رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بين الأمن والفسيخ.. والشربات


إذا تابعنا الحديث حول علاقة أمن المنطقة بأمن مصر، فالواقع أن حديث الرئيس لم يأت بجديد بينما أن هذه العلاقة عانت من تغييرات كثيرة جديدة تنعكس على أمن الخليج وأمن المنطقة وأمن مصر وهى ربما أشار إليها رئيس الجمهورية إشارة عابرة.

تابعت خلال الأسبوع الماضى عدة أحداث وتصرفات وأحاديث تتعلق بالأمن القومى، بعضها يتعلق بتصريحات رئيس الجمهورية حول الأمن القومى تناول فيها عدة عناصر مهمة منها علاقة أمن الخليج والمنطقة بأمن مصر ومنها إعادة تفعيل معاهدة الدفاع المشترك، ومنها دور الإعلام العربى فى الأمن القومى، ثم هناك حديث الدكتور عصام العريان حول عودة اليهود المصريين، وما أثاره من علاقة مع الأمن القومى.

إذا تابعنا الحديث حول علاقة أمن المنطقة بأمن مصر، فالواقع أن حديث الرئيس لم يأت بجديد بينما أن هذه العلاقة عانت من تغييرات كثيرة جديدة تنعكس على أمن الخليج وأمن المنطقة وأمن مصر، وهى ربما أشار إليها رئيس الجمهورية إشارة عابرة، ولكن المهم هو كيفية استعادة أمن مصر وأمن المنطقة وأمن الخليج فى ظل الظروف القائمة.

لابد من التسليم بأن أمن مصر مرتبط بأمن المنطقة بما فيها أمن الخليج، هذا أمر لم نكتشفه ولا اكتشفه رئيس الجمهورية ولا غيره، فأى دارس لتاريخ مصر لا بد وأن يدرك أن تحتمس الثالث قد أدرك هذه العلاقة وتبعه كل قادة مصر العظام بعد ذلك، وإن كانت هذه العلاقة قد تعرضت لمخاطر استراتيجية فإن هذا لا يغير من حقيقة العلاقة، فلا بد من التسليم أولا بأن أمن المنطقة الممتدة من جبال زاجروس غرب إيران شرقاً إلى المحيط الأطلسى غربا ومن جبال طوروس والبحر المتوسط شمالا إلى الصحراء الكبرى والهضبة الاستوائية وهضبة إثيوبيا والمحيط الهندى جنوبا أمن متصل متكامل لا ينفصل. لكن هذا لا يعنى أن الأمر قد تحقق وأن أمن المنطقة بخير، فلا شك أن أمن المنطقة وأمن مصر أصبح تحت تهديد القوى الخارجية من بعد الحرب عام 1973.

وأصبح أمن المنطقة تحت تهديد الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وأصبحت واقعة تحت نفوذ حلف شمال الأطلسى عسكريا والاتحاد الأوروبى اقتصاديا، بل إن أغلب الدول العربية أصبحت خاضعة للخارج ومشاركة فى برامج تابعة لحلف شمال الأطلسى، والدول التى لم تنضم إلى برامج الحلف ليست أحسن حالا، بل ربما أسوأ. هناك من دول البحر المتوسط دول عربية مشاركة فى برنامج يدعى حوار المتوسط تابع للحلف، وإسرائيل من بين أعضائه، وهى: الأردن ومصر وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا، وهكذا بقيت ليبيا خارج هذا البرنامج بفضل معمر القذافى أما وقد قتل القذافى فإن ليبيا لم تدخل فى برنامج الحلف السابق ذكره، لكنها أصبحت أكثر خضوعا لنفوذ الحلف من أية دولة أخرى.

أما فى الخليج فهناك أربع دول خليجية مشاركة فى برنامج آخر للحلف يدعى «مبادرة اسطنبول للتعاون» وهذه الدول هى: البحرين وقطر والكويت والإمارات، وتبقى من دول الخليج كل من المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان، والنفوذ الأجنبى فيهما أكثر منه فى الدول المشاركة فى المبادرة السابق ذكرها. ولم يحدث أن طلبت دولة عربية من الآخرين الانسحاب من هذه التنظيمات بما فيها مصر طبعا، ولا بد من سؤال رئيس الجمهورية وهو يتحدث عن علاقة أمن الخليج وأنه من أمن مصر، وأمن كل الدول الذى «إذا تداعى منه عضو تداعى له باقى الأعضاء» عن الخطوات العملية التى قام بها أو التى ينوى القيام بها بعيدا عن الخطب المنبرية، وهل ستنسحب مصر من برنامج حوار المتوسط وتدعو غيرها للانسحاب منه ومن البرامج المشابهة.

علما بأن معاهدة الدفاع المشترك نصت فى مادتها العاشرة على أن «تتعهد كل من الدول المتعاقدة بألا تعقد أى اتفاق دولى يناقض هذه المعاهدة وبألا تسلك فى علاقاتها الدولية مسلكا يتنافى مع أغراض هذه المعاهدة». أما أن التكامل السياسى لابد أن يسبق كل شىء فلا خلاف عليه، لكن ماذا فعلنا ونفعل من أجله. والقول بأن الحالة العربية من العدوان على غزة كانت مثالية فهذه الكلمات تلقى بظلال كثيفة على فهم رئيس الجمهورية لمتطلبات الأمن القومى، خاصة بما ألقته الاتفاقية على مصر من مسئوليات لم تنهض بها حتى الآن ومن المشكوك فيه قدرتها حاليا على ذلك. أخيراً فقبل العدوان الأخير على غزة رعت مصر اتفاقية الأسرى بين الفلسطينيين وإسرائيل، وأصبحت مسئولية مصر أن تضمن تنفيذ الاتفاقية بينما إسرائيل تخالف الاتفاقية كل يوم ولا تفعل مصر شيئا.

يبقى ما جاء ذكره عن أهمية الإعلام فى الأمن القومى وأرى أن هناك مبالغة أو على الأقل عدم فهم لدور الإعلام، فهو يفترض فيه نقل الحقائق وليس صنعها، لذا فإنه لكى يساهم فى الأمن القومى مساهمة فعالة يجب أن يتغير الواقع حتى ينقل صورته المشرفة، لا أن نطلب منه أن «يعمل من الفسيخ شربات».

ما جاء على لسان الدكتور عصام العريان فى حديثه مع السيد حافظ الميرازى حول عودة اليهود المصريين يشكل نموذجا للتخبط فى مفاهيم تتعلق بالأمن القومى، وإذا كانت مصادر من الإخوان المسلمين وحزب «الحرية والعدالة» قد تنصلت من مسئوليتها عن الحديث، وقولها بأنه عبر عن رأيه الشخصى، فهذا لا يمنع من استنتاج أن هناك ارتباكا فى المفاهيم لم أتصور أن يصل إليه مسئولون فى حزب «الحرية والعدالة» على نحو الدكتور عصام العريان، فالقول بأن عبدالناصر قد طرد اليهود غير صحيح، كما أنه ليس هناك ما يحول بين أى مصرى أيا كانت ديانته وأن يعود إلى مصر طالما أن له حق فى ذلك، أما عودة اليهود الذين هاجروا فلا بد من أن نتذكر أن هجرة اليهود المصريين من مصر بدأت قبل 1948، أى قبل أكثر من ستين عاما، أى أن من بقى منهم حيا بلغ من العمر أكثر من ستين سنة غاب خلالها عن مصر.

ولكن لابد أيضا من بحث خلفيته خلال هذه الفترة وما إذا كان قد انضم إلى القوات الإسرائيلية وشارك فى جرائم ضد مصر أو دول عربية أخرى، ثم التأكد من أنه لم ولا يجرى استخدامه بواسطة أجهزة المخابرات الإسرائيلية التى لابد أن تنتهز فرصة اقتراح مثل اقتراح الدكتور عصام العريان لكى تستغله استغلالا سيئا، أخيراً فقد ظل هناك يهود فى مصر حتى وقت قريب، ولا أظن أن وجودهم قد انتهى وكنت أعرف يهوديا مصريا صميما كان يدعى شحاتة، وكان ينتمى إلى حزب «التجمع» وأظن أنه توفى وكان يمارس حياته الطبيعية، كذلك زوجة المرحوم سعد كامل مارى روزنتال من أصل يهودى وقامت بزيارة أقاربها فى فلسطين المحتلة. وقد أعيد تشغيل المعبد اليهودى فى شارع عدلى بوسط القاهرة ولا أظن أن أحدا يمنع أى يهودى مصرى من ممارسة شعائر دينه فى القاهرة، وهنا أذكر الدكتور عصام العريان أن الإسرائيليين يدخلون سيناء ويخرجون منها بدون تأشيرات.

أخيرا فإن عودة من هاجر لن يفرغ فلسطين من اليهود وهكذا لا يتحقق ما هدف إليه الدكتور عصام.

■ خبير استراتيجى