رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الفهد المنحوس.. كيف قادت الصدفة شيكابالا لاحتلال قلوب الزملكاوية؟

شيكابالا
شيكابالا

بدت موهبة الطفل «محمود عبدالرازق حسن فضل الله» منذ اليوم الأول لظهوره الخارق فى سن الخامسة عشرة من عمره مع الفريق الأول للزمالك، فى تلك المباراة التى لا ينساها زملكاوى واحد عندما تألق وأبدع فى كأس مصر أمام غزل المحلة، وسجل هدفًا من الخيال. ورغم أن إنجازاته وبطولاته مع «الأبيض» لا تقترب من حسن شحاتة، ويظل رصيده متواضعًا إلى جوار فاروق جعفر وغيرهما من أساطير الزمالك، ورغم أن فترة توهجه وثروته الفنية والكروية ارتبطت بسقوط مخزٍ ومذل للزملكاوية أمام الأهلى فى انطلاقة الألفية الجديدة- إلا أن مكانته بقلوب عشاق النادى فاقت الجميع، وبات «الفهد الأسمر» رمزًا يتفاخر ويتباهى به القطاع العريض من محبى هذا الفريق.

عمارة عرض عليه الانضمام للإسماعيلى.. ومندوبا القطبين تعاركا عليه داخل «مدرسة الموهوبين»
أصبح الزملكاوية فى كل مكان يحبون ويقدرون «شيكابالا» بنفس القدر الذى يقدس به الأهلاوية محمود الخطيب ومحمد أبوتريكة، وربما فاق ذلك، رغم أنه لم يحقق ٢٠٪ مما حققته هاتان الأسطورتان من أرقام وإعجازات.
علاقة غريبة وحالة حب فريدة ربطت عشاق الزمالك بـ«الفهد الأسمر»، الذى لعبت الصدفة الدور الأبرز والأهم فى مسيرته مع الأبيض، بدءًا من دخول النادى، مرورًا بتصعيده للفريق الأول، وحتى تصدره قائمة أساطير «الأبيض» داخل كل بيت زملكاوى.
قبل أن يتم العاشرة من عمره، كان الجميع يتحاكى بمهارات «شيكابالا» الجديد، الشقيق الأصغر للاعب أسوان عبدالباسط عبدالرازق، أول من حمل هذا الاسم الذى تعود أصوله إلى نجم زيمبابوى فى ثمانينيات القرن الماضى، ولما سمع أهله بهذا الكلام لم يُبد أحدهم اهتمامًا.
يقول نجم الزمالك: «عندما وجد أهلى الكلام يتكرر حول موهبتى، قرروا أن يحضروا معى لمشاهدتى فى التدريبات، وهنا بدأ حلم أبى أن يرانى لاعبًا فى الزمالك، كان نفسه يلعب فى الزمالك منذ صغره، ولما فشل فضل يحلم يشوف واحد من أولاده لاعب فى الزمالك».
هنا كانت أول صدفة فى حياة «شيكا»، أن يقرر الوالد الاهتمام برعاية موهبة الطفل، ومعها انضم إلى مدرسة الموهوبين تلك المدرسة الرائعة التى كانت سرًا فى تقديم العديد من المواهب على مستوى الجمهورية، فكانت فروعها بكل محافظات مصر قبل أن تندثر الأفكار وتسود عمليات التسنين، وقطاعات ناشئى المجاملات والمحسوبية.
تألق شيكا فى مدرسة موهوبى أسوان، وعندما خضع للاختبار فى مدرسة الموهوبين المركزية بالقاهرة نال إعجاب الجميع، لتبدأ معها الصدفة الثانية التى قادته لدخول الزمالك بغير ترتيب أو حساب.
أُعجب الدكتور عبدالمنعم عمارة، بالطفل الأسمر العجيب، عرض عليه الانضمام إلى مدرسة موهوبى الإسماعيلى، ورغم أن الطفل رحب بذلك، لكن إدارة المدرسة بالقاهرة رفضت، وقالت إن بقاءه فى العاصمة أفضل، وعندما تعارك على ضمه مدربا المدرسة الزملكاوى أشرف جابر، والأهلاوى المفتى إبراهيم، تم الإبقاء عليه دون الذهاب هنا أو هناك.
فى تلك المدرسة، كان أحمد إبراهيم، ناشئ الزمالك السابق، رفيقًا لـ«شيكا»، وذات ليلة قرر المبيت معه فى منزله، واستيقظ فى اليوم التالى وكان يوم جمعة، كما روى «الفهد الأسمر»، وطلب منه زميله أن يذهب معه إلى تدريبات الزمالك، ولمَ لا يشارك معه؟.
ارتدى «شيكا» طاقم الزمالك ونزل التدريبات وهو غير مقيد ولا يعرفه أحد، ولما لفت الأنظار ذهب جميع المدربين مسرعين إليه: «إنت مين، وجيت إمتى هنا»، كان بعضهم يسأل فقط لأنه طفل غريب، وما ينبغى أن يتواجد بالتدريبات وعليه المغادرة.
وعندما أبلغهم بأنه جاء رفقة زميله أحمد إبراهيم من مدرسة الموهوبين، كان هناك من أدرك أن هذا الولد سيكون له شأن كبير داخل «القلعة البيضاء»، فطلب منه التوقيع على استمارات القيد بالزمالك، وهو ما مثل مصدر سعادة كبيرة لوالده عندما علم فى اتصال هاتفى بنجله، فقرر الولد وقتها التوقيع، وهكذا قادته الصدفة ليكون لاعبًا بالزمالك.

تألقه فى أول مباراة وضعه بين الكبار.. وجوزيه: موهبته تفوق ميسى
لم تتوقف الصدفة عند هذا الحد، بل كانت اللاعب الأبرز فى صعود «شيكا» المتألق فى قطاع الناشئين إلى الفريق الأول بالزمالك.
كان المدرب البرازيلى كارلوس كابرال، مهمومًا لغياب قوام الفريق حسام وإبراهيم حسن، وحازم إمام، ومدحت عبدالهادى، لتواجدهم مع المنتخب، ولما كان القرار بالمشاركة بالصف الثانى فى كأس مصر، وجد نفسه حائرًا.
ذات ليلة، كان كابرال يشاهد منتخب الناشئين، وأشار لمن بجواره إلى أن هذا الولد الأسمر لاعب من طراز فريد، فكانت المفاجأة عندما أبلغوه بأنه لاعب فى قطاع ناشئى الزمالك، ليبادرهم بسرعة تصعيده للفريق الأول.
بعد مباراة منتخب الشباب تلقى «شيكابالا» اتصالًا من قطاع الناشئين يبلغونه بأنه مطلوب للصعود رفقة الفريق الأول، فاعتبرها «مزحة»، عاد إلى سكنه داخل النادى، ففوجئ بأنه مستدعى فعليًا للفريق الأول قبل أن يتدرب مع لاعبين قال إنه كان خجولًا فقط لمجرد أن يراهم أو يمر أمامهم.
تألق «شيكا» فى أول مباراة، دخل منطقة الجزاء بجرأة كبيرة راوغ وكأنه مارادونا، ثم سجل هدفًا بطريقة ساحرة، غير مجرى حياته وجعل الجميع يعامله داخل النادى معاملة نجوم كبار، بعدما كان مجهولًا يسير داخل النادى كل يوم دون أن يعيره أحد أى اهتمام، لتبقى الصدفة ذاتها اللاعب الأبرز فى حكاية صعود النجم الأسمر.
المفاجأة الكبرى أنه بعد مباراة المحلة عاد «شيكابالا» إلى النادى، وعندما أراد الصعود إلى سكنه منعه المشرف لأنه جاء مُتأخرا عن المواعيد المحددة، رغم أنه كان يشارك فى مباراة الفريق الأول التى شاهدها كل المصريين، ولم يتمكن من الصعود سوى بعد اتصالات كثيرة بمسئولى النادى. تخيل هنا لو امتلك الغرور والكبرياء «شيكا» وقرر أن يعاقب الزمالك على هذه المعاملة وغير وجهته إلى الجزيرة: «هل تعتقد أن أحدًا فى الأهلى كان سيرفض انضمام هذه الموهبة؟!».
وعندما انتكس الزمالك فى السنوات العشر من ٢٠٠٥ وحتى ٢٠١٥ وسيطر الأهلى على كل شىء، لم يكن هناك شىء يستدعى فخر الزملكاوية عدا ما يقدمه «شيكا» من وجبة لا يستطيع أى لاعب مصرى تقديمها، فكانت أهدافه ومراوغاته العجيبة بمثابة البطولات التى «كايد» بها عشاق الأبيض خصومهم، ونجح فى أن يصنع لنفسه بطولات خاصة يغزو بها قلوب العشاق.
يقول البرتغالى مانويل جوزيه، المدير الفنى الأسبق للأهلى: «موهبة شيكابالا تفوق موهبة ليونيل ميسى وكريستيانو رونالدو، هو يمتلك من المهارة ما يجعله لاعبًا فريدًا، أتمنى انضمامه إلى الأهلى». يعتبر تحوله من الأحمر إلى الأبيض الخطيئة التى حرمت «شيكا» من كتابة أعظم تاريخ، وربما كان ذلك أحد أبرز العوامل التى جعلته قديسًا عند الزملكاوية.

يعشق الكينج ومنيب.. ويعتبر اللعبة مصدر متعة لا رزق
عندما تشاهد شيكابالا فى بعض الفيديوهات النوبية التى يرقص فيها بأسوان رفقة ذويه وأصدقائه على نغمات النوبة الجميلة، وتركز فى حركات جسده وتمايله يمينًا ويسارًا، تُدرك تمامًا أن لهذه النشأة الفنية ارتباطًا وثيقًا بالمهارة القائمة على حركات الجسد والتلاعب بنظرات العيون. فى كتابه «كرة القدم على الطريقة البرازيلية»، أرجع الكاتب أليكس بيلوس سر مهارة اللاعبين البرازيليين، وتفوقهم على الجميع إلى ثقافتهم الفنية وارتباطهم بالمهرجانات والكرنفالات، فهم يرقصون لا يلعبون كرة قدم، حسبما تعلموه فى شوارعهم وحوارى بلادهم منذ الصغر، وكذلك كان لنشأة «شيكابالا» الفنية أثر كبير فى حجم موهبته وطريقة لعبه كرة القدم بشكل مختلف تمامًا عن المصريين، فكثيرًا ما وصفنا شيكا بالبرازيلى. لا ينسى «شيكا» تلك النشأة التى يفخر بها، ومهما جاب وطاف أهم مدن العالم، تبقى راحته وسعادته وسط أهله فى أبسط وأجمل حوارى أسوان، فما رأيت الفهد الأسمر سعيدًا ومسرورًا كما شاهدت بعض الفيديوهات القليلة له فى أفراح ذويه، وكيف يصنع معهم بهجة وسعادة على نغمات الفن النوبى الأصيل. يُحب «شيكا» فن محمد منير وأحمد منيب، ويكون أسعد رجل فى الكون وهو يتراقص مع أحبابه، لذلك قرر أن تكون خطبته فى أسوان وسط من نشأ بينهم، دون حضور للنجوم والشخصيات العامة، فمفهومه عن السعادة مختلف عن العوام، مثلما كان لعبه مغايرًا أيضًا. كانت وما زالت كرة القدم لـ«شيكابالا» مصدر المتعة، ولم تكن أبدًا مصدرًا للارتزاق، فضل الزمالك المتراجع على الأهلى المستقر وبطولاته وأمواله، وبحث عن اللعب بطريقته الخاصة فى مدرسة تفتح أبوابها دائمًا للفنانين، ولا تضع قيودًا وخطوطًا عريضة تُحدد مصيره، فكانت العداوة مع الأولتراس الأهلاوى الذى مارس ضغطًا كبيرًا على «شيكا» لفترة طويلة، حتى بكى أمام الكاميرات وأبكى عشاق الكرة معه.
يعتقد من يتعامل مع «شيكا» أنه مغرور، لكنه حسب قول شقيقه الأكبر هو منطوٍ مُنذ الصغر، لا يُجيد التعامل مع المجتمع، ويُفضل البعد عن القيل والقال، لذلك لا تجد له أحاديث إعلامية إلا ما ندر. فى حارة العنانى بمدينة أسوان، ترى كل الأمهات «شيكابالا» ابنًا لها، ويتذكرون دائمًا حب والدته قبل وفاتها وارتباطها بمحمود الولد الصغير الجميل، ويذكرون دائمًا كيف كان والده حالمًا برؤية ابنه يحمل شارة قيادة الزمالك العشق الأبدى له. كذلك يعشق كل الشباب فى تلك الحارة الجميلة صديقهم ومحبوبهم، ويراه الأطفال القدوة. داخل حياته الخاصة لا تستطيع أن تعرف عنه الكثير، فهو كما قال شقيقه منطوٍ، وخجول للغاية، ويفضل أن تكون له خصوصية دائمًا. الآن وصل شيكا إلى المحطة الأخيرة فى الملاعب، ووسط أزمات وخلافات مع مجلس الزمالك يجد نفسه تائهًا فى اختيار وجهة الخاتمة، لكنه ترك رصيدًا لدى الزملكاوية يجعله أسطورة ستظل خالدة ولن ينسوها أبدًا.