رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"الجنائية الدولية" العدالة العوراء..الانسحابات تضرب أكبر المنظمات الدولية..روسيا ترد على إساءة المحكمة بصفعة قوية والقارة السمراء تتمرد..ومراقبون: الاتهامات لا تسقط بالانسحاب والمحكمة فقدت مصداقيتها

جريدة الدستور

إنسحابات متتالية، تساقطت مع كلًا منها ثقل ومصداقية واحدة من أهم المنظمات الدولية الدائمة، ألا وهي المحكمة الجنائية الدولية، بعد أن أرتأت العديد من بلدان العالم عدم حيادية المنظمة حديثة العهد، بل وإستهدافها قادة بعينهم بغرض تحقيق أهداف سياسية غير نزيهة.

مؤخرًا، لحقت روسيا بركب البلدان المنسلخة عن المحكمة الدولية بعد أن وقع الرئيس فلاديمير بوتن مرسوماً بشأن نية روسيا الإنسحاب من مجموعة الدول الموقِّعة على نظام روما المؤسِّس للمحكمة الجنائية الدولية.

وجاء قرار بوتين بعد يوم من إدلاء المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، فاتو بنسودا، بتصريحات أثارت استياء شديدا في موسكو، إذ وصفت بنسودا الأحداث التي أدت إلى انضمام شبه جزيرة القرم لروسيا بأنها كانت "حربا شنتها روسيا ضد أوكرانيا"، واعتبرت القرم منطقة محتلة.

وأعلنت الخارجية الروسية رسمياً اليوم الأربعاء سحب توقيعها على نظام روما المؤسِّس للمحكمة الجنائية الدولية، مؤكدة أن المحكمة "تفتقر إلى الاستقلالية" وفشلت في تلبية تطلعات المجتمع الدولي.

وأضافت أن "المحكمة لم تكن على مستوى الآمال التي عُلّقت عليها ولم تتحول قط إلى مؤسسة مستقلة فعلياً تشكل مرجعية في العدالة الدولية".

"ما هي المحكمة الجنائية؟"

بداية تعرف المحكمة الجنائية بإعتبارها منظمة دولية دائمة، تأسست سنة 2002 كأول محكمة قادرة على محاكمة الأفراد المتهمين بجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجرائم الاعتداء.

صادقت على قانون المحكمة 123 دولة حتى 6 يناير 2015 تشمل غالبية أوروبا وأمريكا الجنوبية، ونصف أفريقيا، 34 دولة أخرى وقعت على القانون لكن لم تصادق عليه بعد، وفي عام 2002، سحبت دولتان توقيعهما على قانون المحكمة، وأشارتا إلى أنهما لا ترغبان بعد الآن بالعضوية وبذلك لم يعد هناك ما يحملهما على تنفيذ ما يترتب عليهما من التزامات تجاه المحكمة، الدولتان هما: أمريكا وإسرائيل.

تقتصر قدرة المحكمة على النظر في الجرائم المرتكبة بعد 1 يوليو 2002، تاريخ إنشائها، عندما دخل قانون روما للمحكمة الجنائية الدولية حيز التنفيذ، وبالنسبة للدول التي انضمت لاحقاً بعد هذا التاريخ، تقوم المحكمة آليا بممارسة سلطتها القضائية في هذه الدول بعد60يوم من تاريخ مصادقتها على الاتفاقية.

يحتاج تقديم دعوة للمحكمة 100 ألف تصديق من اشخاص وقعت عليهم جرائم عنصريه او ابادة جماعية او اضطهاد عرقي او مذهبي او جرائم مشابهه، وقد تعرضت المحكمة لانتقادات من عدد من الدول منها الصين والهند وأمريكا وروسيا، وهي من الدول التي تمتنع عن التوقيع على ميثاق المحكمة.

" شروط الإنسحاب"

بيد إن الانسحاب من المحكمة الدولية ليس بالأمر السهل، فطبقا لميثاق روما لعام 2002 المؤسس للمحكمة فإن البلد يبقى عضوا في المحكمة الجنائية الدولية لمدة سنة واحدة على الأقل بعد أن يخطر الأمم المتحدة بنيته الانسحاب، وبالإضافة إلى ذلك فإن البلد مطالب بالاستمرار في التعاون مع المحكمة الدولية فيما يتعلق بأي إجراءات قضائية بدأت قبل تاريخ سريان مفعول الانسحاب.

لكن سلسلة الإنسحابات تشابهت كثيرًا مع الغيث فكلاهما كان أوله قطره، ثم توالت بعد ذلك القطرات لما بات يهدد بقاء المنظمة الدولية بالأساس، البداية كانت في مطلع أكتوبر الماضي، حينما قررت دولة بوروندي الإنسحاب من المحكمة، التي كانت قد أشارت إلى أنها ستحقق وربما ستوجه الاتهام لمسؤولين حكوميين بعد أن ألقى رئيس بوروندي بيير نكورونزيزا ببلاده في أتون الاضطرابات عندما رشح نفسه لولاية رئاسية ثالثة بما يخالف الدستور.

"جنوب إفريقيا تنسحب"

وبعدها بأيام لحقت بها جنوب إفريقيا، بعد أن سلمت حكومة الرئيس جاكوب زوما في جنوب أفريقيا بتاريخ 19 أكتوبر الماضي مستندات للأمم المتحدة للتعبير عن نيتها الانسحاب من المحكمة الجنائية الدولية، وذلك بعد الجدل الذي أثاره رفضها توقيف الرئيس السوداني عمر البشير، ما يشكل صفعة للقضاء الدولي.

وأوضح وزير خارجيتها أن المحكمة الجنائية الدولية، تعرقل قدرة جنوب إفريقيا على الوفاء بواجباتها في مجال احترام الحصانة الدبلوماسية، مبرره قرارها بأن الرئيس البشير يتمتع بحكم منصبه بحصانة.

"إنسلاخ جامبيا"

وقبل أيام أخطرت جامبيا منظمة الأمم المتحدة بانسحابها من المحكمة الجنائية الدولية اعتبارا من 10 نوفمبر 2017، وذلك في أعقاب هجوم شنه وزير الإعلام هناك شريف بوجانج المحكمة الجنائية الدولية أكتوبر الماضي، قائلًا: بأنها محكمة قوقازية دولية لاضطهاد وإذلال الشعوب الملونة خاصة الأفارقة".

القرارات الأخيرة بالإنسحاب من المحكمة الدولية فسرها المراقبون بأنها عبارة عن حملة بين بعض الدول لاتهام المحكمة بأنها تستهدف القادة الأفارقة، رغم أن جميع الملاحقات القضائية ضد الأفارقة أحيلت للمحكمة الجنائية الدولية من الحكومات الأفريقية نفسها أو مجلس الأمن الدولي، والاستثناء الوحيد هو القضية التي تتعلق بالعنف العرقي الذي حدث بعد الانتخابات في كينيا عام 2007 والتي تمت إحالتها للمحكمة الدولية من قبل الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان بعد أن ساعد في التوسط في النزاع.

"تعليق المنظمة الدولية"

وإزاء تلك الإنسحابات، عبر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عن أسفه لقرار الدول الثلاث جنوب أفريقيا وبوروندي وجامبيا الانسحاب من المحكمة الجنائية الدولية وقال إن ذلك قد "يبعث برسالة خاطئة بشأن التزام تلك الدول بالعدالة".

"أراء الخبراء"

القرار الروسي لم يكن الأول ولن يكون الأخير، هكذا رأي الدكتور سعيد اللاوندي خبير العلاقات الدولية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الإنسحاب موسكو من المحكمة الجنائية، مؤكدًا أن تلك الخطوة تقود نحو هدم المحكمة بعد أن فقدت مصادقيتها لدي عدد من دول العالم.

وأشار اللاوندي، في تصريح لـ"الدستور"، إلي أن إنسحاب دولة كبري مثل روسيا يبزر غضبها من النظام الدولي لأنه لا يحقق العدالة الناجزة بين الدول، وستكون خطوة تقتدي بها الدول الأفريقية تباعًا، حتي يتم إعادة تشكيلها بما يتناسب مع مبدأ العدالة الدولية السريعة غير المنحازه.

وأوضح أن قرار الإنسحاب من المنظمة لا يسقط القضايا المنظوره أمامها، ولكنها ستظل مدة اطول بما لا يحقق العدالة الناجزة التي يريدها المجتمع الدولي، ضاربًا المثل بقرار توقيف الرئيس السوداني عمر البشير علي خلفية تورطه في جرائم حرب، ورغم ذلك لم يحدث شئ ومعني ذلك ان هناك عوار في هذه المحكمة أصبح ملئ السمع والبصر.