رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«نداء الموتى».. آلاف الجثث تحت أنقاض «الرقة» بانتظار دفنها

جريدة الدستور

عائلات بأكلمها تحت الأنقاض لم تخرج للنور، كان آخر لقاء لهم مع شعاع الشمس حينما انتباهم الزعر وقرروا النزول في قبو أحد المنازل للاحتماء من القصف والقتل، حتى قُصِف المنزل وتدمر القبو فوقهم ولم يخرجوا للنور أبدًا، وكان آخر عهدهم بالحياة الظلام، والأسوأ.. أنَّ أجسادهم لم توارى تحت الثرى حتى الآن.

بعد أنّ نجحت قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في السيطرة على مدينة «الرقة» بعد طرد تنظيم «داعش» الإرهابي في منتصف أكتوبر من العام 2017، بقيت المدينة على حالها مُهدّمة بنسبة تصل لـ80%، وتشير الشهادات التي أوردها سكان من المدينة لـ«الدستور» أنّ سوريا الديمقراطية لا تحكم فعلًا المكان إلا قليلًا بينما مازالت الرقة وأهلها يعانون بين ضعف الخدمات وانتظار انتشال الأجساد من تحت الدمار، ويقول الشهود إنّه منذ مطلع العام الجاري بدأت المساعي لانتشال أجساد.

وفي تقرير سابق له، أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان، إلى أنَّ نحو 3250 شخصًا بينهم 1130 مدنيا قتلوا خلال أكثر من أربعة أشهر، منذ اندلاع المعارك بين قوات سوريا الديمقراطية وتنظيم «داعش» في الفترة بين يونيو وأكتوبر فقط من العام2017، ولكن عداد الموتى قد بدأ الإحصاء قبل ذلك الوقت، وتحديدًا منذ مارس 2013 حينما بدأت الألوية المختلفة السيطرة على المدينة.

يبلغ تعداد سكان مدينة الرّقة ما يقترب من 950 ألف نسمة، أغلبهم نزحوا إلى مناطق أخرى داخل سوريا مثل العاصمة دمشق، أو إلى خارج البلاد نظرًا لحجم الدمار الهائل الذي حل بالمدينة.

وأفاد تقرير سابق للأمم المتحدة، أنَّ نحو 100 ألف شخص قد عادوا إلى المدينة، على الرغم من انتشار العبوات الناسفة غير المنفجرة، ونقل التقرير عن المجليس المحلي لقول إنَّ نحو 70% من المباني في الرقة قد تدمرت كما تضررت بشدة الكثير من الخدمات، مثل المياه والكهرباء والرعاية الصحية.

الأجساد تبعث رسائل للسكان
يقول «أيمن» وهو أحد سكان الرَّقة في شهادته، إنَّ هناك روائح كريهة تملأ المناطق المدمرة كما أنَّ الذباب منتشر بكثرة وهو ما يعزوه الأهالي إلى تحلل الجثث.
وقد نجح المجلس المدني بمدينة الرقة الذي شكله الأكراد في انتشال مئات الجثث من تحت الأنقاض، وكذلك يقوم المدنيون بنفس الشئ بجهود ذاتية، ومازال هناك ما يزيد عن 4 آلاف آخرون ينتظرون من يجدهم.

تمركز التنظيمات جاء بالخراب
رغم الدمار الحاصل في المدينة بالكامل، إلا أنَّ بعض الأماكن كان وقع الأمر عليها أشد، والسبب وراء هذا كما يؤكد أيمن، الذي يعيش بالرّقة، أنّ تنظيم داعش كان متمركز وله العديد من المقار في تلك المناطق، وهو ما تسبب في شدة القصف الذي دمر تلك البنابات وبالتالي موت عائلات بأكملها.
وعن نفس النقطة تقول شيماء: «كانوا بكل بناية الهم مركز.. مرَّات يكون في فوق بيتك مشفى ميداني أو مخزن أسلحة ومانك دريان وما بتعرف مين ساكن فوقك وممنوع تسأل».

ومن خلال التحاور مع عدد من سكان مدينة الرّقة، تكرر أكثر من مرة إسم «حارة البدو» بصفتها واحدة من أشد الأماكن دمارًا، وتشير شيماء إحدى ساكنات الرّقة، إلى أنَّه مع دخول الجيش السوري الحرّ والألوية الأخرى للمدبنة كانت مقرّاته منتشرة في عدد من الأحياء وبشكل مكثَّف في حارة البدو، وبعد أن استولى «داعش» على المدينة اتخذها أحد مراكزه الهامة.

«أم علي» وهو إسم مستعار لإحدى السيدات، تقول إنّ آلاف الجثث مازالت موجودة تحت الأنقاض، وتعد حارة البدو ومنطقة البياطرة والفردوس، من أشد المناطق تضررًا والتي من المرجح أنّ يتواجد فيها المئات من الأجساد تحت الأنقاض.

«الدهموش» النجاة من القصف للدفن في القبو
«في كل قبو بناية أكثر من عشرين جثة.. كانو يتجمعوا أهل الشارع بالقبو مشان يضلوا مع بعض وعلى أساس أنو القبو آمن أكثر بس الصواريخ يلي كانت أمريكا تضربها كانت تحرق الأرض وتحت الأرض»، حسب رواية شيماء.

وعن أحد الوقائع المأساوية تقول أم علي، إنَّه عثر قبل عدة أيام على قبو يدعى "الدهموش" بحارة البياطرة ووُجِدَ به 36 جثة لنساء وأطفال.

القصف العشوائي
تحكي أم علي في روايتها عن الوضع أنّ عائلة بالكامل كانت تعيش في المنزل المقابل لها توفيت إثر قصف نفذه التحالف الدولي: «كانو طالعين بسيارة هيونداي وساحبين معهم مولد بيتر ورا (مولد كهربائي) وضربتهم الطيارة.. وفي بناية جنب بيتي بمدخل البناية بالطابق الأرضي صاحبة البيت وابنها ببيعو بنزين وتجي موتورات (موتوسيكلات) تعبي فضربتهم الطيارة ونزلت البناية على الأرض لأن الدواعشة أغلبهم يركبون موتورات».
منشورات تحذيرية
وأكدت شيماء أنَّ تجمع «داعش» وسط المدنيين والقصف العشوائي هو ما تسبب في ارتفاع عدد الضحايا، مشيرة إلى أنَّ التحالف كان يلقي منشورات للمدنيين حتى يخرجوا من منازلهم وأغلب الناس لم تخرج لأنهم كانوا يعتقدون أنَّ الرّقة سيتسلمها الأكراد بموجب اتفاق مع داعش مثل ما حدث في بعض المناطق الأخرى، ولكن حينما بدأ القصف منع الدواعش الناس من الخروج لأنَّهم كانوا بمثابة دروع بشرية، وكان من يخرج من منزله إما يقصف أو يموت قنصًا.
خطر انتقال الأمراض المعدية
تشير منظمة الصحة العالمية إلى أنَّه لا يوجد دليل على أن الجثث تتسبب في نشر الأوبئة، ولكن المبادئ التوجيهية تشير إلى أن خطر انتقال بعض الأمراض عن طريق الجثث يبقى طفيفًا.

ويقول الخبراء أنه بالرغم من أن هناك خطر محتمل للإصابة بالإسهال من مياه الشرب الملوثة بالبراز الموجود في الأجساد الميتة، إلا أن التطهير العادي لمياه الشرب يعد كافيًا لمنع الأمراض التي تنقلها المياه.

ويوضح كواديو كوفي إيسودوري، الباحث في الأمراض المعدية وإدارة مخاطر الصحة العامة في حالات الكوارث في معهد الأمم المتحدة الدولي للصحة العالمية في كولا لامبور، أنَّ الوفاة نتيجة الأمراض المعدية مثل الكوليرا والتيفوس والطاعون قد تمثل خطرًا صحيًا يستلزم التخلص السليم من الجثث، مضيفًا: «ينبغي اتخاذ احتياطيات معينة عند التخلص من الجثث فورًا بعد الوفاة وخاصة في سياق تفشي الأمراض المعدية».

وتوصي المبادئ التوجيهية لمنظمة الصحة العالمية باستخدام محلول الكلور في عملية التطهير بدلًا من مسحوق الجير الذي يستخدم عادة ولكنه ذو تأثير محدود على مسببات الأمراض.