رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الداعية تامر مطر: "آيات العذاب" فى القرآن لا تخاطب المسلمين

تامر مطر
تامر مطر

- المنسق السابق للمركز العالمى للفتوى الإلكترونية بالأزهر الشريف يتحدث فى ندوة "الدستور"

الداعية الشاب تامر مطر، المنسق السابق للمركز العالمى للفتوى الإلكترونية بالأزهر الشريف، أحد أبرز من طرحوا قضية المواجهة الفكرية مع الإرهاب والتطرف، خلال الفترة الأخيرة، باعتبار أن الفكر لا يُواجه إلا بالفكر.

ويرى «مطر» أن تجديد الخطاب الدينى أحد أهم ملفات هذه المواجهة الفكرية، والذى لن يتحقق إلا بناء على الوعى، والتكوين المعرفى والحضارى السليم، وتكاتف الجميع، سواء الدعاة أو المؤسسات، ليسيروا فى نسق واحد وإطار متكامل.
وأجاب الداعية الشاب، خلال استضافته بندوة «الدستور»، عن كثير من الأسئلة الشائكة حول أسباب نشأة التطرف داخل عقول بعض الشباب، كما فند الكثير من ادّعاءات الجماعات الإرهابية فى تكفير مخالفيهم، والأسانيد الشرعية التى تم اختلاقها لتبرير ارتكاب جرائم القتل والتفجير.

■ بداية.. هل هناك خطة فعالة لمجابهة التطرف فكريًا؟
- محاربة التطرف لا بد أن تبدأ بتحديد المشكلة أولًا، ثم معالجتها، وليس الدخول فى مسائل فرعية تبتعد عن القضية الأساسية، وتأخذنا إلى مناطق خلافية بعيدة عن الأصل، والتى قد تهوى بنا إلى الاختلاف المنبوذ.
والحقيقة أن أحوال المسلمين فى جميع أنحاء العالم اليوم، تحتاج إلى وقفة جادة لإعادة النظر فى الأسباب التى أدت بهم للوصول إلى هذه الصورة التى هم عليها الآن، وهى صورة قاتمة بالفعل من الفرقة والاختلاف، فلو أن هناك مخرجًا سينمائيًا شيطانيًا حاول أن يصور فيلمًا يشوه فيه الإسلام، لفشل أن يفعل كما فعل المسلمون فى أنفسهم، فما نعيشه اليوم هو حالة انفصال تام بين المسلمين والمبادئ التى جاء بها الإسلام.
حل هذه المشكلة يتطلب أمرين فى غاية الأهمية، وهما: تحديد الرؤية والأهداف التى جاء بها الإسلام، وتجديد الخطاب الدينى، الذى ينبغى أن يراعى الواقع، فالتشريع الإسلامى لم يأت منفصلًا عن الواقع، فالمحرمات كلها على سبيل المثال جاءت لحكمة تصب فى النهاية فى صالح الكون والإنسان.
■ وكيف يجدد الخطاب الدينى؟
- من المفترض أن يعتمد تجديد الخطاب الدينى على بناء الوعى، وتكوين بنية معرفية وحضارية، وينبغى أن يتكاتف الجميع سواء الدعاة أو المؤسسات ليسيروا فى نسق واحد وإطار شامل حسب رؤية واعية، يلتقى فيها جميع الأطراف لتحديد هدف واحد.
ومن الضرورى أن يتم نقل العمل الدعوى من الفردى إلى الجماعى، لتحقيق الحضارة التى تسعى لسعادة الإنسان وعمارة الكون.
والإسلام لديه حلول لمعالجة الكثير من الموضوعات والملفات الشائكة التى كانت تمثل إزعاجًا للبشر قبل البعثة، ومنها مثلًا قضايا المرأة والأحوال الشخصية والمواريث، التى ذكرت فى سورة النساء.
وجاءت طريقة العلاج فى التشريعات المتعلقة بهذه الأمور خطوة خطوة، ولم يكن هناك تسرع فى العلاج، وفى النهاية أراد الاسلام أن يُعلم المسلمين أن يسجلوا ويبنوا حضارة هدفها عمارة الكون وسعادة الإنسان.
■ هناك أزمة فى التعايش بين المسلمين وغيرهم.. كيف ينظم الإسلام تلك المسألة؟
- الإسلام أعطى لكل إنسان الحرية فى اختيار عقيدته، ولم يجبر أحدًا على اعتناقه.
قال تعالى «فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ»، وعلى الإنسان أن يتحمل نتيجة الاختيار، الذى يؤدى فى النهاية إلى خيارين، إما الجنة أو النار.
فالحرية هنا مبنية على المسئولية، التى تردُ الإنسان إلى فطرته السليمة، وليس كما يردد البعض، أن ترك الحرية فى اختيار الدين، يعنى أنه لا يوجد عقاب وثواب على ذلك فى الآخرة.
وقد كفل الإسلام بذلك حرية الاعتقاد للجميع، إيمانًا منه بهذه القاعدة.
■ الجماعات الإرهابية تختلق أسانيد شرعية لتبرير جرائمها.. كيف تفند هذه المزاعم؟
- الإسلام لا يحاسب الكافر على كفره، ولا يبدأ بالاعتداء على أحد، وهو ما لا يفهمه المتطرفون، وجميع آيات القرآن الكريم التى جاءت فى مسائل الجهاد تتحدث عن القتال، وليس القتل، وهناك فرق كبير بين هذا وذاك.
فالقتال معناه الفِعال، وهذا يقتضى أن تكون هناك أطراف متنازعة كحال الحروب وغيرها، لكن القتل يفيد القصد من طرف واحد، والإسلام لم يأمر بقتل الكافر لأنه كفر بالله، ولا قتاله من أجل كفره، ولكن يطالب برد اعتدائه، ورد العدوان مطلوب ومأمور به.
وقال تعالى فى سورة الحجرات: «وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِى تَبْغِى حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ».
أما الآيات التى نزلت فى المشركين، فكانت لدفع الاعتداء على المسلمين فقط، ومن ذلك قوله تعالى: «لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ»، فالخطاب هنا كما ترى واضح وصريح لا يحتاج إلى تأويل.
■ وبماذا ترد على ادعاءاتهم بتكفير المسلمين وتبرير قتالهم؟
- الجماعات المتطرفة ما زالت تضع العهد المكى أمامها، من حيث تصنيف المسلمين إلى معسكرين، هما معسكرا الكفر والإيمان، ولا تفرق بين المسلم وغير المسلم، فكل من يخالفها تضعه فى معسكر الكافرين، وتنزل آيات القتال عليه باعتباره من الكافرين والمحاربين.
وهناك نوع آخر من التطرف، يتمثل فى تنفير المسلمين من دينهم، بإنزال آيات العذاب التى جاءت فى الكافرين على المؤمنين، ولقد راجعت القرآن الكريم كله، فوجدت أن آيات العذاب التى يرددها الكثير من المشايخ المتشددين، ويقرأونها بطريقة «النواح» التى نهى عنها النبى، صلى الله عليه وسلم، نزلت كلها فيمن كفروا وأشركوا بالله، وماتوا على ذلك، وجاءت هذه الآيات لتحكى عن مصيرهم يوم القيامة.
ولنضرب مثالًا على ذلك فى قول الله تعالى: «يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ»، تجد الكثير من الأئمة فى الصلاة يكررونها من أجل استجداء الدموع من عيون المصلين، إيهامًا للمصلى بأنه وصل بذلك إلى درجات الخشوع، وهذا غاية الخطأ فى الفهم، لأن النبى، صلى الله عليه وسلم، عندما كان يُقرأ عليه القرآن، كان يبكى فى آيات فيها تعظيم له مثل قوله تعالى: «فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ شَهِيدًا».
حتى فى الحديث عن عذاب القبر، يستغله المتشددون فى تنفير الناس من الدين، وقد تنبه الإمام السيوطى، رحمه الله، إلى ذلك وألف كتاب «بشرى الكئيب بلقاء الحبيب»، فى التبشير بلقاء الله، وما أعده للمؤمنين من جزاء فى دار الآخرة.
■ لكن هذا التأويل الفاسد لا يقابله توضيح كافٍ من الدعاة الوسطيين أو المؤسسات الدينية؟
- هذه القضية خطيرة للغاية، وأعترف بأن هناك قصورًا كبيرًا فيها، فهى تحتاج إلى عمل شامل من مؤلفات ودراسات ومراكز بحثية يتكاتف فيها الجميع لتوضيح المفاهيم، وتفنيد شبهات المتطرفين والجماعات الإرهابية.
والحقيقة أن التنظيمات الإرهابية لديها رؤية شاملة وخطوات مكثفة استطاعت من خلالها فى الفترة الزمنية السابقة الوصول إلى أكبر عدد من الجمهور، واستطاعت أن تنشر أفكارها عن طريق قنوات الاتصال الجماهيرى التى امتلكتها من فضائيات وصحف ومؤلفات ومواقع إلكترونية.
وفى مقابل ذلك، لم تكن هناك منافسة متكافئة مع هذه الأدوات فى الفترة السابقة، اللهم إلا فى بعض البرامج التليفزيونية التى تبث لساعات طويلة، ولكنها مع ذلك تستهلك أوقات المستمعين خاصة من العوام فى أمور سطحية، للإجابة عن أسئلة فردية وشديدة الخصوصية، تكاد لا تنطبق إلا على حال السائل ولا تضيف للمتلقى شيئا.
■ كيف نحصن الشباب من التطرف؟
- الحصن الحصين للشباب من عدم الوقوع فى براثن التطرف هو التعليم، وأقول قولًا واحدا، إن خطاب الوعظ لا يصنع بناءً معرفيًا، فالمطلوب الآن هو تعليم الشاب كيف يستوثق من المعلومة، وكيف يقيم ما يطرح على عقله، هل هو مقبول أم لا؟ فإذا علمته ذلك فقد أعطيته الكشاف الذى ينير له طريقه.
■ المواقع الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعى
هل يكون لها دور حقيقى فى توضيح سماحة الإسلام؟
- مصر تأخرت كثيرًا فى التوثيق الرقمى، فنحن لا نمتلك محتوى رقميًا يغنى عن اللجوء إلى المواقع الإلكترونية الممولة من دول أخرى، ولا نستطيع بالفعل منافستها.
فعندما تبحث عن محتوى دينى على الإنترنت تظهر لك مواقع عدة غير مصرية، تبث الفكر الذى يمثل توجهاتها، سواء حكمت عليه بالتطرف أو غير ذلك. أما نحن فليس لدينا إلا الفتوى المكتوبة على موقع دار الإفتاء، وهذا المحتوى ضئيل جدًا، وسط حالة الزخم الموجودة على الإنترنت.
كيف تقيِّم تجارب الدعاة الشباب؟
- جيدة، ولكن نحتاج أن تتضافر جهود هؤلاء الدعاة وفق رؤية شاملة، بدلًا من العزف المنفرد، ولا بد أيضًا من الخروج عن النمطية فى تقديم المحتوى، فقد ترضى عن بعضهم وأحيانًا لا، وبالتالى فإن خطة شاملة تجمع شتات هؤلاء، ستجعلهم أكثر قوة وأشد تأثيرًا.
أما الوضع الحالى، فالموضوع تنافسى بين الدعاة، الكل يحاول أن يقدم ما يملكه، وفى النهاية هى تجربة ثرية، ولكل داعية جمهوره.
وفى هذا التوقيت أطالب بأن يتم وضع خطة شاملة من قبل الأجهزة المعنية لهؤلاء الدعاة، وتقسيم المحاور بينهم، عن طريق إعداد خريطة دعوية واضحة وشاملة لها رؤية محددة، أما تركهم للجهد الفردى فسيكلفنا وقتًا كبيرًا جدًا.