رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

القانون والتنظيم طريق الخروج


كنا نظن أن جماعة الإخوان المسلمين هى جماعة منظمة منضبطة وأن لديها برنامجا أو شبه برنامج أوما سمى بمشروع النهضة، وكنا واثقين من أن هناك مبالغة فى كل ذلك خاصة ما يسمى بالمشروع، لكن الحقيقة أننا كنا بعيدين عن التقدير الصحيح بدرجة لم نتصورها.

أخشى أن أكون أكرر نفسى، لكن موضوعات كثيرة لا تستطيع أن تصل إلى مكانها الطبيعى فى أولويات العمل المصرى نتيجة للحالة التى وصل إليها الوطن، وهى حالة غير مسبوقة منذ بداية توحيد مصر بقيادة الملك «مينا»، ولا أظن أن أحدا يستطيع أن يترك الوضع السياسى والأمنى ليناقش باقى موضوعات العمل الوطني، وهى موضوعات مهمة بلا شك، لكنها تتطلب أمنا وطنيا بالدرجة الأولى، وهو أمر تفتقر إليه مصر بدرجة كبيرة جعلتها تقترب بشدة من حالة الدولة الفاشلة، وأظننى قد حذرت من احتمال الوصول إليه منذ نحو عامين حينما كان الكثيرون ينظرون إلى باستغراب، السبب الذى دفعنى إلى ذلك أن ما حدث فى يناير 2011 كان مبررا بدرجة كبيرة نظرا لانسداد طرق التغيير السلمى، لكنه كان يتطلب الإعداد له بحيث يمكن تغيير الأوضاع إلى الأفضل، وهذا كان يتطلب تنظيما يمهد للتغيير ويستعد لتولى تحقيق الأهداف، ويتطلب قيادة تستطيع أن تطلب من الثوار أن يفعلوا شيئا لصالح الثورة فيفعلوه، وأن تدعوهم إلى الامتناع عن عمل ما فيمتنعوا عنه اقتناعا بإخلاصها وبحكمتها.

وإنى أتعجب مما يردده البعض من أن ثورة 25 يناير سرقت، وأنها كانت ثورة شباب، وكان يجب على من سموهم بـ«عواجيز الفرح» أن يتواروا ليعطوا فرصة للشباب ليتولوا القيادة، ويتناسى الكثيرون أن أحدا لم يمنع قيادات من أن تظهر، وأن المجلس الأعلى للقوات المسلحة فد دعا «الثوار» صراحة إلى أن يشكلوا لهم حزبا ولكنهم فشلوا، وأنه جرت محاولات لعقد مؤتمرات لهم ليتفقوا على شىء، ولكنهم تشاجروا واختلفوا فيما بينهم، وانقسموا إلى آلاف الأحزاب والتشكيلات بحيث لم يعد هناك حزب يستطيع أن يؤثر لا فى القرار ولا فى الشارع، وأصبح الشىء الوحيد الذى يتفقون عليه هو مهاجمة أهداف حيوية مثل السجون وأقسام الشرطة ومديريات الأمن، ثم مبنى التليفزيون، ووزارة الداخلية ومدرسة الليسيه والحوياتى والمجمع العلمى ورئاسة مجلس الوزراء ووزارة الدفاع، لتمتد بعد ذلك لتصل إلى الاتحادية وفندق سميراميس ومحطات المترو وخطوط السكة الحديد، وها هى تصل إلى مبانى المحافظات، وإلى إضراب أفراد الشرطة، وأصبح الذين كانوا يحرضون على التظاهر والاعتصام يطالبون بتنظيم هذه الحقوق، وهم يتناسون أن هناك قانوناً ينظمها فعلا، وأنهم كانوا من أوائل الذين خالفوها ودعوا إلى انتهاكها.

كنا نظن أن جماعة الإخوان المسلمين هى جماعة منظمة منضبطة وأن لديها برنامجا أو شبه برنامج أوما سمى بمشروع النهضة، وكنا واثقين من أن هناك مبالغة فى كل ذلك خاصة ما يسمى بالمشروع، لكن الحقيقة أننا كنا بعيدين عن التقدير الصحيح بدرجة لم نتصورها، فالواقع يقول إنه ليست هناك برامج ولا شبه مشروع، كما أن درجة الانضباط والانتظام قد انكشفت بدرجة كبيرة جعلتهم عاجزين عن ضبط الشارع وضمان الحد الأدنى من النظام والأمن، كما أن تصرفاتهم خاصة حيال القضاء والإعلام أضعفت الأمن ولم تقوهم، فقد كان السكوت عن حصار المحكمة الدستورية العليا، وإقالة النائب العام، ثم إقرار الدستور المفصل على مقاس اشخاص بعينهم والتراجع عن الوعود التى وعدوا بها ثم اتخاذ قرارات والرجوع فيها قبل أن يجف حبرها، ثم ياتى اختيار وزارة لا يرضى عنها أحد بما فيهم حزب الحرية والعدالة -الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين- ليضع سؤالا كبيرا حول إدارة شئون مصر، وإذا أضفنا إليها بعض الملاحظات حول السلوك الشخصى لكل من الرئيس ورئيس الوزراء فيما يتعلق بخطاب الرئيس فى ألمانيا وحديث رئيس الوزراء حول الرضاعة، كل هذا أدى أولا إلى فقدان الدولة لهيبتها، وفقدان الأفراد لثقتهم فى إدارة البلاد، وفقدان القوى الأجنبية الثقة فى قدرة هذه الإدارة على ضبط الأمور فى البلاد بحيث يمكن استثمار الأموال فيها، أو حتى ضمان سداد القروض، ومن جهة أخرى مهدت لأطماع داخلية وخارجية للسيطرة على مقدرات البلاد، كل ما سبق ألغى ما كان الكثيرون قد تصوروه عن الجماعة من تنظيم وانضباط.

إن كل ما سبق يشير إلى أن مصر فى حاجة إلى إعادة الانضباط واستعادة ما افتقدناه فى الفترة السابقة، وهو يتطلب تغييرا فى القيادة، واستعادة للتنظيمات السياسية بحيث يجب أن يشتمل كل تنظيم على حد أدنى من الأعضاء، وأن يكون له برنامج عملى تنموى يسعى إلى تحقيق نمو فى جميع المجالات وهذا يتطلب أن يشتمل كل تنظيم سياسى على تخصصات قادرة على تصور عملى للنمو فى مجالها قابلة للتحقيق، وعلى تغطية مسئوليات مهمة فى الدولة. وكل ما سبق تجمعه فلسفة متفق عليها داخل التنظيم السياسى، ويفضل أن يكون ذلك بعيدا عن برامج التنظيمات الأخرى، حتى لا تتكرر البرامج ولا يكون واضحا سبب التفرق.

إن كل ما سبق لا بد وأن يؤدى إلى سيادة القانون، والتطبيق الصارم للقانون دون أى تأخير، وعلينا ألا ننتظر تغيير القانون وفقا لما قد نراه مناسبا، فالقانون يجب ألا ينتظر، وعلينا إذا، إذا كنا متعجلين، أن نسارع بإجراء التغييرات اللازمة، على ألا يغلب عامل السرعة الدقة والتمحيص اللازمين فى دراسة القوانين، وردود الفعل المتوقعة له، وكيف سيتحول البعض للتحايل على القانون بصيغته الجديدة، فالقانون يجب أن يتمتع بدرجة عالية من الثبات، فليس من المعقول أن نصدر قانونا اليوم ثم نقوم بتغييره بعد أيام، أو أسابيع أو أشهر.

ولا شك أن استعادة الاستقرار تتطلب إعادة النظر فى القوانين المنظمة لحقوق الاعتصام والتظاهر، وإن كان المطلوب أكثر أن نراجع تطبيقنا للقانون، فالحديث عن التظاهر يتحدث عن التظاهر السلمى، ولا شك أن إلقاء الطوب والحجارة والزجاجات الحارقة ينزع صفة السلمية عن المتظاهر أو المعتصم وبغض النظر عن الجانب أو الطرف الذى يؤيده أو يعارضه. كذلك فإن الاعتصام الذى يعطل المرور يخرج عن دائرة الاعتصام السلمى وبالتالى فإنه يتطلب تعاملا مختلفا عن التعامل مع المتظاهر والمعتصم السلمى، وهنا فإن استخدام القوة ضد هؤلاء هو تعامل مع مخالفين للقانون، ومع من يرتكبون جرائم فى حق المجتمع المصرى، وهنا أتذكر أنى سمعت بالصدفة من يقول بأن المواطن أهم من المنشأة، وهى كلمة حق يراد بها باطل، فلا شك أن الفرد أهم من أى منشأة، لكن هذا يقصد به أنه يمكن للفرد أن يعتدى على المنشآت ويتمتع بحماية من منعه من العدوان على المنشأة بدعوى أن الفرد أهم من المنشأة، ويتجاهل هذا الحديث أن المنشأة هى منشأة الشعب كله، وأن المعتدى عليها معتد على كل الشعب وعلى كل فرد، وأن على المكلفين بحماية المنشآت أن يستخدموا كل إمكانياتهم بما فيها الذخيرة الحية وفقا للقانون عند اللزوم. وينطبق ذلك بدرجة أكبر على الذين يقومون بقطع وتعطيل الطرق ووسائل المواصلات.

■ خبير عسكرى واستراتيجى