رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«راعي البقر» يكشف حقيقة تجنيد المخابرات البريطانية لـ«الأفغاني»

جمال الدين الأفغاني
جمال الدين الأفغاني

هل كان"جمال الدين الأفغاني" حقا من أعلام النهضة المصرية وتجديد الفكر الإسلامي؟ وما حقيقة أنه كان عميلا للاستخبارات البريطانية طبقا لوثيقة مسربة للمخابرات التابعة للحكومة الهندية٬ وهل تلقى عرضا للتعاون مع بريطانيا لإستخدام (الإحياء الإسلامي والجامعة الإسلامية) ؟

ليس هذا فحسب٬ وطبقا للمستشرق الإنجليزي" إيلي خدوري" أن الأفغاني نفسه هو الذي إقترح أن تتولي بريطانيا قيادة الحلف الإسلامي٬ وأنه منذ ١٨٧٥ ظفر بدعم المملكة المتحدة٬ وتبعا لنفس الوثيقة فإن الأفغاني عرض رسميا التوجه إلي مصر كعميل للمخابرات البريطانية.

هذه الأسئلة وغيرها يطرحها كتاب" راعي البقر ..خليفة القرصان ..اللعب علي المكشوف" للكاتب فاروق القاضي٬ والصادر حديثا عن دار العين.

يستهل المؤلف في مقدمته التي تجاوزت خمسين صفحة٬ سرد سريع لتاريخ مصر بما يشبه الفلاش باك في السينما٬ فمن ثورة يناير ٢٠١١ ينتقل للتاريخ القبطي٬ فدخول العرب مصر وكيف أصبحت منارة للإسلام٬ مرورا بالمماليك ودفاعها عن العالم بأسره ضد هجمات التتار٬ وصولا إلي الإحتلال العثماني وسقوط الخلافة نفسها في تركيا التي تحولت إلي العلمانية بفضل كمال أتاتورك.

يؤكد القاضي في كتابه علي أن الإمبراطورية البريطانية طوال نصف قرن كانت ترسي قواعد الإسلام السياسي٬ فقد عهدت إلي الأفغاني بإرساء البناء الفكري لحركة الإسلام الشمولي٬ تحت رعاية الإمبراطورية٬ وكانت أعماله ثمرة تجاربه وجهود بريطانيا علي مدي قرن لتنظيم حركة إسلامية تحت رعايتها لتحل محل الخلافة الآيلة للسقوط في تركيا.

كان الأفغاني هو الذي بدأ كل هذا وإن بقي لسنوات طويلة بعد وفاته عند عدد كبير من مؤرخي حياته "الداعية المؤمن الصلب للصحوة الإسلامية المعادي للإستعمار" وعند آخرين "المهذب لإسلام العصور الوسطي بالعقلانية العلمية المستنيرة" إلا أنه كان رغم كل هذا وفوق أي إعتبار آخر"ساحرا سياسيا يستخدم العقيدة لصالح أهداف مؤقتة٬ وفي نفس الوقت كان حليفا تابعا٬ وكان أداة في يد القوي الإمبريالية. بدأ الأفغاني نشاطه في المجال الفكري والديني في مصر٬ جعل من الدين ستارا لمهمته الأصلية طيلة ست سنوات٬ وإن لم يخل هذا الستار من تعبئة السامعين حول مفهوم معين للدين.

بل أنه حتي عندما اشتغل بالسياسة٬ كان يتحرك أساسا بين صفوف المجددين والديمقراطيين والدستوريين والعرابيين ودعاة مصر للمصريين٬ ولا يتحرك تحركا صريحا داخل معسكر الرجعيين دعاة الحكم المطلق٬ وهو أمر غريب بحكم علاقته برياض باشا٬ ولم يذهب يوما للأزهر مدرسا ولا يوم واحد.

يذهب الكاتب إلي أنه من أخطر نتائج إنتشار أفكار الأفغاني العثمانية المتأسلمة في الظاهر أن أدت إلي إستقطاب الجناح المحافظ سواء بين مناضلي الحزب الوطني الحر أو مناضلي الثورة العرابية فيما بعد٬ وهو ما أدي لتوجيهها نحو مسارات دينية بدلا من تعميق جذورها الوطنية٬ وهو ما ظهرت نتائجه عندما أعلن السلطان عصيان عرابي بناء علي طلب اللورد"دوفرين".

بل ولم يخجل الداعية المزيف من محصلة تعاليمه٬ بل قام في باريس بخلع كافة الأقنعة التي لبسها في مصر٬ وفي مقدمتها (مصر للمصريين) ويعلن أن سبب فشل الثورة العرابية أنها لم ترفع شعار( الولاء للسلطنة العثمانية ) بل رفعت شعار مصر للمصريين الذي طالما روج له.

ودافع عن منشور العصيان الذي أصدره السلطان عبد الحميد٬ مهدرا فيه دم عرابي والعرابيين٬ في أخطر مراحل المقاومة المسلحة ضد الإحتلال البريطاني.

و دافع الأفغاني عن المنشور بأن "الثوار العرابيين لم يكونوا ملتفين حول "العروة الوثقي" للخليفة السلطان لقد كان السلطان عبد الحميد وممثله الشرعي توفيق الخائن متحدين مع الجيش البريطاني ضد جيش مصر٬ وكان كل أمل الرجل المريض العثماني أن تقمع له إنجلترا الثورة العرابية وتشنق العرابيين ثم تنسحب من مصر.