رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ..«3-1»


نقرأ فى كتب التفسير العديد من المعانى الثرية فى معنى هذه الآية أو الجزء من الآية. وهذا قليل من كثير من مظاهر المحبة والرحمة فى الإسلام، فأين تتواجد مثل تلك الأخلاق السامية والتوجيهات النبيلة والرحمات، فالحمد لله على دين الإسلام العظيم دين الحب والرحمة، دين الود والإخاء، والحمد لله أننا نأخذ ديننا عن الله تعالى وعن رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، وإلا لكان فهم داعش الإرهابيين للدين هو السائد اليوم. «إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ» وهذا يعنى كل الدين السماوى.

يقول الله عز وجل : {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}. ويقول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِى الْقُرْبَى} النحل 90. عدل وإحسان وإيتاء ذى القربى.. فهل لاحظت كلمة يأمر؟

ويقول الله تبارك وتعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} آل عمران 134. و{إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} الأعراف 56.

ويقول تعالى: {وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} هود 115. ويقول تعالى: .{هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} الرحمن 60. ويقول تعالى: .{إنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ} النحل 128. سبحان الله!! المحسنون يشعرون بمعيّة الله...

ويقول تعالى:{لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} يونس 26. إن الزيادة هى رؤية الله تعالى فى الجنة والنظر إلى وجهه الكريم.

إن الآيات السابقة أثرت فى القلوب تأثيرًا كبيرًا.. لأنها قلوب طاهرة مؤمنة تقية موصولة بربها.

لقد تعارف كثير من الناس على أن الإحسان فى عبادات الطاعات فقط، وليست العبادة بمفهومها الشامل الذى ذكرته الآية الخالدة: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (الأنعام: 162).

الإحسان: هو الإخلاص. والإحسان هو: المراقبة وحُسن الطاعة. والحسنة: ضدُّ السيئة. وهو يُحسِن الشىء إحسانًا، أى: يَعلَمه ويُتقِنه. والحُسن: ضدُّ القبح، وحَسَّن الشىء تحسينًا زيَّنه.

الإحسان.. هو الإطار الذى يستوعب أعمال الإنسان الحميدة. يقول نبى الرحمة - صلى الله عليه وسلم- عن الإحسان عندما سأله جبريل عن الإسلام والإيمان والإحسان: (والإحسان أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ).

إن هذا الحديث يستبطن معنى عميقاً لم يعد كثير من الناس يهتمون به من كثرة سماعهم لهذا الحديث، فإن الإحسان ليس أن تعبد الله وتدرى أنه يراك، بل أن تعبد الله كأنك أنت تراه، فإن هذا المعنى يولّد مجموعة عظيمة من المعانى فى النفس. إذ إن ذلك يولد العمل مع حب الله سبحانه وتعالى؛ لأنك إذا رأيت الله، واستشعرت أسماءه وصفاته من الرحمة والعظمة، والحلم والعلم، والكرم والجود، والعفو والصفح، ولّد هذا حبًّا شديدًا لله سبحانه وتعالى، وأوجد عندك التعظيم له. وهو الحب الأشد لله تعالى ولرسوله حتى يصبح الله تعالى ورسوله أحب إلى الإنسان (المخلوق) مما سواهما.

ولو عرف كل فرد منا أن معنى:. (كأنك تراه) هو:. «بأن تتأدب فى أداء عبادته التى أمر بها وتقوم أنت بها كأنك تنظر إليه، فجمع بيان المراقبة فى كل حال، والإخلاص فى سائر الأعمال، والحث عليهما» كما يقول الإمام المناوى.

لو أدركنا أن معنى: (فإن لم تكن تراه فإنه يراك): «أى فاعلم أنه يراك فى جميع الأحوال، فيجب عليك أن تحسن الأعمال» كما يقول الإمام القارى.

لقد قال الله تعالى:. «مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ» (التوبة: 91)، يقول الإمام القرطبى فى شرح هذه الآية: «وهذه الآية أصل فى رفع العقاب عن كل محسن». النتيجة:. «فَآتَاهُمُ اللهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ». (آل عمران: 148).

ويقول الإمام القرطبى فى شرح قول الله تعالى:{مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (التوبة: 91) .

«هذه الآية أصل فى رفع العقاب عن كل محسن»، فـإن الإحسان غاية رتب الدين، وأعظم أخلاق عباد الله الصالحين!» كما يقول الإمام المناوى.

فيعمل المؤمن وهو يحب الله ويرجوه، ويخافه ويعظمه، ويتذلل لله؛ لأنه يستشعر ضعفه أمام الله وحاجته فى كل ذرة ونفس من كيانه فى كل لحظة من عمره، وأنه يفتقر أشد الفقر لله سبحانه..

وإذا عمل المؤمن بهذا الشعور، وطلبه بهذا المستوى فإنه سيؤدى العمل والعبادة على أكمل وجه؛ لأن جميع الطبائع البشرية وجميع المشاعر تتحرك فى جسده لله عز وجل، فهو بالله يأكل ويشرب، ويعمل ولله يفعل، (فإن لم تكن تراه فإنه يراك): لا أحد يرى الله سبحانه فى الدنيا، ولا أحد يستطيع ذلك، ولكن إن لم تستطع أن تكون كأنك ترى الله، فلا يفوتنك أن تشعر برؤية الله لك ومراقبته.

هذا هو أعظم الإحسان وأساسه، ومنه تنبثق فروع الإحسان؛ الإحسان إلى: الخلق، إلى الوالدين «وبالوالدين إحساناً»، وإلى القريب والجار، والصديق والعشرة الزوجية والناس، بل حتى الطلاق يحتاج لإحسان «فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ»..

والتشريع الإسلامى يذهب إلى أبعد من هذا؛ إلى الإحسان فى القتل أيضاً!، يقول النبى صلى الله عليه وسلم: (إن الله كتب الإحسان على كل شىء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحدّ أحدكم شفرته ويرح ذبيحته) رواه مسلم وأصحاب السنن.

قال الإمام الآبادى فى «عون المعبود»: «(كتب الإحسان على كل شىء): كلمة على هنا بمعنى فى، أى أمركم به فى كل شىء». أقول هذا بعض معانى الآية الكريمة . وللحديث صلة وبالله التوفيق.


لو أدركنا أن معنى: (فإن لم تكن تراه فإنه يراك): «أى فاعلم أنه يراك فى جميع الأحوال، فيجب عليك أن تحسن الأعمال» كما يقول الإمام القارى.