رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى «1-2»


ما أجمل الرضا من الله تعالى وعنه «رَّضِىَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ». ورضاء الله تعالى عن العبد مرتبط بالخشية منه تعالى كما تقول الآية الكريمة. وهو مرتبط كذلك برحمة الله تعالى، أكبر مما يرتبط بعمل العبد. وفى الحديث عن أبى هريرة - رضى الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «لن ينجِّى أحدًا منكم عملُه»، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟قال: «ولا أنا، إلا أن يتغمَّدَنى اللهُ برحمة، سدِّدوا وقاربوا، واغدُوا ورُوحوا، وشىء من الدُّلجة، والقصدَ القصدَ تبلغوا»، وقد جاء فى بعض التفاسير لهذه الآية الكريمة، أن الله وعد نبيه - صلى الله عليه وسلم - أنه يشفع عن أمته، ومن ذلك أنه يأذن له بالشفاعة فيشفع لهم فى دخول الجنة ويشفع فى كثير منهم دخل النار أن يخرج منها وهذا مما أعطاه الله عليه الصلاة والسلام وهكذا الشفاعة فى أهل الموقف حتى يقضى بينهم كل هذا مما أخصه الله به، الشفاعة فى أهل الموقف والشفاعة فى أهل الجنة حتى يدخلوها وأعطاه الله أيضاً الشفاعة فى العصاة الذين دخلوا النار من أمته أن يشفع فيهم، فهو يشفع فى عدد كبير ويحد الله لهم حداً، ولكن هذا ليس خاصاً به الشفاعة فيمن دخل النار ليس خاصاً بالنبى - صلى الله عليه وسلم -، بل يشفع به المؤمنون والملائكة والأطفال فليست هذه خاصة به - صلى الله عليه وسلم -، أما الشفاعة فى أهل الموقف حتى يقضى بينهم والشفاعة فى أهل الجنة حتى يدخلوها هذه خاصة بالنبى - صلى الله عليه وسلم -، وله شفاعة ثالثة خاصة به، وهى الشفاعة فى عمه أبى طالب حتى خفف عنه، كان فى رأس النار فشفع فيه النبى - صلى الله عليه وسلم - حتى صار فى ضحضاح من النار، لكنه لم يخرج من النار بل يبقى فى النار نسأل الله العافية».

ونقرأ أيضاً فى التفاسير العديدة أن قوله: «ولسوف يعطيك ربك فترضى» أى: فى الدار الآخرة يعطيه حتى يرضيه فى أمته، وفيما أعده له من الكرامة، ومن جملته نهر الكوثر الذى حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف، وطينه «من» مسك أذفر كما سيأتى.

وقال الإمام أبو عمرو الأوزاعى، عن إسماعيل بن عبيد الله بن أبى المهاجر المخزومى، عن على بن عبد الله بن عباس عن أبيه قال: عرض على رسول الله ما هو مفتوح على أمته من بعده كنزاً كنزاً، فسر بذلك، فأنزل الله: «ولسوف يعطيك ربك فترضى» فأعطاه فى الجنة ألف ألف قصر، فى كل قصر ما ينبغى له من الأزواج والخدم. رواه ابن جرير من طريقه، وهذا إسناد صحيحإلى ابن عباس: ومثل هذا ما يقال إلا عن توقيف.

وقال السدى، عن ابن عباس: من رضاء محمد - صلى الله عليه وسلم - ألا يدخل أحد من أهل بيته النار. رواه ابن جرير، وابن أبى حاتم.

وقال الحسن: يعنى بذلك الشفاعة. وهكذا قال أبو جعفر الباقر.

وقال أبو بكر بن أبى شيبة: حدثنا معاوية بن هشام، عن على بن صالح، عن يزيد بن أبى زياد، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: « إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا «ولسوف يعطيك ربك فترضى».

وفى تفسير ابن كثير نقرأ عن قَوْله تَعَالَى « وَلَسَوْفَ يُعْطِيك رَبُّك فَتَرْضَى « أَيْ فِى الدَّار الْآخِرَة يُعْطِيه حَتَّى يُرْضِيه فِى أُمَّته وَفِيمَا أَعَدَّهُ لَهُ مِنْ الْكَرَامَة وَمِنْ جُمْلَته نَهْر الْكَوْثَر الَّذِى حَافَّتَاهُ قِبَاب اللُّؤْلُؤ الْمُجَوَّف وَطِينه مِسْك أَذْفَر كَمَا سَيَأْتِى. وَقَالَ الْإِمَام أَبُو عُمَر الْأَوْزَاعِيّ عَنْ إِسْمَاعِيل بْن عَبْد اللَّه بْن أَبِى الْمُهَاجِر الْمَخْزُومِيّ عَنْ عَلِيّ بْن عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس عَنْ أَبِيهِ قَالَ: عُرِضَ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا هُوَ مَفْتُوح عَلَى أُمَّته مِنْ بَعْده كَنْزًا كَنْزًا فَسُرَّ بِذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّه « وَلَسَوْفَ يُعْطِيك رَبُّك فَتَرْضَى» فَأَعْطَاهُ فِى الْجَنَّة أَلْف أَلْف قَصْر فِى كُلّ قَصْر مَا يَنْبَغِى لَهُ مِنْ الْأَزْوَاج وَالْخَدَم رَوَاهُ اِبْن جَرِير وَابْن أَبِى حَاتِم مِنْ طَرِيقه وَهَذَا إِسْنَاد صَحِيح إِلَى اِبْن عَبَّاس وَمِثْل هَذَا مَا يُقَال إِلَّا عَنْ تَوْقِيف وَقَالَ السُّدِّيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس مِنْ رِضَاء مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يَدْخُل أَحَد مِنْ أَهْل بَيْته النَّار رَوَاهُ اِبْن جَرِير وَابْن أَبِى حَاتِم وَقَالَ الْحَسَن يَعْنِى بِذَلِكَ الشَّفَاعَة , وَهَكَذَا قَالَ أَبُو جَعْفَر الْبَاقِر وَقَالَ أَبُو بَكْر بْن أَبِى شَيْبَة حَدَّثَنَا مُعَاوِيَة بْن هِشَام عَنْ عَلِيّ بْن صَالِح عَنْ يَزِيد بْن أَبِى زِيَاد عَنْ إِبْرَاهِيم عَنْ عَلْقَمَة عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ « إِنَّا أَهْل بَيْت اِخْتَارَ اللَّه لَنَا الْآخِرَة عَلَى الدُّنْيَا وَلَسَوْفَ يُعْطِيك رَبّك فَتَرْضَى».

هكذا تتعدد التفاسير فى شأن عطاء الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم حتى يرضى. وسوف يرضى النبى محمد صلى الله عليه وسلم عندما يرى أن كل أمته فى الجنة ولم يبق أحد منهم فى النار. نعم وكما جاء فى القرآن الكريم « بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ».وبالله التوفيق.