رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بلاستيك قاتل.. تجار الموت يتلاعبون بالمخلفات الطبية ويحولونها لزجاجات وأطباق

جريدة الدستور

أطباق، أكواب بلاستيكية، جميعها أدوات لا يخلوا منها أي منزل، إلا أن معظمها يباع بأسعار زهيدة جدًا.

وتقول شيماء حسن، سيدة في الخمسين من عمرها، أنها اعتادت أن تشتري شهريًا علب ثلاجة جديدة، من محال الأدوات المنزلية، لكنها امتنعت عن شرائها بعد أن أصبيت ابنتها بميكروب في المعدة، خاصة بعد أن أخبرها الطبيب أن هذا الميكروب جاء نتيجة استخدام أدوات بلاستيكية غير صالحة للاستخدام الآدمي، إذ أنها مصنعة من بلاستيك تم تدويره عدة مرات.

وأضافت أن شرطة المسطحات المائية بالدقهلية، ضبطت في منطقة "قلابشة"، 6 أطنان من المخلفات الطبية الخطرة، أثناء قيام صاحب محرقة لتدوير المخلفات، يدعي "باسم.ح"، بتخزينها لاستخدامها فى صناعة الأكواب والعلب البلاستيكية التي تستخدم فى المأكولات والمشروبات، حيث قام صاحب محرقة للمخلفات الطبية الخطرة بمنطقة البساتين بقرية قلابشو بنطاق مركز الستاموني في بلقاس، بتجميع النفايات الطبية بغرض دفنها والتعامل معها بطريقة أمنة، إلا أنه استغل تجميعها فى تدويرها لاستخدامها فى صناعة الأكواب والأطباق البلاستيكية المستخدمة في المأكولات والمشروبات، وتم تحرير محضر بالواقعة.

وتابعت شيماء حسن، أنها لم تتأكد من كون البلاستيك الذي استخدمته كان تدويرًا للمخلفات الطبية، أم لا، لكن تأكدت من عدم نقاءه، حينما تغير لونه بعد أول استعمال من الأبيض الناصع، إلى أن أصبح مائلًا إلى الأصفر، وتدرجت ألوانه حتى وصل إلى البني الفاتح، معلقه "في الأول كنت شاكه أنه ممكن يكون عايز يتغسل كويس بس بعد كده أتأكدت إنه خطر".


فيما قال محمد ممدوح، طبيب باطني بمستشفى القصر العيني، لـ "الدستور" إن التجار الذين يستخدمون النفايات الطبية في إعادة تدويرها وتحويلها إلى مواد بلاستيكية يستخدمها الإنسان هم في الأصل تجار للموت، ومعدمي الضمير، موضحًا أن الإمساك بهذه المواد دون حائلًا أو تعقيمًا طبيًا قد يؤدي إلى الإصابة بالعديد من الأمراض الوخيمة التي يصعب على الإنسان محاربتها بجسده الهزيل.

"سرطان..إيدز..عقم.. فيروسات عدة"، جميعها أمراض من الممكن أن تصيب الإنسان بمجرد استخدامه تلك النفايات الطبية، حيث أوضح ممدوح، أن البخار وغيرها من الطرق التي يستخدمونها في إعادة تطويع البلاستيك لا تكون كافية لدرء الأمراض التي تغذت بها المخلفات الطبية، معلقًا "مينفعش نستخدم الأدوات الطبية لأكثر من مريض وبالطبيعي جدًا مينفعش ياكل فيها".


فيما قالت نادية صلاح، ربة منزل في الثلاثين من عمرها، لـ "الدستور" إن تجربتها مع البلاستيك المضروب جاءت مع الزجاجات البلاستيكية التي تباع في الأسواق بعشر جنيهات، في حين أنها تباع في المحال التجارية الكبرى بتسعين جنيهًا، معقبة "لما لقيت فرق السعر الكبير ده استغربت جدًا، وبدأت أشوف الفرق بينهم".

وأضافت أنها بحثت بدقة عن الفوارق، حتى أخبرها صاحبي المحل أن خامة البلاستيك المستخدمة في تصنيع الزجاجات البلاستيكية هي من البلاستيك النقي، أما شبيهتها التي تباع في الأسواق فيكون من بلاستيك معاد تدويره وقد يكون من مخلفات طبية، الأمر الذي دفع نادية، إلى الامتناع عن شراء الأدوات البلاستيكية من محال مجهولة المصدر، خاصًة بعد حالة الذعر التي أصابتها عقب سماعها أن هناك محارق تعيد تدوير المخلفات الطبية معلقه "ونرجع نقول الأوبئة والأمراض الخطيرة بتنتشر ليه".


وكشفت إحدى دراسات وزارة البيئة والتي نشرت نهاية عام 2018، بعنوان «إدارة النفايات الطبية فى مصر»، أن إجمالي حجم النفايات يوميًا يصل إلى 102 ألف و762 كيلوجرامًا، تنقسم نسبتها بين مصادرها على النحو التالي، مخلفات مستشفيات وزارة الصحة نسبة 36%، والمستشفيات خاصة 54%، والمستشفيات ذات صلة بوزارة الصحة 5%، والمستشفيات الجامعية 3%، ومستشفيات الشرطة بنسبة 1%، ومستشفيات شركات القطاع العام بنسبة 1%.

كما تأتى محافظة القاهرة على رأس محافظات الجمهورية من حيث كمية المخلفات بواقع 19 ألفًا و587 كيلوجرامًا يوميًا، لتسجل أعلى المحافظات، بينما بلغت المخلفات فى الإسكندرية 6 آلاف و836 كيلوجراما يوميًا.

وأشارت الدراسة إلى أن عدد المستشفيات المسجلة فى مصر يصل إلى 2352 مستشفى، بينما بلغ إجمالي المنشآت الصحية (عيادات ومستوصفات ومعامل ووحدات ومراكز صحية وماكينات للغسيل الكلوى وصيدليات) 154 ألفًا و687 منشأة.

وتشير الدراسة إلى أن كميات النفايات غير المعالجة يصل إلى 52 ألفًا و258 كيلوجراما بنسبة 60%، والنفايات المعالجة تقدر بـ45 ألفًا و143 كيلوجراما يوميًا بنسبة 40%، فى حين يبلغ حجم استيعاب محطات الترميد و(الحرق) 24 ألفًا و352 كيلوجرامًا يوميًا فقط، وهذه الكمية أقل من حجم النفايات التى تخرج من المنشآت الطبية يوميًا البالغة 102 ألف كجم، كما أنها لا تعمل بكامل طاقتها، إذ يبلغ معدل ترميدها 16 ألفًا و820 كيلوجراما يوميًا.


وقال الدكتور محمد فؤاد، مدير المركز المصرى للحق فى الدواء، إن النفايات من أهم أسباب الإصابة بالأمراض خاصة فيروس سى، وإن مصر لا يوجد بها سوى 4 مدافن طبية، وهذا العدد لا يكفى، مقارنة بعدد المستشفيات.

وتابع فؤاد، أن أكبر دليل على وجود تلاعب من قبل أصحاب المحارق الطبية هو وجود سرنجات، أدوات طبية، جراحية فى مقالب القمامة العادية، وطالب مدير مركز الحق فى الدواء بضرورة وجود سجلات طبية فى كل مستشفى ترصد أعداد وكميات هذه المخلفات، فضلًا عن ضرورة توفير سيارات صحية لنقل النفايات، التأكد من التخلص منها على النحو المفروض.