رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حوار النجاح فى الاختبار العملى!!


كيف سيواجه الرئيس وفريقه الأزمة الاقتصادية القادمة؟ وهل هو قادر وحده على مواجهتها؟ وهل يمكن أن تعاونه القوى الأخرى مع استمرار الحوار من طرف واحد؟

بعد أن انفض مولد الدستور برسوب الجمهور المصرى فى اختبار الاستفتاء لابد من التطلع إلى المستقبل، صحيح أن نتائج الاختبار السابق سيكون لها تأثير بشكل أو بآخر على المستقبل، لكن التاريخ أوضح لنا أن الدستور عادة ما يكون ديكورا للحياة السياسية فى مصر نتيجة لأن أحدا لا يراجع ما إذا كانت الأمور تسير وفقا لما جاء به، أو على غير ذلك، فالمشكلة ليست فى نصوص الدستور بالضبط، ولكن فى حراس الدستور، فهل هناك حراس على الدستور يستطيعون أن يفرضوا روح الدستور قبل نصه؟ أستطيع أن أتنبأ من الآن بأن جماعة الإخوان وذراعها السياسية حزب الحرية والعدالة، والرئيس المتخرج من مدرستها دكتور محمد مرسى العياط، سيعملون على استغلال ما جاء فى الدستور لصالحهم، بينما يتغاضون عما يمكن أن يمثل التزاما منهم، وأن الأدوات التشريعية سواء مجلس الشورى بعد تكليفه بدور التشريع وامتلاك السلطة التشريعية، ثم مجلس النواب بعد انتخابه بناء على قانون يقره مجلس الشورى ستعمل على إطلاق يد جميع أذرع تيار الإسلام السياسى فى الحياة السياسية المصرية ليحققوا ما هدفوا إليه سابقا، وهو «أخونة الدولة»، وأن هؤلاء سيتعاونون مع باقى أذرع الإسلام السياسى لا لتطبيق الشريعة الإسلامية كما يدعون، ولكن لفرض نظرتهم إلى الشريعة الإسلامية، وهى تختلف كثيرا عن جوهر الشريعة الإسلامية ومبادئها.

على أن الحكم فى مصر سينتقل سواء بإرادته أو مضطرا إلى الاختبار العملى حيث يواجه حقائق الوضع المصرى ومطالب فئات المجتمع المصرى الحياتية وآماله العريضة فى التغيير، كما يواجه فى نفس الوقت مطالب أذرع الإسلام السياسى، وهو فى ذلك يحتاج إلى دعم القوى الشعبية خارج هذه الأذرع حيث مصر تحتاج فى الواقع لكل طاقات أبنائها وقدراتهم لمواجهة الموقف المتوقع خلال أسابيع قبل أشهر والذى يمكن تلخيصه فى نقص فى الاحتياجات الأساسية بما فيها، بل وعلى رأسها، المواد الغذائية، ونقص فى السيولة نتيجة لإحجام أطراف مختلفة عن توفير سيولة عن طريق القروض، وهى أمور يصعب مطالبة الجمهور بتحملها، خاصة بعد أن كان قد انتخب الدكتور مرسى رئيسا للجمهورية على أن لديه مشروعا للنهضة، وانساب سيل من الوعود، بل من التأكيد على انهمار الأموال على مصر وصلت إلى مائتى مليار دولار، وأن هذه الأموال فى الانتظار فقط لوصولهم إلى الحكم.

إن مواجهة هذا الموقف يشكل اختبارا عمليا ليس للحكم فقط، بل هو اختبار للمجتمع المصرى كله، وأقل ما يحتاجه هو الهدوء والتفرغ للعمل والاستعداد لتحمل الصعاب طالما هى فى حدود الإمكان، لكن هذا يتطلب ألا تكون هناك أمثلة صارخة للتفاوت فى مستوى المعيشة، كما يتطلب أن يقوم كل من لديه القدرة على التضحية والذين لديهم فوائض أن يقدموها دون انتظار لعائد أو نتيجة، وهذا يمكن تسميته بالمجتمع الفاضل والذى يتطلب درجة عالية من التوافق والتعاون، وهو أمر يتحقق فقط حينما يشعر كل فرد بالتعاون والتكامل بين أبناء الشعب، وهو ما سبق أن حدث فى أزمان الحروب السابقة، أثناء العدوان الثلاثى على مصر عام 1956، وبعد النكسة فى عام 1967 حينما قدمت النساء حليهن، والأطفال مصروفهم وقدم الرجال حياتهم، ــ أى أن مصر سبق أن واجهت مواقف عصيبة من هذا النوع واجتازتها بامتياز، لكن ذلك كان فى زمن الوحدة الوطنية، وفى زمن يقوم فيه الكبير قبل الصغير بالتضحية، وبعد أن شكلت القيادة نموذجا وأسوة للآخرين، وبعد حوار بين الجميع لم يتعال فيه طرف على طرف وكانت القيادة قادرة على إعادة الأمور إلى نصابها وحقيقتها فى حال انفلات هذا أو ذاك، وأن تعترف بالخطأ قبل أن يطالبها أحد بذلك!

تذكرت ما سبق وأنا أتوقع الأزمة الاقتصادية التى ينتظر أن نواجهها فى المستقبل القريب فى حين أننا أبعد ما نكون عن الأوضاع اللازمة لمواجهته، تذكرت الحوار الذى تم بعد انفصال سوريا عن مصر فى الجمهورية العربية المتحدة، وكيف تشكل مؤتمر لقوى الشعب العامل وكيف شكلت له لجنة تحضيرية من كبار مثقفى البلد، وكيف مثلت جميع فئات المجتمع، وكيف وضع مشروع الميثاق لمناقشته، وكيف أن رئيس الدولة كان حريصا على حضور جميع المناقشات ومعرفة جميع الآراء، ثم تذكرت أحداث ما بعد إعلان أحكام قضية الطيران عام 1968، وكيف أن رئيس الدولة فى بيان 30 مارس كرر: «الشعب يريد وأنا معه» عدة مرات!

بل إنى تذكرت كيف أن الرئيس السابق مبارك، رغم أنه لم تكن له دراية بالسياسة، عقد مؤتمرا للحوار الوطنى ونظم له اجتماعا تحضيريا، وكيف انقسم المؤتمر للجان سياسية واقتصادية واجتماعية، وكيف وضع جدول أعمال لكل لجنة، وإن كان لم يتضح كيفية الاستفادة من الحوار وهو ما عبناه عليه.

تذكرت كل هذا وأنا أراقب الحديث عن الحوار، سواء دعوة رئيس الجمهورية لحوار فى الرئاسة دون تحديد جدول أعمال ودون تحديد المشاركين فيه، ودون تحديد للهدف من الحوار وكيفية تحقيقه، وكان طبيعيا أن يرفض الكثيرون الحضور بينما حضر من ليس فى حاجة إلى حوار بما ذكرنى بمقولة «جورج الخامس يفاوض جورج الخامس». ووجدنا «دكتور مرسى يحاور دكتور مرسى»، ثم بعد ذلك دعوة الحوار التى تقدم بها الأخ وزير الدفاع بالتعاون مع زميله وزير الداخلية اشتملت على الكثير من النوايا الحسنة والأمل، ولكنها افتقرت إلى التنظيم حيث لم يتضح محتوى الحوار وكيفية الوصول إليه، بل إن الدعوة كانت بالنسبة للمعارضين تمثل عملية لى الذراع، وإجبار الجانب الآخر على إقرار ما سبق تقريره، فقد كان من الممكن المشاركة فى الحوار قبل اتخاذ القرار، أما الحوار بعد اتخاذ القرار والقول بأنه يمكن تعديل ما ليس هناك اتفاق عليه، فهو يبدى الاستهانة بالطرف الجارى الحوار معه. أخيرا جاءت دعوات الحوار حول تعيينات مجلس الشورى وهى دعوات لم تتسم بالجدية وكان حضورها يشير إلى القبول بأساليب إدارة الأمور فى الفترة السابقة، دون أن يتحقق أى تغيير سوى ما يمكن التلويح به بأن يكون للأطراف ممثلون فى مجلس الشورى وهى فوائد شبه شخصية حيث لا يمكن للمشاركين أن يغيروا من اتجاه الحركة نتيجة للأغلبية الساحقة التى يتمتع بها حزب الحرية والعدالة فى المجلس نتيجة لعدم الاقتناع بأهمية المجلس وصعوبة الدعاية الانتخابية فى دوائر المجلس الكبيرة المساحة. الأطرف أن من أدار الحوار هو نائب الرئيس الذى قدم استقالته منذ 4 نوفمبر، ولا أدرى كيف يمكن أن يتحمل مسئولية بعد استقالته!

كيف سيواجه الرئيس وفريقه الأزمة الاقتصادية القادمة؟ وهل هو قادر وحده على مواجهتها؟ وهل يمكن أن تعاونه القوى الأخرى مع استمرار الحوار من طرف واحد؟ وهل ينجح مرسى فى الاختبار العملى وهو يحاور مرسى لمواجهة الأزمة؟!

■ خبير استراتيجى