رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ «3-1»


عن ابن مسعود رضى الله عنه وأرضاه، أن رجلاً أصاب من امرأة قُبلة، فأتى رسول الله فذكر ذلك له، فأنزلت عليه «وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ». قال الرجل: إلى من هذه الآية؟ قال – صلى الله عليه وسلم - لمن عمل بها من أمتى، وفى لفظ فقال: رجل من القوم يا نبى الله هذا له خاصة، قال بل للناس كافة». أخرجه البخارى ومسلم.

وقد قال ابن الجوزى فى قوله تعالى: «إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ» المراد بالحسنات قولان: أحدهما: إنها الصلوات الخمس، قاله ابن مسعود وابن عباس وابن المسيب ومسروق ومجاهد القرظى والضحاك والمقاتلان ابن سليمان وابن حيان.



والثانى: إنها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. رواه منصور عن مجاهد. ويرى بعض العلماء أن الأول أصح، لأن الجمهور عليه، وفيه حديث مسند عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رواه عثمان بن عفان عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنه توضأ وقال: من توضأ وضوئى هذا ثم صلى الظهر، غفر له ما كان بينها وبين صلاة الصبح، ومن صلى العصر غفر له ما بينها وبين صلاة الظهر، ومن صلى المغرب غفر له ما بينها وبين صلاة العصر، ثم صلى العشاء غفر له ما بينها وبين صلاة المغرب، ثم لعله أن يبيت ليلته يتمرغ، ثم إن قام فتوضأ وصلى الصبح غفر له ما بينه وبين صلاة العشاء. وهن الحسنات يذهبن السيئات، فأما السيئات المذكورة ها هنا، فقال المفسرون هى: الصغائر من الذنوب. وقد روى معاذ بن جبل قال: قلت يا رسول الله أوصنى، قال: اتق الله حيثما كنت، قال قلت زدنى، قال أتبع السيئة الحسنة تمحها، قلت زدنى، قال خالق الناس بخلق حسن.

أما ابن المسيب ومجاهد وعطاء فقد قالوا هى: الباقيات الصالحات سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. وقال جماعة هى الصلوات الخمس، وبه قال مالك، وعليه يدل أول الآية فى ذكر الصلاة، فعليه يرجع آخرها، وعليه يدل الحديث الصحيح «الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما اجتنبت المقتلة». وروى أيضا: ما اجتنبت الكبائر، وكل ذلك فى الصحيح، وقد روى أن النبى أعرض عنه، أى عن الرجل المذنب، وأقيمت صلاة العصر فلما فرغ منها نزل عليه جبريل بالآية فدعاه الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال له أشهدت معنا الصلاة؟ قال نعم، قال اذهب فإنها كفارة لما فعلت. وروى أن النبى- صلى الله عليه وسلم- لما تلا هذه الآية قال له: قم فصل أربع ركعات، والله أعلم.

ولكننا نقرأ فى الألوسى عند قوله تعالى: «وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ» أمر بإقامة الصلاة المفروضة على ما علمت، وقد ذكروا أن الصلاة معراج المؤمن. وفى الأخبار ما يدل على علو شأنها. والأمر غنى عن البيان. إن الحسنات يذهبن السيئات، قال الواسطى: أنوار الطاعات تذهب بظلم المعاصى. وقال يحيى بن معاذ: إن الله سبحانه لم يرض للمؤمن بالذنب حتى ستر ولم يرض بالستر حتى غفر، ولم يرض بالغفران حتى بدل، فقال سبحانه إن الحسنات يذهبن السيئات. وقال تعالى: «فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ». ذلك الذى ذكر من إقامة الصلاة فى الأوقات المشار إليها وإذهاب الحسنات السيئات ذكرى للذاكرين، أى تذكير لمن يذكر حاله عند الحضور مع الله تعالى فى الصفاء والأنس والذوق. واصبر بالله سبحانه فى الاستقامة ومع الله تعالى بالحضور فى الصلاة وعدم الركون إلى الغير. إن الله لا يضيع أجر المحسنين، الذين يشاهدونه فى حال القيام بالحقوق.

وقد جاء فى كلام ابن تيمية: « قال بعض السلف: كان داود بعد التوبة خيراً منه قبل الخطيئة، فمن قضى له بالتوبة كان كما قال سعيد بن جبير: «إن العبد ليعمل الحسنة فيدخل بها النار وإن العبد ليعمل السيئة فيدخل بها الجنة. وذلك أنه يعمل الحسنة فتكون نصب عينه ويعجب بها، ويعمل السيئة فتكون نصب عينه فيستغفر الله ويتوب إليه منها. وقد ثبت فى الصحيح عن النبى أنه قال: الأعمال بالخواتيم.

والمؤمن إذا فعل سيئة فإن عقوبتها تندفع عنه بعشرة أسباب، أن يتوب فيتوب الله عليه، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، أو يستغفر فيغفر له، أو يعمل حسنات تمحوها فإن الحسنات يذهبن السيئات، أو يدعو له إخوانه المؤمنون ويستغفرون له حياً وميتاً، أو يهدون له من ثواب أعمالهم ما ينفعه الله به، أو يشفع فيه نبيه محمد، أو يبتليه الله تعالى فى الدنيا بمصائب تكفر عنه، أو يبتليه فى البرزخ بالصعقة فيكفر بها عنه، أو يبتليه فى عرصات القيامة من أهوالها بما يكفر عنه، أو يرحمه أرحم الراحمين، فمن أخطأته هذه العشرة فلا يلومن إلا نفسه. كما قال تعالى فيما يروى عنه رسوله «يا عبادى إنما هى أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرًا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه».

أقول هل من بعد هذا، وهذه الأسباب العشرة، من يبقى وعليه أى درن أو سيئة أو إثم؟ أقول صعب جدًا أن يبقى الإثم مع وجود المغفرة.

كما أقول، إن الحسنات يذهبن السيئات. هذا قول مطلق لا يقيده إلا قرآن مثله أو أقوال الرسول- صلى الله عليه وسلم- التى تبين المراد من الآية. وللحديث صلة.