخلص منه.
■ ما الذكريات التى تحملها عن السيدة تحية عبدالناصر قرينة الزعيم الراحل؟
- كانت سيدة عظيمة وجميلة الروح، أتذكر عندما كنا نذهب للجلوس معها، أجدها دائمًا حريصة على الإشراف على إعداد الطعام داخل المطبخ، وكانت حياتها تنحصر فى اهتمامات محددة. فجمال عبدالناصر كان حريصًا على إبعادها عن المجال العام، واحترمت رغبته فى ذلك الموضوع.


هل تنوى إصدار كتاب عن الزعيم الراحل؟
- مستقبلًا قد أبدأ فى إصدار كتاب جديد، لكننى لن أتناول من خلاله سيرة الزعيم.فالكتاب سيرصد رحلة والدى خالد جمال عبدالناصر وعلاقته بوالده، إضافة إلى الحديث عن تنظيم «ثورة مصر»، الذى قضى بسببه ٣ سنوات فى المنفى، قبل أن يعود إلى مصر لاحقًا ويحصل على البراءة فى تلك القضية.