رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العراق الأرض الموعودة بالعذاب (2)..

"أشبال داعش".. القنابل الموقوتة فى العراق

الزميلة شماء جلال
الزميلة شماء جلال مع اطفال سوريا

لكل حرب ضحايا، وفى العراق حصد الأطفال النسبة الكبرى، قد يكون آباؤهم اختاروا أن يكونوا بيئة حاضنة لتنظيم إرهابى، قرروا بخياراتهم الواعية أن ينضموا إلى تنظيم لا يرى فى الإسلام سوى السيف والقتل والذبح، ليبقى أولئك الأطفال بتفكيرهم القاصر وإدراكهم غير المكتمل الضحايا الحقيقيين لهذه الحرب. بعضهم انصاع لأوامر ولى الأمر ليصبح من أشبال الدولة المزعومة، والبعض الآخر اختطف من أسرته وأجبر على حمل السلاح وزراعة العبوات الناسفة، قبل أن ينهار التنظيم ويبقوا فى منتصف طريق لا يستطيعون العودة منه أو إكماله.

داخل مخيم «حمام العليل» فى الموصل العراقية، المدينة التى اتخذها تنظيم «داعش» الإرهابى مقرًا له لثلاث سنوات كاملة، قبل استعادتها فى معركة حامية الوطيس، يتجمع «أطفال تنظيم داعش»، عندما تمر عليهم قد تأسرك ملامحهم الطفولية، تشفق عليهم، لكن حقيقة الأمر أن «الأشبال» الذين تربوا بين يدى التنظيم الإرهابى على العكس من ذلك.
«داعش» جند مئات الأطفال من أهالى تلك المناطق تحت اسم «أشبال الخلافة»، حيث بدأت نتائج ذلك تشاهد من خلال تصرفات الأطفال وتقليدهم لما كانوا يشاهدونه من صور الذبح بالسكين، أو الجلد وقطع الأيدى أو الأرجل، تحت ما يسمى «إقامة الحدود الشرعية».
بعد انهيار التنظيم، ومقتل أو هروب ذويهم بقى الأطفال عالقين مع أمهاتهم، عائلات مطرودة لا تجد مكانًا أو أحدًا تلجأ إليه، عالقة فى المخيمات ومنفية.
فى مجموعة خيام منفصلة بجوار مخيم حمام العليل تم وضع عوائل الدواعش المرحلين من مخيم الهول السورى إلى مدينة الموصل العراقية، آخر الدفعات التى استقبلها المخيم تبلغ ٥٠٠ فرد من النساء والأطفال والقليل من الرجال، ينتظرون الخضوع للمراجعات الأمنية قبل أن يتم نقلهم إلى المخيم بشكل دائم.
كالنار تحت الرماد يبقى الأطفال فى مخيمات رفقة أمهاتهم، يعانون النبذ والاحتقار من محيطهم، يشعل ذلك مزيدًا من النيران فى صدورهم، بعضهم يتحين اللحظة التى يستعيد فيها حريته للبحث عن فلول تنظيم فى الغالب يضع هو الآخر أمله فيهم.
آلاف العائلات تعيلها نساء تركن ليتدبرن أمورهن وحدهن فى مخيمات النازحين داخليًا بعد مقتل الذكور من أفراد العائلات أو اعتقالهم أواختفائهم أثناء فرارهم من المناطق التى كانت خاضعة لسيطرة تنظيم «داعش» داخل الموصل وحولها.
فى المخيم قابلت «أم حسين»، من إحدى العائلات «الداعشيات» كما يطلق عليهم أهل المخيم، من أبناء الموصل، عمل زوجها وأبناؤها مع التنظيم، كانت مهمة الزوج ضمن صفوف التنظيم تركيب العبوات المفخخة.
كان لديها من الأطفال أربعة، قتل الزوج والابن الأكبر فى المعارك وبقى لها اثنان، حسين ومحمد، ١٤ و١٦عامًا، بدا الطفل الأكبر عدائيا ويرفض الحديث، كانت نظرات الكراهية تطل من عينيه نحو الجميع.
أما حسين الابن الأصغر ففقد إحدى ساقيه فى انفجار عبوة مفخخة، يحكى الطفل الذى قضى ثلاثة أعوام فى كنف التنظيم، أنه خرج ليملأ ماء قبل أن تنفجر فيه عبوة أدت إلى بتر ساقه، ليعتمد على أحد الأطراف الصناعية.
يقول حسين إنه لم يذهب إلى المدرسة خلال ثلاثة أعوام من حكم داعش، ونظرًا لصغر حجمه لم ينضم إلى التنظيم مبكرًا، ولكنه الآن يحاول أن يعوض ما فاته من التعليم، فهو يحب دراسة الرياضيات.
تقول الأم إن أبناء عمومتها قاموا بهدم المنزل وطردهم خارج البلدة، لم يجدوا مأوى لهم سوى المخيم، وإن الطفل يعانى من نوبات اكتئاب وحالات عنف، يصرخ ويبكى بسبب معايرة العائلات الأخرى لهم كونهم أسرة «داعشية»، من حين لآخر تقع عيناها على الابن الأكبر الذى انزوى فى جانب موجهًا لنا نظرات حادة لا تنقطع، لترتبك الأم قبل أن تقول: «أرجوكى لا أحب الكلام عن داعش».
أسألها هل سيعود ابناك إلى الانضمام لصفوف داعش إذا جاءتهما الفرصة؟، ترد السيدة فى خوف وارتباك: «والله ما تنعاد».
دفع حسين ثمن اختيارات والده ليس فقط ببتر قدمه، ولكن فى الغالب سوف يدفع ثمنًا قاسيًا بقية حياته من النبذ والاحتقار فى مجتمعه، قد يدفعه ذلك وأخيه إلى الانتقام، إذا لم يتم التعامل معهما واحتواؤهما وإعادة تأهيلهما.
يقول الدكتور أحمد حذيفة، الطبيب النفسى بمخيم حمام العليل، إن المخيم استقبل مئات الحالات من الأطفال، وينقسمون إلى فئتين، الأولى من تعرضوا إلى مشاهد عنف، والثانية الأطفال الذين شاركوا فى القتال بوصفهم من أسر داعشية.
أما الفئة الأولى فإنها تعانى من حالات ونوبات خوف وصرع، وتبول لا إرادى، وهى الفئة التى يمكن التعامل معها نفسيًا وتخطى تلك الحالة مع الوقت.
ويضيف الدكتور: «الفئة الثانية هى التى كانت تقوم بأعمال قتال مع التنظيم، وهى حالات نواجه صعوبة فى التعامل معهم فقد تلقوا تدريبًا عاليًا على عدم الإفصاح عن المعلومات، كما أنهم يحظون بحالات من الثبات الانفعالى العالى ولا تستطيع أن تكتشف أى شىء من ردود أفعالهم، وهى حالات تمثل خطورة على المحيطين بهم».
وتابع: «عندما نطلب منهم الرسم ضمن برنامج التأهيل النفسى، فإنهم يرسمون أسلحة أو عبوات ناسفة أو مشاهد قتل وقطع للرءوس»، مشيرًا إلى أن بعضهم استطاع حفر نفق أسفل المخيم حتى الجهة المقابلة من الطريق للهروب من المخيم.
يقول: «كانت لدينا حالة لطفل يدعى محمد، عمره ١٥ عامًا، من (أسر الدواعش)، واجهنا معه صعوبات كبيرة فى التعامل، كان عدوانيًا وحادًا بشكل كبير، ورفض الإفصاح عن أى معلومات قد تساعدنا فى علاجه، غير أنه رفض التكيف، وكان يمثل خطرًا على الأطفال المحيطين به، كذا فإن أجواء وجوده فى المخيم تجعله تحت ضغط نفسى كونه مهاجمًا من قبل باقى العائلات والأهالى الذين كان يمارس التنظيم عليهم أعمال عنف وإرهاب».

من زاهد إلى المقداد.. قصة تحول طفل إيزيدى إلى انتحارى ضمن صفوف «داعش»

زاهد أو «المقداد» كما أطلق عليه التنظيم، أحد «أشبال الخلافة» طفل بشوش، يبلغ من العمر ١٥ عامًا، يرتدى تيشيرت وبنطلون جينز، التقيته فى منزل أسرته بمدينة سنجار العراقية الإيزيدية، حيث اللغة الكردية هى اللغة الدارجة، تحدثت إليه بالعربية غير متوقعة أن يبادلنى الحديث بلهجتى المصرية أيضا، إلا أنه فاجأنى بالرد علىّ بالفصحى وبحروف عربية صحيحة ومتماسكة.
رغم براءة وجهه إلا أن الحوار معه لم يكن سهلا، زاهد اختطفه التنظيم من قريته فى ٢٠١٤، ليظل معهم لأكثر من ثلاث سنوات، قبل أن يتحول إلى انتحارى.
يحكى زاهد رحلته من سنجار فى قريته كوجو فى شمال العراق إلى الرقة السورية، وتحوله إلى انتحارى على أيدى التنظيم الإرهابى.
كنا فى المنزل عندما بدأ الهجوم على قريتى «كوجو» من قِبل المسلحين، حاولت الهرب أنا وأمى وإخوتى وأقربائى، إلا أنهم تمكنوا من القبض على حوالى ٣٠ من عائلتى وقريتى، وكنت واحدًا من الأطفال الإيزيديين الذين تم نقلهم إلى مدينة تلعفر حيث تم إلحاقنا بـ«المدرسة الشرعية».
يحكى زاهد عن سير يومه فى المدرسة الشرعية أن اليوم يبدأ بدروس فى الشريعة والأحاديث، كما كان هناك من علمهم القرآن، يقول إنهم كانوا يحاربون فى سبيل الله وإنهم سعوا إلى دخول الجنة.
قاطعته وسألته: وهل أنت مقتنع أن هذا هو الدين وما يريده الله؟، ابتسم وقال إنه كان يصدقهم فى الوقت الذى كان فيه معهم.
ظل عامًا فى المدرسة الشرعية قبل أن يُنقل إلى معسكر تدريبى بمدينة الرقة السورية، يقول زاهد إنه تعلم هناك حمل السلاح وأنواعه وإطلاق النار وكان التدريب العسكرى للأطفال يتضمن تجاوز حواجز من الإطارات المحترقة بالزحف أو القفز من أماكن عالية، واستخدام الكلاشينكوف وإرغامهم على مشاهدة تسجيلات فيديو لكيفية استخدام الأحزمة الناسفة والقنابل وقطع الرءوس، وكان مسلحو داعش يكررون علينا «أننا أصبحنا مسلمين ولم نعد إيزيديين بعد الآن».
تحول زاهد إلى انغماسى (انتحارى)، موضحًا أنه أصبح يتحرك وهو يضع حزاما ناسفا حول خصره بشكل دائم، وأنه كان مستعدا لتفجير نفسه فى أى وقت عند قدوم الأعداء.
يعرف الطفل المقاتل كل أنواع السلاح ويعددها بفخر، يستطيع التمييز بين الطائرات الأمريكية والروسية، ويحكى أنه رأى أخته «غزال» عند رجل يدعى «أبا رعد»، ولكنه لم يحاول تهريبها، فقد كان مع التنظيم وكان مقتنعًا أنها تجاهد فى سبيل الله، وعندما سألته هل حاولت هى أن تحادثه، قال إنها كانت تخاف منه فقد أصبح واحدًا منهم. شارك زاهد فى معارك فى دير الزور والدشيشة وحلب والرقة، وكان آخر معاركه مع التنظيم فى مطار دير الزور.
سألته عن طبيعة الملابس التى كان يرتديها أثناء وجوده مع التنظيم الإرهابى، فقال إنه كان يرتدى ملابس قندهارية، جلباب مشقوق وبنطال، قبل أن يتباهى بأنه كانت له صور كثيرة أثناء عمليات القتال التى شارك فيها.
وعن قصة استعادته، يقول زاهد إنه عاد عن طريق اختطافه من أحد المهربين عندما كان فى طريقه إلى المحكمة الشرعية بالرقة، وإن المهرب استطاع أن ينزع الحزام الناسف قبل أن يسلمه إلى أحد أفراد عائلته على الحدود العراقية.
عند عودة زاهد إلى مدينته لم يجد من أسرته سوى أبيه وأخته الصغرى «إيجا»، بينما بقيت أمه وأخته غزال فى قبضة التنظيم الإرهابى فى سوريا، يقول أبوه إنه يعانى فى التعامل معه، تغيرت شخصيته ليصبح أكثر حدة وعنفًا، أصبح شخصية قيادية تلقى بتعليمات وأوامر طوال الوقت، ولا يقبل أن يخالفه أحد.
شيرين ومحمود ناشطان حقوقيان بمدينة سنجار، قالا إنهما اضطرا إلى التعامل مع المهربين لاستعادة الأطفال والنساء الإيزيديين المختطفين من أيدى تنظيم داعش الإرهابى، «لدينا شبكة كبيرة من المهربين الذين نتعامل معهم لتهريب الأطفال من منطقة دير الزور السورية والرقة والدشيشة، حتى الوصول إلى مدينة سنجار»، يؤكد محمود أن عدد المختطفين وصل إلى ثلاثة آلاف، وأنهما استطاعا استعادة ٥٢ طفلًا فى العام الماضى، مشيرًا إلى أن تكلفة استعادة الأطفال باهظة جدًا تصل إلى ٦٥ ألف دولار للطفل الواحد.
وتضيف شيرين أنهم يواجهون مشكلة كبيرة مع بعض الأطفال الذكور الذين يحاولون الهروب للعودة مرة أخرى إلى التنظيم، وبعضهم يحاول الاتصال بهم تليفونيا، فقد تعرضوا إلى عملية محو كامل لهويتهم الإيزيدية والدينية، وأصبحوا مقاتلين مقتنعين بما لقنوه لهم.
مشيرة إلى أنهم يحتاجون إلى عملية تأهيل نفسى واجتماعى طويلة، وقد تم إرسال أغلب الأطفال إلى برامج معالجة نفسية فى كندا وأستراليا وألمانيا.
تكمل أن عددًا كبيرًا من أعضاء التنظيم الإرهابى هرب إلى تركيا، ونقلوا معهم أطفال الإيزيدية المختطفين لديهم منذ يوم الإبادة، ونساء وفتيات أيضا لتصبح هناك سوق كاملة من المهربين والأطفال المختطفين بتركيا والرقة ودير الزور.
حسن سليمان إبراهيم، مدير مدرسة كوجو، أحد العناصر النشطة فى الخدمة المجتمعية، يقول: «لدينا أكثر من ثلاثة آلاف مخطوف أكثرهم من النساء والأطفال، يوضح أن الأطفال العائدين يصعب التعامل معهم، ويمثلون خطورة شديدة، ويلجأ بعضهم إلى الادعاء بأنهم سعداء بعودتهم على غير الحقيقة».
يكمل: «بعض الأطفال العائدين أيضا دون عائلات، قد تم قتلهم أو بيعهم وفقدان أثرهم لدى الدواعش، ولا يوجد أى اهتمام من الدولة بهم».
«لم يعد لدينا معلمون، قتلوهم جميعا»، يقول بأس إنهم وفروا له المقر ولكن ليس لديه أى تلاميذ، «أغلب الأطفال فى بيوت الدواعش»، ومن عاد منهم ذهب إلى برامج المعالجة النفسية، والباقى يخشى الخروج من المنازل خوفا من عودة هجمات الإرهابيين.
«سوفيان» كما لقبه التنظيم، طفل إيزيدى آخر تم تحريره من التنظيم، لا تختلف حالته كثيرًا عن زاهد، فقد تم اختطافه فى إحدى هجمات داعش على مدينة سنجار، قبل أن يتم تجنيده شرعيا وعسكريا، ودس أفكار التنظيم فى عقله.
وعلى الرغم من عودته، فإن أسرته تعتقد أنه يراوغ فى تخليه عن معتقدات التنظيم الإرهابى، أو انقطاع اتصاله بهم، تنوى أسرته إرساله إلى أحد برامج التأهيل النفسى بكندا، لضمان عزله عن البيئة المحيطة به وقطع أى صلات له بالتنظيم.
عند سؤاله: هل ما زلت تصلى صلاة المسلمين بعد عودتك؟، تزوغ عيناه قليلا قبل أن يبتسم ويهز رأسه نفيا «أنا إيزيدى».
«المساءلة القانونية تلاحق بعض الأطفال العائدين تحت سن ١٨ عامًا»، يقول أحد أفراد أسرته، ولكن ما يحتاجه هؤلاء الأطفال هو العلاج وليس السجن، فقد أجبروا على حمل السلاح.

إرث «داعش» المدمر.. «بتر الأطراف» مأساة أطفال الموصل

كشف مدير برنامج الأمم المتحدة لإزالة الألغام، بير لودهامر، عن رفع ٢٧ ألف لغم من مدينة الموصل بقوله: «يمكن وصف ما قاموا به بأنه عبقرية شريرة»، مبينا: «حتى الآن تمكنت فرق إزالة الألغام من تفكيك ٢٧ ألف لغم من الموصل». وأضاف، فى تصريحات له عقب زيارته العراق مطلع العام الجارى: «لم يقم أحد من قبل بوضع كل هذا الكم من المتفجرات فى مكان قبل مغادرته»، مشيرًا إلى أن «الفرق عثرت على المئات من مصانع المتفجرات». «لا توجد لدينا إحصائية دقيقة لعدد الأطفال الذين أصبحوا معاقين جراء الحرب على تنظيم داعش». يقول الدكتور وليد خالد محمود، مدير مستشفى الميدانى بحمام العليل، ولكن المستشفى يتلقى حالات لا حصر لها تم فيها بتر الأطراف للأطفال نتيجة سقوط قذائف الهاون أو انفجار عبوات ناسفة فيهم، وهى العبوات التى ترك التنظيم منها إرثًا لا ينتهى حتى يومنا هذا. ويضيف أنه تم إنشاؤه لاستقبال الحالات الخطرة من المقاتلين فى الجيش والشرطة والحشد الشعبى، ولكن المؤلم أن اكثر الحالات التى تم استقبالها لأطفال، مضيفًا أن أغلب الإصابات حالات بتر، ناتجة عن انفجار عبوات ناسفة، أو قذائف هاون، وعمليات قنص.
مشيرًا إلى أن معظم الأطفال أجروا عمليات بتر للأطراف العليا والسفلى، وحالات عديدة لفقدان البصر، وأجريت عمليات كثيرة لأطفال، ونحاول مدهم بأطراف صناعية، بدأنا تأهيلهم نفسيا حتى يتأقلموا مع وضعهم الجديد والاعتياد على الحركة بالأطراف الجديدة، يقول الطبيب إن قائمة الانتظار للحصول على طرف صناعى تتراوح من ثلاثة إلى ستة أشهر.
ونشر تنظيم داعش قنابل قابلة للتفجير وعبوات ناسفة فى العديد من المواقع التى تركها داخل الأحياء المدنية، وهو ما تسبب فى وقوع أعداد كبيرة من الضحايا بين صفوف المدنيين بعد رجوعهم إلى مساكنهم عقب تحرير المدن.
أحمد خلف، أحد الأطفال الذين بتر أحد أطرافه بعد انفجار قذيفة بالقرب منه، بعد عودته إلى مدينته أثناء لعبه مع أقرانه بجوار منزله، بين أنقاض بعض المبانى المهدمة، انفجرت فيه قذيفة من مخلفات «داعش».
يقول والده: «حقول الألغام تمتد لعشرات الكيلومترات وعلى طول الحدود السابقة لمناطق سيطرة التنظيم، معظم حقول الألغام تمر وسط المنازل»، مضيفا أن هناك مأساة للنازحين العائدين إلى منازلهم والتى لغمها الإرهابيون قبل انسحابهم، ليتركوا الموت فى انتظارنا.
وأكد أن هناك جهودًا من الهيئة الهندسية لقوات الجيش والحشد، وأيضا بعض الخبراء الدوليين لإزالة الألغام، كما قاموا بتعليم الأطفال كيف يمكنهم التعرف على القذائف والعبوات الناسفة والألغام.
يقول بأسى إن الأطفال أصبحوا يعرفون شكل اللغم، إلا أن العبوات المفخخة توجد فى ألف صورة ويصعب اكتشافها، فقد تم تفخيخ لعب الأطفال والمصاحف والأحذية، وأجهزة الموبايلات القديمة.
طفل آخر مأساته أنه فقد البصر مع ضرورة بتر قدميه الاثنتين، ليصبح عاجزا على المستويين، تحمله أمه على ظهرها أثناء التنقل، فى ظل تلك الظروف القاسية التى يمر بها العراق، وتصبح فرصه فى الحياة تكاد تكون معدومة، إذا كان أصحاب النظر لا تتوفر لهم فرص للتعليم، فكيف بكفيف مقعد؟.
يجلس يونس فى فراشه بالمستشفى مبتسما، قابضا فى إحدى يديه على سبحة من الخرز، يعمل يونس محمد أحمد كراعى غنم، انفجر فيه أحد الألغام أثناء تجوله بأغنامه فى الصحراء الواسعة، لتطير إحدى ساقيه فورا، وتبتر الأخرى فى صالة العمليات.
يبدو متقبلا لقدره بنفس راضية، قد يجدها البعض غريبة على روح طفل لم يتخط الثانية عشرة من عمره، ولكنها حال الآلاف من أطفال سوريا والعراق.

جهاد النكاح أفرز 20 ألف طفل مجهول النسب.. «دارى» ضحية الفقر

طفلة عمرها شهران، نحيلة، ملفوفة فى قطعة محكمة من القماش، موضوعة بحضانة مستشفى منظمة «دارى» الإنسانية التى تم تأسيسها بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، المجاورة لمخيم حمام العليل، يقول الطبيب إن الطفلة بحالة جيدة وقد تم تقديم الإسعافات اللازمة لها، يضيف: «أطلقنا عليها اسم دارى تيمنا بالمنظمة الإنسانية التى تقدم لها الرعاية».
وجدت ملقاة بجوار أحد مكبات النفايات بمخيم حمام العليل، ولم يستطيعوا الوصول إلى أمها، يقول الطبيب إن تلك الحالة ليست الوحيدة التى وصلت إلى المنظمة كطفلة مجهولة النسب، فالأمهات تعمد إلى التخلص من الأطفال نظرا للظروف الاقتصادية الصعبة.
يضيف: «رصدنا أيضا حالات عديدة من الانتحار بسكب (الكيروسين) أو آلات حادة بين السيدات فى المخيم، أغلب الرجال قد تم قتلهم أو القبض عليهم أو هربوا مع التنظيم الإرهابى أثناء عمليات التحرير، والحياة فى المخيم صعبة جدًا، كما أن العيادة النفسية لا يوجد بها سوى طبيب واحد يعمل ثلاثة أيام فى الأسبوع». وتابع: العامل الاقتصادى يلعب دورا مهما فى محاولات الانتحار والتخلص من الأطفال، موضحا أن تلك الأسر كانت تعيش فى منازل كبيرة، ويمارسون التجارة أو الأعمال الحكومية، وعقب تحرير المدينة ووضعهم فى المخيم، أصبحت حالاتهم النفسية فى أسوأ مستوياتها.
يضيف الطبيب: طبقا للإحصائيات فإن هناك ما يقرب من عشرين ألف طفل غير شرعى ولدوا فى مناطق الفلوجة والحويجة والأنبار والموصل ومناطق عديدة بالعراق، ثمرة ما عُرف بجهاد النكاح، وهم أطفال مجهولو النسب، بعضهم ما زال مع أمه، والبعض الآخر بلا أم أو أب، ولا يملكون أى وثائق رسمية تثبت أنسابهم ولا حتى تُعرف جنسياتهم، مناج الخليط الشيشانى والأفغانى والأوروبى والعربى، موضحا هؤلاء الأطفال يشكلون خطرا كبيرا.
موضحا أن هناك أطفالًا بصحبة أمهاتهم العراقيات واللاتى جمعتهن علاقات زواج ببعض أعضاء التنظيم، ولكن لا يوجد أى أوراق ثبوتية رسمية، وهو ما يستدعى إثبات أنسابهم فى المحكمة الشرعية، وهو أمر يكاد يكون مستحيلًا، بعض الأمهات لا يعرفن الأسماء الحقيقية لأزواجهن، فقط كنيات.

270 طفلًا مقتولًا و4 ملايين تأثروا بالعنف

أفادت منظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسف» فى أحدث تقاريرها عن الأطفال فى العراق، الصادر فى فبراير ٢٠١٨، بأن ٢٧٠ طفلًا لقوا مصرعهم فى العراق، وأن أربعة ملايين طفل فى محافظتى نينوى «شمال» والأنبار «غرب» تأثروا بالعنف الشديد، كما أُجبر العديد من الأطفال على القتال فى الخطوط الأمامية.
وقال المدير الإقليمى لليونيسف، خيرت كابالارى، إن العديد من الأطفال قد حرموا من طفولتهم، وأجبروا على القتال فى الخطوط الأمامية.
وتابع أن الندوب الجسدية والنفسية سترافق بعض هؤلاء الأطفال مدى الحياة، نتيجة تعرضهم للعنف غير المسبوق، كما أُجبر أكثر من مليون طفل على مغادرة بيوتهم.