رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المُنتج المصرى المهجور!


.. ومازالت بصماته تشهد على روعتها جدران المعابد فى مصر القديمة، ناهيك عن فن التحنيط الذى مازالت أسراره خافية على العلماء حتى يومنا هذا!

ولكن الصناعات المحلية تحتاج للمساندة والتعزيزالحقيقى من الحكومات المتعاقبة؛ بالإحلال والتجديد لللآلات والماكينات للمصانع التى تم إغلاقها أو بيعها للقطاع الخاص فى فترة «الهجمة الشرسة» على مصانع القطاع العام المملوك للدولة، وتسريح العمالة المدربة صاحبة الخبرة فى مصانع حلوان للحديد والصلب، ومصانع المنسوجات ذات الشهرة العالمية بالمحلة الكبرى، وإغلاق أفران الألمنيوم والدرفلة فى أسوان، وتجريف مؤسسات الوطن من كل الكفاءات العقلية التى هاجرت إلى الخارج، أو إلى الأماكن البديلة التى أقيمت بمعرفة رجال الأعمال والمستثمرين، الذين اتجهوا إلى انتاج السلع الاستهلاكية، دون الوضع فى الاعتبار تشييد مصانع تخدم البنية التحتية من حديد وأسمنت وأخشاب، وبهدف امتصاص العمالة المتخصصة والقضاء على البطالة فى المجتمع، وهذا لابد أن يتم طبقًا لخطة ممنهجة وبرنامج زمنى متجدد يراعى احتياجات السوق المحلى للوصول به إلى حد الكفاية والإشباع؛ ووصولاً إلى تحقيق طموح التصديرإلى الأسواق الخارجية؛ وهو مايسمى فى علم الاقتصاد بـ «الاستراتيجية»، وحتى تكون هذه الصناعات قادرة بالجودة المطلوبة على الصمود والمنافسة وسط السوق المحلية والأسواق المجاورة، لأن عدم وجوداستراتيجية تعزيز المنتج المحلى وتشجيع المستثمرين على القيام بصناعات جديدة خاصة فى ظل التسارع الكبير فى الصناعات العالمية وظهور صناعات متجددة كل عام سوف تفضى إلى تراكمها بالمخازن، حتى تلفظ أنفاسها وتخرج من السوق بلا رجعة.

إذن فى المقام الأول، لابد أن تضع الدولة خطة مدروسة لتنمية الإنتاج الصناعي؛ ليقف على قدمٍ وساق أمام المستورد من السلع المماثلة؛ ويتم إنتاجها وفقًا للمعايير والمواصفات الدولية المتعارف عليها طبقًا لآليات السوق، وهذا يتطلب تشكيل اللجان المتخصصة القادرة على اكتشاف السلع الأقل جودة أو الرديئة التى تقتحم الأسواق دون الخضوع لفحص هذه اللجان، وهذا الإجراء كفيل بتمكين المنتجات المحلية من اكتساب ثقة المستهلك، خاصة المستهلك المصرى الذى يعانى نتيجة ثقافة موروثة ومغلوطة من «عقدة الخواجة» التى نلمسها بوضوح فى سلوكيات بعض الطبقات القادرة ماديًا، وتمسكهم بالماركات العالمية التى يتباهون باقتنائها، سواء فى الملابس والأحذية، أو الأغذية «التيك أواى» من إنتاج فروع الشركات الأمريكية والصينية التى اجتاحت الشارع المصري، رغم وجود البديل المماثل وبالجودة نفسها فى السوق من الإنتاج المحلى، ولكن المشكلة فى رأيى تكمُن فى قصورأو تقصيرأجهزة الدعاية والإعلان لهذه الشركات المنتجة، ويعدُّون الأموال التى تنفق على الدعاية إهدارًا لجزء كبير من الربحية؛ برغم أن العكس هو الصحيح، ويقولون إن التاجر «اليهودي» الحاذق والقياس مع الفارق ينفق تسعة أعشار مايملك فى الدعاية؛ ويثق تمامًا أن ماتبقى فى يده سيقوم بتعويض ماأنفقه على تلك الدعاية!

ولا يخفى على القاصى والدانى أن بلادنا تمتلك من الموارد الطبيعية؛ مايُعد أهم مقومات نجاح الصناعات الوطنية، فقط إذا تم تفعيل قوانين حماية المُنتِج والمستهلك فى آن، والاتجاه الأمثل نحو العمل على اتساع دائرة التطويروالتحديث الدائم للمنتجات المحلية من حيث الجودة والتعبئة والتغليف والعرض، لتناطح فى جودتها السلع المماثلة المجلوبة من الخارج، ولسنا نطالب بمنع الاستيراد كلية، ولكن يجب التحجيم له باستصدار القوانين التى تحد من عملية الإغراق والزيادة غير المبررة للسلعة البديلة فى السوق؛ كى تحفظ للمنتج المحلى مكانته، فوجود المنتجات المستوردة تخلق المنافسة الشريفة لتحسين الإنتاج والاستزادة فى جودته، ويبقى الفيصل والحُكم للمستهلك وحقه المشروع فى الاختيارلما يتفق مع ذوقه وقدراته المادية.

ويبقى العنصر الأخطر والمهم فى المسألة التسويقية؛ وهو الدور الأساس الذى يلعبه «المستهلك» فى ملعب الاقتصاد بضرورة تشجيع ودعم منتجات بلاده عن قناعة ورضا، وأن تكون لديه ثقافة واعية بتلك المفاهيم الوطنية، وينبغى أن يزرع هذا الوعى فى الذات منذ تعلم الطفل الأحرف الأولى من الأبجدية، وحتى يعلم أنه بهذا الفكر؛ سوف تصبح بلاده قادرة على الصمود والتصدى للتحديات المتوقعة من جهابذة السياسة والصناعة والتجارة، والإيمان بأن ذلك سيؤدى حتمًا إلى زيادة معدلات التنمية؛ ناهيك عن توفيرالعملات الأجنبية للدولة التى تحتاجها فى ظل الظروف الحتمية والمتغيرات الدولية الحالية، وهذا سيؤدى إلى انعكاسها إيجابيُا على مستوى دخل الفرد لتعزيز وتعديل موازين الاقتصاد الوطني، واستفادة الجميع من هذه التعديلات التى ستعود بالنفع على المنتجين والمستهلكين؛ الذين يشكلون حجم وقوام الوطن.

فعلينا البدء فى حملة قومية تقوم بها أجهزة الإعلام بالقنوات الرسمية، وقنوات القطاع الخاص التى تبث إعلانات الترويج للمنتج الأجنبى، ولا غاية لها سوى الربح على حساب توجهات الدولة ومقدراتها، وكذا مواصلة الحملة على مواقع التواصل الاجتماعي، لإحياء ثقافة شراء المنتج المحلى المهجور، تدعيمًا لموقف الدولة واقتصادها.

وهانحن نبدأ حملتنا منذ اللحظة.. وكلنا أمل فى التعضيد وتضافر الجهود من منظمات المجتمع المدنى؛ بكل تكتلاته الوطنية الشريفة التوجهات والمقاصد.

■ أستاذ العلوم اللغوية ـ أكاديمية الفنون