رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قلب السير.. لماذا سيدخل مجدى يعقوب الجنة؟

جريدة الدستور

١٩٣٥ ولد مجدى يعقوب فى مدينة بلبيس بالشرقية
١٩٦٦ منحته الملكة إليزابيث الثانية لقب «فارس»
١٩٨٦عُين أستاذًا فى المعهد القومى للقلب والرئة
٢٠١١ مُنح وسام قلادة النيل العظمى

لا أحد غيره يستحق لقب «طبيب القلوب»، لمَ لا وهو من أجرى مئات من جراحات القلب الناجحة، للعديد من المرضى، وعالج من خلال مركزه الشهير فى أسوان آلاف الأطفال والفقراء، ما جعل من السير مجدى يعقوب «أسطورة لا تتكرر كثيرًا».
ومنذ وفاة عمته بمرض فى القلب، أقسم «مجدى» على السير فى طريق «علاج الأفئدة»، ليصبح أشهر جراح قلب فى العالم، ويحصل على لقب «أسطورة الطب فى العالم» عام ٢٠٠٨.
وإلى جانب حياته المهنية ومشواره الطبى المميز، تزخر حياة «سير مصر» بالعديد من المشاهد والمواقف الإنسانية والخيرية، كما أنه ورّث حبه الفقراء لنجله وابنتيه، حتى إن إحداهما تعمل طبيبة فى المناطق الحارة بإفريقيا وأمريكا الجنوبية.
«الدستور» فى السطور التالية تكشف عن ملامح من الحياة الشخصية لـ«الدكتور مجدى»، وتسترجع طفولته فى صعيد مصر، وذكرياته عن الترعة ومراقبة الضفادع، وتكشف عن أكلاته وهواياته المفضلة.


وفاة عمته فى صغره وراء اهتمامه بـ«طب القلوب».. ودخل «جينيس» بـ100 جراحة فى عام

فى مركز بلبيس بمحافظة الشرقية عام ١٩٣٥، ولد الدكتور مجدى حبيب يعقوب فى عائلة مسيحية ترجع أصولها لمحافظة المنيا فى صعيد مصر.
مهنة والده طبيب الجراحة العامة، حددت مسيرته المهنية فى وقت مبكر، خاصة عندما اختطف الموت عمته «أوجينى» مريضة القلب وهى فى سن ٢١ عامًا فقط، بسبب معاناتها ضيقًا فى الصمام «الميترالى»، وعلمت الأسرة أنه كان من الممكن إنقاذ حياتها لو سافرت لإجراء جراحة فى إنجلترا. «حرام تموت شابة بسبب مرض له علاج خارج مصر».. هذه الكلمة التى ترددت على لسان والده وقتها، ظلت تدور فى عقل «مجدى»، حتى قرر دراسة الطب والتخصص فى هذا النوع من الجراحات، الذى تعلم فيه أن حياة عمته كان يمكن إنقاذها بعملية بسيطة للغاية.
هذه الحادثة فى صغره دفعته ليكون واحدًا من أشهر ٦ أطباء قلب فى العالم، وثانى جراح فى العالم يجرى عملية زرع قلب، حتى إنه أجرى أكثر من ٢٠٠٠ عملية فى هذا المجال خلال ٢٥ عامًا، و٢٥ ألف عملية جراحية أخرى بشكل عام. حياته العملية بدأت منذ دراسته فى كلية طب قصر العينى بجامعة القاهرة، وشهدت اهتمامًا متزايدًا من «جراح القلوب» بأحوال مرضاه، وبتطوير أبحاثه منذ تخرجه عام ١٩٥٧ لتخفيف آلامهم، بعدما لمس بنفسه معاناة المرضى والأطفال على أسرّة المستشفيات وسط فقدان الأمل فى شفائهم.
عن هذه الفترة يقول: «كان التحدى أمامى هو دراسة الطب والتخصص فى جراحة القلب وقد كان، وبعد تخرجى كان ترتيبى الخامس على الدفعة، سافرت لإنجلترا عام ١٩٦٢ لاستكمال الدراسة والحصول على الدكتوراه، وتخصصت فى جراحات القلب والصدر».
خبراته صقلها بالحصول على عدة شهادات زمالة فى الطب من ٣ جامعات دولية، كما تدرج فى المناصب الأكاديمية حتى تعيينه «بروفيسور» فى المعهد الوطنى للقلب والرئة بالولايات المتحدة عام ١٩٨٦، وبعدها أصبح رئيسًا لمؤسسة زراعة القلب ببريطانيا عام ١٩٨٧.
وشهدت هذه الفترة إجراء الجراح العالمى أولى عملياته فى زراعة القلب للمريض «دريك موريس» عام ١٩٨٠، الذى كان أطول مرضى زراعة القلب استمرارًا على قيد الحياة بعد العملية حتى وفاته عام ٢٠٠٥. أبحاثه العلمية المتخصصة التى تزيد على أكثر من ٥٠٠ بحث فى مجال جراحة القلب والأوعية الدموية، جعلت حصوله على لقب «أسطورة الطب فى العالم» عام ٢٠٠٨، من جمعية القلب الأمريكية بشيكاغو شيئًا طبيعيًا، لينضم بذلك إلى قائمة الشخصيات الطبية الخمس الأكثر تأثيرًا فى تاريخ الطب البشرى.
كما دخل اسمه موسوعة «جينيس» للأرقام القياسية بعدما أجرى خلال عام واحد أكثر من ١٠٠ عملية زراعة قلب، وظل الجراح العالمى مستحوذًا على الأرقام القياسية فى مجاله حتى عام ٢٠٠١، الذى شهد اعتزاله مهنة الجراح بعد بلوغه سن الـ٦٥، وإن استمر رغم ذلك فى عمله استشاريًا لجراحات نقل القلب. فى عام ٢٠٠٦، وبعد اعتزاله بـ٥ سنوات، استدعته ملكة بريطانيا لإجراء جراحة معقدة للطفلة «هنا كلارك»، التى تبلغ من العمر ٧ أشهر، لكنها تعانى مشكلات فى القلب منذ ولادتها فزرع لها قلبًا جديدًا للعمل إلى جوار قلبها الصغير، لتحيا بقلبين معًا حتى سن ٨ سنوات. بعدها أصيبت نفس الطفلة بمرض السرطان، وأصبحت بحاجة لجراحة جديدة لاستئصال القلب الثانى، وهو ما حدث أيضًا على يد الجراح العالمى، لتستمر حياتها بعد ذلك بصورة طبيعية. بعد اعتزاله النهائى، قرر «طبيب القلوب» تأسيس مركز طبى فى مدينة أسوان لحبه لها، ومحاولته تخفيف المعاناة عن أهلها، وثقته فى مكانتها المتفردة وجودة هوائها لمرضاه، بالإضافة إلى كونها الأقرب للقارة الإفريقية التى تعانى من إهمال شديد من الناحية الطبية. يقول عن حياته العملية إنه لم يجر أى جراحة صعبة فى حياته، لأنه يتعامل مع كل حالة بحالتها ويدرسها جيدًا، ويقوم بكل ما هو ضرورى لها، دون أى صعوبة، كما يؤكد أنه ترك قلوب الناس أمانة فى يد تلاميذه وزملائه.


لعب «كرة شراب» و«وقف جون» فى طفولته.. وتزوج من ألمانية

فى حياته الشخصية، يكرس السير مجدى يعقوب معظم وقته للعمل، حتى إنه لا ينام أكثر من ٤ ساعات يوميًا، ويحكى عن طفولته أنه كان يحب لعب «الكرة الشراب» مع أقرانه رغم أنه كان «بيقف جون».
كما كان لا يحب الاستحمام فى الترعة مثل أقرانه فى ذلك الوقت، ولم يفعل ذلك أبدًا ما جعله يحافظ على صحته بشكل جيد، ورغم ذلك كان يجلس كثيرًا إلى جوارها، ليراقب سلوك الضفادع فى الماء، دون أن يفهم سر اهتمامه بذلك حتى الآن.
بداية السبعينيات من القرن الماضى، شهدت قراره بدخول عش الزوجية، بعدما جمعته قصة حب مع «ماريا» زميلته الطبيبة الألمانية الجنسية. بعد زواجهما بفترة، تفرغت الطبيبة المتزوجة من الجراح المصرى لمنزلها وتربية أبنائهما، خاصة مع انشغال الطبيب العالمى بعمله وأبحاثه.
الأسرة الصغيرة تكونت من أب وأم والابن «أندرو» الذى يعمل طيارًا، و«ليزا» كاتمة أسرار أبيها وسكرتيرته الخاصة، التى وهبت حياتها للخدمة الاجتماعية، وتعمل منسقة بمؤسسة «سلاسل الأمل» اللندنية، بالإضافة إلى «صوفى» الابنة الصغرى التى اختارت أن تكون طبيبة متخصصة فى طب المناطق الحارة، للعمل مع الفقراء فى إفريقيا وأمريكا الجنوبية.
فى عام ٢٠١٢، فقد الدكتور مجدى يعقوب زوجته، التى قال عنها: «عاشت فى ألمانيا الشرقية واتجهت بعدها لألمانيا الغربية، ثم سافرت للعمل فى إنجلترا وتزوجنا فى الولايات المتحدة».
رحلة العمر التى جمعت بينهما بلغت ٤٥ عامًا، لذا يؤكد أنه لا يمكنه نسيانها مهما كانت مشاغله وهمومه.
ويضيف: «قررت أنا والعائلة أن نقوم بالأشياء التى أرادتنا أن نفعلها، وأن نعمل أكثر ونكتشف أكثر وألا نستسلم أبدًا أو نبكى عليها، لذا فأنا فخور بما قدمته لى ولأبنائى، لأنها ربتهم تربية سليمة».
أسعد لحظات حياته يقضيها مع أحفاده الثلاثة، الذين يعملون أساتذة فى جامعات سنغافورة، ويتخصصون فى التاريخ المصرى القديم، لذا يسافرون فى أوقات الإجازة إلى جدهم فى أسوان للتمتع معًا برحلة نيلية فى واحدة من أجمل بلاد العالم، والتى شهدت تأسيسه مركزه الطبى بعد اعتزاله. وللإسكندرية قيمة خاصة فى حياة الجراح الذى طاف بلاد العالم، لأنها تذكره- كما يقول- بجمال مصر وعراقتها، كما أنها تحمل كثيرًا من ذكريات طفولته، لأنه كان يتردد عليها دائمًا فى أوقات «المصيف»، كما يحرص حين يذهب إليها على زيارة «مكتبة الإسكندرية».


يحب الكوسة.. يأكل اللحوم مرة فى الأسبوع.. ويستمع للسيمفونيات الغربية

بسؤاله عن صحته الشخصية قال إنه يحرص دائمًا على الحفاظ على سلامة قلبه عبر تناول كل ما هو صحى ومفيد من الطعام، مثل أكل الخضروات والكوسة والفواكه بأنواعها والأسماك، مع التقليل قدر الإمكان من اللحوم التى لا يتناولها إلا مرة واحدة فى الأسبوع، رغم أنه فى صغره كان يحب الطعام كثيرًا ويتناوله بكميات كبيرة.
ورغم مشاغله الكثيرة، يحرص الدكتور مجدى يعقوب على ممارسة السباحة بشكل يومى فى أقرب حمام سباحة، سواء كان ذلك فى أسوان أو لندن أو أى مكان آخر. ويؤكد أن ارتباطه بهذه الرياضة يرجع لكونها مفيدة للقلب، مثل رياضات كثيرة تغافل المصريون عن ممارستها، ما جعل قلوبهم تصاب بتشوهات وإرهاق وحمى روماتيزمية، خاصة فى الريف والصعيد والمناطق الفقيرة بالدلتا. كما يقضى بعضًا من وقته فى الاستماع للموسيقى ويحب السيمفونيات الغربية، ويفضل الاستماع لألحان موتسارت وباخ، دون أن تستهويه الموسيقى العربية.
وللقراءة أيضًا نصيب فى حياة الطبيب الكبير، فهو يقرأ فى الفلسفة والطب والموسيقى والطبيعة والكون، ويرى أن العالم عبارة عن «سُفرة» ضخمة، تضم ألوانًا مختلفة من الجمال تنتظر من يستمتع بها.
ويرى فى حياته أن الأجيال الحالية محظوظة للغاية من الناحية العملية، ويمكنها القيام بأشياء كثيرة ومد يد العون لمن حولها، واستكشاف العالم والعثور على الفرص المتاحة لكل إنسان مجتهد. كما يحب الاعتناء بالنباتات والورود فى حديقته، خاصة زهرتى «الأوركيد»، اللتين كانتا هديتين عزيزتين على قلبه من رجل إنجليزى وآخر إيطالى.