رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر فى إطار التغير الاستراتيجى الإقليمى


اختلفت الآراء حول معالجة قضية خطف الجنود حيث رأينا وسمعنا من يشجع التفاوض، بينما آخرون يرون ضرورة الحسم العسكرى، وللحقيقة فإن الحديث عن التفاوض يجرى تحت اسم الحل السياسى وهو تعبير خاطئ حيث إن السياسة لا تمنع ولا تتناقض مع التفاوض ولا مع الحسم العسكرى

يعيش العالم العربى، بل والإقليم الأوسع المسمى بالشرق الأوسط، تغيرات يمكن أن تؤثر جذريا على الإقليم، حيث تؤثر بشكل مباشر على حوالى تسعين مليون مصرى، وتؤثر بشكل غير مباشر على المنطقة. ما يحدث فى مصر يهدد هيبة الدولة، ويهدد علاقات مصر بجيرانها العرب خاصة بالفلسطينيين، وبالأخص بالفلسطينيين فى قطاع غزة، وإذا وضعنا فى الاعتبار العلاقات مع الجمهورية العربية السورية فإن هذه التغيرات تشكل عاملا مهمًا فى الأوضاع الإقليمية، من جهة أخرى فإن اتفاق كل من الولايات المتحدة والاتحاد الروسى على عقد مؤتمر حول سوريا على أساس مؤتمر جنيف الذى عقد فى العام يشكل تحولا مهما فى الأوضاع الاستراتيجية الإقليمية خاصة إذا وضعنا فى الاعتبار المسار الذى سبق والذى كانت فيه دول عربية وأوروبية تمهد لتغيير النظام فى سوريا بالقوة عن طريق إمداد «المعارضة» بالسلاح والمال والدعم السياسى، والاتفاق الأخير يعبر عن تغير مهم فى الوضع الاستراتيجى وتعبيرا عن التطورات العسكرية على الأرض. لكن ربما يكون أكثر التطورات أهمية هو نتيجة زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلى لروسيا ومقابلته للرئيس الروسى فلاديمير بوتين.

اختلفت الآراء حول معالجة قضية خطف الجنود حيث رأينا وسمعنا من يشجع التفاوض، بينما آخرون يرون ضرورة الحسم العسكرى، وللحقيقة فإن الحديث عن التفاوض يجرى تحت اسم الحل السياسى وهو تعبير خاطئ حيث إن السياسة لا تمنع ولا تتناقض مع التفاوض ولا مع الحسم العسكرى، ولكن المقصود بالتفاوض هنا قبول مبدأ مبادلة الجنود المختطفين بآخرين محكوم عليهم بأحكام جنائية، وهذا فى الحقيقة هو مربط الفرس، حيث لا يجوز القبول بأن تكون هذه وسيلة للإفراج عن متهمين أو محكوم عليهم، ويعنى أن تتحول مصر إلى غابة يتحكم فيها مجموعة من الخاطفين الذين يمكن أن يؤجروا خدماتهم لمن يريد وبأسعار يحددونها، وإذا قبل هذا المبدأ فإن مصر تفقد صفتها كبلد للأمن والأمان كما يقال، بل وتفقد الكثير من فرص الاستثمار والتنمية حيث ليس من المعقول أن يأتى مستثمر ليستثمر أمواله فى مصر، ثم يقوم مختطفون بخطفه، أو بخطف بعض العاملين عنده، ويساوم على الإفراج عنه أو عنهم بمقابل. أما ما يقال عن توريط القوات المسلحة فى صراع فإن هذا من الأهداف المهمة التى يمكن دفع القوات المسلحة لها. لذلك فيمكننى قبول التفاوض تكتيكيا أى بهدف الحصول على المعلومات وكسب فترة زمنية كافية للقيام بالتوصل إلى المختطفين والإفراج عنهم، أو لإقناع الخاطفين بخطورة عملهم وتسليم من خطفوهم، وليس لمبادلة المختطفين بالمحكوم عليهم، دون التصدى للجريمة فإن مصر تخسر الكثير فى وضعها الاستراتيجى وفى قيادتها للمنطقة، ولنتذكر أن مصر ينظر إليها فى الإقليم على أنها النموذج الإقليمى، باعتبارها أنهاالدولة الوحيدة العريقة ذات التقاليد والتاريخ.

يعتبر التغير فى الموقف السورى مهمًا للغاية على أثر تغيرات مهمة فى الوضع العسكرى حيث حقق الجيش العربى السورى نجاحات ملموسة، وعلى أثره وافقت الولايات المتحدة على عقد مؤتمر جنيف 2 المقترح عقده بواسطة الاتحاد الروسى وعلى أساس مقررات مؤتمر جنيف 1، واتجهت باقى الدول الغربية إلى الموافقة عليه، وكذا فصائل المعارضة المسلحة والإرهابية إلى المشاركة مع محاولة اشتراط ألا يؤدى إلى استمرار الرئيس السورى فى الحكم، وهى شروط لا أظن أنها يمكن فرضها أو الوصول إليها، رغم أنى أرى ألا تطول فترة رئاسة أى رئيس بمن فيهم الرئيس بشار الأسد.

يعتبر التغيير تجاه الوضع فى سوريا مهمًا بالنسبة لمصر، فقد كانت سوريا هى الجناح الشرقى لمصر فى الصراع العربى الإسرائيلى وحماية الاتجاه الاستراتيجى الشمالى الشرقي، وتعتبر فترة القطيعة بين مصر وسوريا خطرا كبيرا على الأمن القومى لكلا الدولتين، وعلى مصر أن تعمل على سرعة استعادة سوريا لقدراتها فى أقرب وقت، وأن تستأنف التعاون العسكرى معها، وأن تعمل على إعادة وضع سوريا فى جامعة الدول العربية بأسرع ما يمكن.

أخطر التطورات الاستراتيجية الإقليمية حدثت عند زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو للرئيس الروسى فلاديمير بوتين فى منتجع سوتشى، وكان معروفا أنه كان ذاهبا بهدف أن يطلب من الرئيس الروسى ألا تمد روسيا القوات المسلحة السورية بأسلحة حديثة متطورة وخاصة «إس 300» وهو صاروخ دفاع جوى له قدرات مضادة للصواريخ، والصاروخ الساحلى المضاد للسفن «ياخونت»، وهى أسلحة متقدمة تمكن سوريا من مقاومة التفوق الجوى الإسرائيلي، وبحيث لا تستطيع إسرائيل تكرار ضرباتها ضد أهداف سورية على نحو ما سبق قيامها به دون تعرض طياريها لاحتمال الإسقاط. كما يستطيع صاروخ « ياخونت» أن يصيب السفن على مسافات تصل إلى 180 كيلومتراً بما يضع قيودا مهمة على تحركات الأسطول الإسرائيلى، وربما كانت هذه أول مرة يعود رئيس الوزراء الإسرائيلى خالى الوفاض من روسيا، حيث تعلل الرئيس الروسى بأن روسيا قد سبق أن عقدت اتفاقا مع سوريا على تزويدها بهذه الأسلحة وأنها أسلحة دفاعية لا تغير من موازين القوى فى شرق البحر المتوسط، كما أشار الرئيس الروسى إلى أن الولايات المتحدة قد باعت لدول المنطقة وفقا لزيارة وزير الدفاع الجديد للولايات المتحدة تشاك هاجل كمية ضخمة من الأسلحة كما زادت من حجم مساعداتها لإسرائيل وأن من حق روسيا أن تبيع لأصدقائها، وأن روسيا قد قررت أن تدعم وضعها الاستراتيجى فى البحر المتوسط. طبعا إسرائيل علقت كثيرا على هذا التطور، ومنه أن سوريا ستحتاج إلى فترة زمنية طويلة لكى تستوعب هذه الأسلحة، وقد يكون هذا صحيحا إذا لم تكن سوريا قد سبق وأرسلت أفرادا من سوريا للدراسة فى روسيا بحيث يكونوا مستعدين لاستخدام هذه الصواريخ فى فترة قصيرة بعد وصولها واستلامها، هذا بالإضافة إلى أنه من المتوقع أن يكون خبراء روس قد وصلوا فعلا، أو فى طريقهم إلى سوريا للتمهيد لذلك فى أقصر وقت.

هل ستتوقف إسرائيل عن انتهاك أجواء سوريا نتيجة لامتلاك سوريا لصاروخ «إس 300» ؟! إذا حدث هذا فقد يكون تطورا مهمًا فى موازين القوى فى المنطقة، حيث كان يسمح لإسرائيل بمهاجمة أهداف عربية دون أن تخاطر بحياة طياريها، وربما أدى هذا الصاروخ إلى إمكان استخدامه فى معاونة لبنان فى مواجهة انتهاكات إسرائيل لفضائها الجوى وحينئذ يعتبر التغير هو فى الحقيقة قصا لأجنحة إسرائيل التى طالما استخدمتها فى العدوان على الدول المجاورة. كذلك فإن الصاروخ الساحلى المضاد للسفن ياخونت سوف يضع حدودا لعربدة أسطول إسرائيل فى شرق البحر المتوسط، وسيمكن كلا من سوريا ولبنان من المحافظة على حقوقهم فى حقول الغاز فى شرق البحر المتوسط، وربما حقوق مصر أيضا. هل هى بداية عصر جديد؟!!

■ خبير سياسى واستراتيجى