رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أبطال الظل وسارقى الملكوت على هامش آلام المسيح

صوره أرشيفية
صوره أرشيفية

كان خلف أحداث أسبوع الآلام، وصلب السيد المسيح، بعض الشخصيات الذين سرقوا الملكوت وأمنوا بالمسيح فى اللحظات الأخيرة، بعد أن عاشوا حياة كاملة فى السرقة والقتل، والرياء والبعد الكامل عن الأعمال المرضية لله، فى لحظة أعلنوا إيمانهم وقبلهم السيد المسيح حتى قيلت عنهم الكنيسة، إنهم أغتصبوا الملكوت واخترقوه بإعلان إيمانهم.

وبالتزامن مع أحداث الآلام ترصد "الدستور" فى سطور أبطال الظل حول الآلام وصلب السيد المسيح الذين اخترقوا الملكوت فى لحظات قليلة.

«سارق الملكوت»
«اذكرنى يارب متى جئت فى ملكوتك»، كانت تلك العبارة الإيمانية التى قالها اللص اليمين المصلوب بالجانب الإيمن للسيد المسيح، على الصليب، وكان رد السيد المسيح قائلًا: «اليوم تكون معى في الفردوس»، وبتلك العبارة كان اللص اليمين أول من دخل إلى الفردوس مع السيد المسيح.

«من هو اللص اليمين»
إحدى الدراسات ذكرت أن اللص اليمين اسمه ديماس واسم إبيه أقلونيوس واسم أمه ثيؤدورة، انضم إلى عصابة مع صديقهِ يسطاس «أوماخوس» وهو اللص الذي صلب على يسار السيد المسيح وكان رئيس هذه العصابة هو باراباس الذي صلب السيد المسيح بدلًا منه.

ولد «ديماس» قبل المسيح بأكثر من عشرين عاما على الأقل، حيث كان، ديماس لصا وكان «المسيح» طفلًا، ولم تكن المقابلة على الصليب بين المسيح وديماس هي المقابلة الأولى، بل التقيا قبل هذا اللقاء مرةً عندما سافر ديماس وأوماخوس إلى تل بسطا في الزقازيق بـ«مصر» حيث كانوا يقطعون الطرق على القوافل، وكان باراباس معهم في المراقبة، ورأى العائلة المقدسة، لكن سرعان ما خاب أمله عندما لم ير عليهم مظاهر الغنى والثراء.

ولكن ديماس تأمل في هذهِ العائلة الصغيرة وابتدأ يتحدث مع يوسف النجار، فحكى له يوسف عن بشارة الملاك والميلاد العجيب والهروب الى مصر، فرق قلب ديماس وقرر أن يسمح لهذه العائلة بأن تمر دون أذية، ودفع ديماس لصديقه اللص فدية قدرها 300 دينار في مقابل عدم إيذاء العائلة، وقبل الطفل يسوع
وأعطته العذراء مريم شال كان الطفل يسوع يلتحف بهِ، كمكافأة له، وعندما عاد ديماس بالشال إلى مغارتهِ وأخذَ يُنظف الشال، بدأ يقطر منه الكثير مِن طيب الناردين، فاندهشَ وصدقّ ما سَمِعهُ عن تلك العائلة.

ثم عبأ علبًا زجاجية صغيرة من هذا العطر، وكان يبيع الزجاجة الواحدة بـ300 دينار، ويقال إن آخر زجاجة هي التي سكبتها المرأة على قدمي المسيح في بيت سمعان، «هذهَ القصة لم تذكر في التاريخ الكنسي، ولكنها جاءت في المخطوطة 298 المحفوظة في أحد المتاحف».

وتحدث عن ديماس اللص بعض القيادات الكنسية عبر التاريخ حيث قال «القديس أغسطينوس»، «آمن اللص في الوقت الذي فيه فشل المعلمون أنفسهم تمامًا، فإنه لم يؤمن بكلماتهم، ومع هذا كان إيمانه هكذا أنه اعترف بذاك الذي رآه مسمرًا على الصليب ولم يره قائمًا أو ملكًا.

بينما قال القديس جيروم، «إن المسيح نفسه جلب اللص من الصليب إلى الفردوس، ليظهر أن التوبة لن تتأخر في عملها، لقد حول موت القاتل إلى شهيدًا».

أما «القديس يوحنا الذهبي الفم» فقال عنه «لا نخجل من أن نأخذ هذا اللص معلمًا لنا، هذا الذي لم يخجل منه سيدنا بل أدخله الفردوس قبل الجميع».

وقال القس لوقا راضى، راعى كنيسة مارى يوحنا المعمدان بالقوصية، اللصين اليمين واليسار كانوا أحد الصوص بمدينة أورشليم، والكنيسة تعتبر أن اللص اليمين هو سارق الملكوت، لأنه على حسب كلمات السيد المسيح نظر للذين عن يمينه ويقول لهم تعالوا إلى يا مباركى أبى رثوا الملك المعد لكم.

وأضاف «راضى» فى تصريحات لـ«الدستور» اللصين الإثنين كانوا بيعيروا السيد المسيح، وبيقولوله أنت جيت وعملت معجزات، ليه مش بتخلص نفسك من الصليب، متابعا: «اللص اليمين ابتدأ يقول للص الشمال إلا تخاف الله؟! لقد نال نفس العقاب الذى نلته أنت بغير ذنب».

وتابع: اللص اليمين «ديماس» رأى السيد المسيح وهو يقول للذين صلبوه «أغفر لهم يا ابتاه لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون»، والتفت حينها اللص اليمين للسيد المسيح وقال له «أكرنى يا رب متى جئت فى ملكوتك» فرد السيد المسيح وقال «اليوم تكون معى فى الفردوس».

وأشار إلى أن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية منذ ذلك الحين أخذت تلك العبارات التى قالها «ديماس»، وعملت منها لحن تصليه الكنيسة فى صلوات بصخة الجمعة العظيمة «أذكرنى يارب متى جئت فى ملكوتك، أذكرنى يا سيد متى جئت فى ملكوتك، أذكرنى يا قدوس متى جئت فى ملكوتك».

وتابع: والكنيسة ترتل فى الجمعة العظيمة التلميذ أنكر واللص أمن» وتقول: «طوباك أيها التلميذ ديماس الذى سرقت الملكوت» وأنتهت حياة ديماس بذلك فى فردوس النعيم.

«المجرم الذى تحرر»
بارباس هو المجرم الذي طلبت الجموع من بيلاطس، في عيد الفصح بتحريض من الكهنة والشيوخ، أن يطلق سراحه وأن يصلب يسوع الناصرى، وبحسب ما ذكر الإنجيل، إنه كان «موثقا مع رفقائه في الفتنة، الذين في الفتنة فعلوا قتلًا».

وكان طرح في السجن لأجل فتنة حدثت في المدينة وقتل، وقال عنه القديس يوحنا، كان بارباس لصا" أو قاطع طريق، ويزعم البعض أن الفتنة كانت عملًا من أعمال عصابات قطع الطريق.

وقال القس متى صليب راعى كنيسة مارجرجس الجيوشى، إن السيد المسيح كان البديل العظيم، الذى أخذ عقوبة الصليب بدلًا من «بارباس»، مشيرا إلى أن باراباس يمثل البشر جميعًا، الذى أخذ السيد المسيح العقوبة بدلًا منهم، حاملًا خطاياهم على الصليب.

وأضاف «صليب» فى تصريحات لـ«الدستور» أن باراباس كان محكوما عليه بالإعدام، وكان يقترب كثيرًا من الموت بخطاياه، ولكن السيد المسيح حمل عنه العقوبة وحرره، وصار بعد ذلك ضمن أتباع السيد المسيح، فبعدما تحرر من عقوبة الإعدام بفترة ما، قدم توبة ورجع إلى الله وصار إحدى المبشرين بالسيد المسيح.

وقال القس لوقا راضى، بارباس تعنى «أبن الأب أو ابن المعلم»، وهو كان أحد لصوص وقاتل بأورشليم، حيث كان يقتل الكهنة فى اليهودية، ويسرق ملابسهم الكهنوتية، ولما قبض عليه، قبض العساكر الرومانية فى أورشليم، لكنهم أختاروه عوض عن السيد المسيح ليفرج عنه.

وأضاف لـ«الدستور»بعض روايات التقليد تقول أن بارباس مات مسيحيًا، حيث أنه أمن بعد موت السيد المسيح على الصليب وقدم توبة ورجع إلى الله.

«رئيس اليهود الذى آمن»
كان نيقوديموس الفريسي، رئيسًا لليهود ومعلمًا لإسرائيل، وأحد أعضاء مجمع السنهدريم الأعلى، الذي حكم علي السيد المسيح بالصلب ظلمًا، بالرغم من إنه كان فريسى وغير مؤمن بالسيد المسيح إلا أنه جاء واشترك مع يوسف الرامي في تكفين جسد المسيح، بحسب ما ذكر القديس يوحنا بالكتاب المقدس «وجاء أيضًا نيقوديموس الذي أتي أولًا إلي يسوع ليلًا، وهو حامل مزيج مر وعود نحو مئة منًا، فأخذا جسد يسوع، ولفاه بأكفان مع الأطياب ودفناه».

كان في موقفه خطورة، لأنه عضو في مجمع السنهدريم الذي حكم علي المسيح ظلمًا، وهو لم يكن موافقًا لهم، ولكن لسان حال نيقوديموس يقول «سأعلن تبعيتي للمسيح، حتى وهو ميت في نظر الناس ومصلوب ومحكوم عليه، أنا لا أتخلي عنه في هذا الوقت، بل أعلن تبعيتي له، متحملًا كل نتائج هذا العمل».

نيقوديموس اسم يوناني معناه «المنتصر على الشعب» وهو فريسي وعضو في السنهدريم، وكان واحدًا من رؤساء اليهود، جاء إلى المسيح في الليل، حتى لا يراه أحد، ليشاوره ويباحثه في أمر الولادة الثانية الروحية، وقد اقتنع بكلام السيد المسيح، ودافع عنه في السنهدريم حتى هاجمه الفريسيون، ثم بعد أن مات السيد المسيح على الصليب دفنه وطيب جسده.

وتقدم نيقوديموس في علاقته بالسيد المسيح، فقد بدأ بزيارته ليلا، مما جعل الكثيرين من المفسرين، يصفونه بأنه كان شخصًا مترددًا يخشى على سمعته وعلى مركزه، ولكنه بعد ذلك، عندما أراد رؤساء الكهنة والفريسيين أن يلقوا القبض عليه قال لهم نيقوديموس الذي جاء إليه ليلًا وهو واحد منهم: ألعل ناموسنا يدين إنسانا لم يسمع منه أولا ويعرف ماذا فعل؟ مما جعلهم يقولون له: "ألعلك أنت أيضًا من الجليل؟" أي لعلك أحد تلاميذه.

ثم بعد أن أسلم السيد المسيح الروح على الصليب، وأذن بيلاطس ليوسف الرامي «وهو تلميذ ولكن خفية بسبب الخوف من اليهود»، أن يأخذ جسد يسوع، جاء أيضًا نيقوديموس، الذي أتى أولا إلى يسوع ليلًا، وهو حامِل مزيج مر وعود نحو مئة منا. فأخذا جسد يسوع ولفاه بأكفان مع الأطياب "ووضعاه في قبر جديد في البستان، لم يوضع فيه أحد قط" وكمية الطيب التي جاء بها تدل على مدى ثرائه.

وقال القس لوقا راضى، راعى كنيسة مارى يوحنا المعمدان، بالقوصية، إن نيقوديموس هو أحد رؤساء المجمع الكتاب المقدس قال عنه فى إنجيل يوحنا الإصحاح الثالث، إنه جاء إلى السيد المسيح ليلًا سرا ودار بينهما حوار طويل قال فيه السيد المسيح، «ليس أحد يولد من فوق إلا الذى نزل من السماء ابن الإنسان الذى هو فى السماء».

وأضاف «راضى» فى تصريحات لـ«الدستور»، أن السيد المسيح شرح لنيقوديموس سر المعمودية، لكن نيقوديموس مقدرش يفهم، قائلًا له وكيف أرجع لأولد من جديد من بطن أمى، فرد عليه السيد المسيح قائلًا: وكيف لا تفهم وأنت رئيس مجمع؟! وبدء فى الشرح بإستفاضة له.

وتابع: وأثناء محاكمة السيد المسيح وبعد صلبه وموته تقدم نيقوديموس ويوسف الرامى للملك بيلاطس، وطلبوا منه جسد السيد المسيح لدفنه، وكان لديهم مغارة قبر كبيرًا لم يدفن فيه أحد من قبل، وعقب دفن المسيح وقيامته من الأموات، أصبح نيقوديموس من أتباع السيد المسيح وتلاميذه رسميًا، هو ويوسف الرامى.

وأشار إلى أن هناك نبوات فى التقليد الكنسى عندما كانوا يكفنوا السيد المسيح، قالوا: «معقول أحنا نكفن مخلص العالم؟؟»، متابعًا وروايات التقليد تقول أن السيد المسيح فتح عينه وكشف له اثناء تكفينه حتى قال بعض العبارات «قدوس الله، قدوس القوى، قدوس الحى الذى لا يموت أرحمنا»، ومن هنا أخذت الكنيسة تلك العبارات وأصبحت لحن جميل يقال بشكل مستمر فى القداسات والصلوات، ومن هنا أمن نيقوديموس وأنتهت حياته مسيحيا.