رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اللواء محسن الفحام يكتب: اليتيم.. قضية أمن قومي

اللواء محسن الفحام
اللواء محسن الفحام

يقترن شهر أبريل من كل عام بالاحتفال بيوم اليتيم.. وقد مر علينا اليوم فى ظل أحداث كثيرة أعتقد أنها أدت إلى التأثير سلبًا عليه وذلك نظرًا للأحداث المختلفة التى واكبت تلك المناسبة.

ولعل هذا يؤكد لنا نظرتنا التى سبق أن أشرنا إليها خلال السنوات السابقة من أن العديد ممن يحتفلون بهذا اليوم يأتى ذلك منهم فى إطار الوجاهة الاجتماعية أو للاستمرار فى الأضواء.. المهم إثبات الوجود ليس إلا.. ولعل تلك المناسبة تكون إحدى وسائلهم لتحقيق ذلك.

نحن اليوم نتحدث عن الطفل اليتيم.. ونثير تلك القضية، باعتبارها تتعلق فى جزء منها بالأمن القومى المصرى.

ولعل قيام المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب والتطرف قد شجعنى لأن أتصدى لهذا الموضوع.. كما يحدث كل عام ولكن يحدونى اليوم الكثير من التفاؤل والثقة والأمل أن يضع هذا المجلس الذى يرأسه الأب والأخ والإنسان الرئيس عبدالفتاح السيسى قضية اليتيم ضمن أولويات اهتمام المجلس.

أعود بالذاكرة إلى ثلاث سنوات مضت عندما اقتحمت مجموعة من العاطلين قرية أطفال sos الكائنة فى مدينة نصر بالقاهرة وتم القبض عليهم.. وعند استجوابهم تبين أنهم كانوا من الأيتام الذين تربوا فى تلك القرية منذ نعومة أظفارهم وتلقوا بها الرعاية الصحية والاجتماعية اللازمة.. إلى أن وصلوا للسن التى تستوجب خروجهم منها وهو ١٨ عامًا طبقًا للقانون ليندمجوا فى المجتمع الطبيعى ويبحثوا عن فرص عمل لهم، إلا أنهم وجدوا أنفسهم فجأة بلا مأوى أو عمل فقاموا باقتحام مقر الجمعية فى محاولة للعيش بها مرة أخرى رغم مخالفة ذلك قوانين دور الأيتام.

- وتذكرت أيضًا هؤلاء الأيتام الذين تم استغلالهم بمعرفة جماعة الإخوان الإرهابية ليسيروا فى ميدان رابعة العدوية بمدينة نصر حاملين أكفانهم على أيديهم فى مشهد تم نقله إعلاميًا للعالم الخارجى، متاجرين بهؤلاء الأطفال الذين لم يدركوا مغزى ما يقومون به حتى الآن.

- وتذكرت العديد من حالات الاستجواب التى تمت لأعداد كبيرة من الإرهابيين والخوارج صغيرى السن عندما كان يتم القبض عليهم، حيث اكتشفنا أن بعضهم تم طرده من دار للأيتام أو أنه قضى جزءًا من طفولته فى الشارع إلى أن تلقفته أيدى قيادات تلك الجماعات واستطاعت أن تزرع بداخله كراهية المجتمع وتكفيره والعمل على إسقاطه.

- لقد بلغ عدد دور الأيتام فى مصر، حسب آخر إحصائية، ٣٠ ألف دار تضم بين جدرانها حوالى نصف مليون طفل.. والحقيقة أن وزارة التضامن الاجتماعى تقوم بدور كبير فى متابعة تلك الدور بكل ما تملكه من جهد وحزم، وقامت بالفعل بإغلاق العديد منها وتوزيع الأطفال المتواجدين بها على ديار أخرى لعلهم يلقون فيها رعاية وعناية أفضل.

- ولكن موضوع اليتيم أكبر وأعمق من ذلك بكثير.. فهم من الممكن أن يكونوا قنابل موقوتة إذا لم نتمكن من نزع فتيلها فى الوقت المناسب وقبل أن يتحولوا إلى أطفال للشوارع فى حال تمكنهم من ترك الديار التى تؤويهم فيكونون وقودا لعمليات تخريب وترويع للآمنين مثلما حدث منهم عند اقتحام المحلات والمطاعم والمولات الكبيرة كما حدث فى يناير وفبراير ٢٠١١.

وبالرغم من الأعباء الجسام التى تتحملها الدولة فى الوقت الحالى، سواء داخليًا أو خارجيًا، فإننى أتمنى ألا تكون تلك القضية بعيدة عن اهتمامها ومن هنا فإننى أعيد طرح بعض الأفكار والمقترحات لعلها تجد من يتبناها أو على الأقل يهتم بها.

١- عدم السماح بفتح دور الأيتام إلا بعد استيفاء شروط تضعها الأجهزة المعنية.. وهنا لا بد أن أشير إلى دور وزارة الداخلية للتعاون مع التضامن الاجتماعى.. لأن الشرطة من أكثر الأجهزة التى تعانى من ظاهرة هروب الأطفال من تلك الدور.. أو انضمامهم لتشكيلات عصابية أو إرهابية.

٢- إلزام دور الأيتام بتعليم الأطفال حتى المرحلة الثانوية أو ما يعادلها من تعليم فنى صناعى أو زراعى، وأعقد أن تلك التخصصات أصبحت مطلوبة للدولة حاليًا أكثر من أى وقت آخر تماشيًا مع تلك النهضة العمرانية والزراعية التى تشهدها البلاد حاليًا.

٣- إخضاع المشرفين القائمين على دور الأيتام لدورات تدريبية متخصصة وعدم الاكتفاء بكونهم خريجى معاهد أو كليات للخدمة الاجتماعية أو تربية الطفولة.. لأن الطفل تتغير متطلباته، كما هو معروف من مرحلة سنية إلى أخرى ومن الصعب السيطرة عليه إلا إذا كان القائمون بالإشراف عليه لديهم القدرة الثقافية والاجتماعية على مواجهة تلك المتغيرات بالكلمة والموعظة الحسنة أو بمبدأ الثواب والعقاب، حسبما يرونه مناسبًا فى هذا الشأن.

٤- إعادة النظر فى قرار عدم قبول الأيتام لأداء الخدمة العسكرية لأنهم مجهولو النسب.. وأرى هنا أنه من الممكن الاستفادة منهم فى الكثير من المجالات، خاصة الفنية والصناعية والتمريض، علاوة على اندماجهم مع أقرانهم من المجندين الأبطال وذلك سوف يسهم بدرجة كبيرة فى زرع الانتماء والولاء لوطنهم بدلًا من نقمتهم عليه وعلى أبنائه.

تربية اليتيم ليست وجاهة اجتماعية أو وسيلة للاسترزاق من خلال التبرعات والمعونات التى تقدم لدور الأيتام التى تؤويهم.

كفالة اليتيم يجب أن تسهم فى بناء مجتمع سليم خال من الحقد والكراهية.. تسوده روح المحبة والانتماء.. وهذا لن يتأتى إلا إذا قامت المؤسسات الدينية بدورها التوعوى فى هذا المجال من خلال تخصيص إدارة مستقلة للمرور على دور الأيتام وتوعيتهم والعمل على تنشئتهم النشأة الصالحة النافعة لحياتهم أولًا ثم وطنهم ومجتمعهم ثانيًا.