رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نبى الإخوان الربانى


«سلسبيل عين فى الجنة وإحنا اشتقنا لحسن البنا» كان هذا هو الهتاف الذى أطلقه خيرت الشاطر الإخوانى العتيد عقب خروجه وسط حرّاسه من مبنى نيابة أمن الدولة عام 1992 عقب أن أصدرت النيابة قراراً بحبسه، وحين أطلق الشاطر هتافه تجمع حوله عشرات من شباب الإخوان

الذين كانوا يقفون أمام مبنى النيابة وانضموا إليه فى هتافه بحماس كبير.. وعن بعد وقف عشرات من جمهور المصريين العاديين وهم يرقبون هذا المشهد الغريب.. مجموعة تنتمى إلى فصيل إسلامى تهتف بشعارات تعبر فيها عن شوقها لـ «حسن البنا» !! لم تسمع هذه الجماهير ـ وأظنها لن تسمع ـ أى هتاف يُعبّر فيه الشاطر وإخوانه عن شوقه للرسول ــ صلى الله عليه وسلم !!.

يخرج الإخوانى الكبير عباس السيسى من محبسه فى بدايات السبعينيات من القرن الماضى فيؤسس دار نشر بالإسكندرية وينشر من خلالها عشرات الكتب عن حسن البنا أهمها «حسن البنا مواقف فى الدعوة والتربية» و «فى قافلة الإخوان المسلمين» إلا أنه لم يكتب فى حياته إلى أن توفاه الله أى كتاب عن الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ ولا عن سيرته!.

يصفون فى الإخوان الحاج جمعة أمين بأنه أحد أهم مفكرى الجماعة ذلك أنه كتب العديد من الكتب التى يصنفها البعض على أنها إسلامية مثل كتاب «شرح الأصول العشرين» أو كتابه عن تاريخ جماعة الإخوان، إلا أن أحدهم لم تقع عينه على كتاب لجمعة أمين يشرح فيها من أحاديث الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ «الأربعين النووية» فقد شغلته عشرون حسن البنا عن أربعين الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ كما لم يكتب عن سيرة النبى ــ صلوات الله عليه ــ ولا عن تاريخ الصحابة فقد هام حبا بالبنا وتاريخه وانشغل به عما سواه!!.

وقد يلحظ أى مهتم بالإخوان أن رسائل حسن البنا أخذت جهدا كبيرا وواسعا فى الشرح من كل مفكرى الجماعة حتى وصل عدد المؤلفات بشأنها إلى ما يزيد على مائتى مؤلف وكأن هذه الرسائل هى دين جديد حل محل دين الإسلام.. اقرأ شرحها فى كتب سعيد حوى والقرضاوى ومحمد بديع وعبد الكريم زيدان وغيرهم، وبعد أن تقرأ شروح هذه الرسائل تمهل فإنك حتما ستجد أن الجماعة تتقدم خطوة خطوة نحو تقديس حسن البنا الذى تحوّل إلى داعية ربانى لا يتصور وقوعه فى الخطأ أو الزلل.. وعلى يد موقع إخوان أون لا ين ستجد ركن «الربانية فى مذكرات حسن البنا» وستقرأ عشرات القصص «اللاهوتية» عن القديس البنا وكأنه نصف إله ونصف بشر.. ذلك الرجل المعجزة الذى تجرى المعجزات والخوارق على يديه حتى أن ابنه أحمد سيف الإسلام خرج علينا منذ أكثر من عام فى حوار له بشأن «قصة حياة البنا» وإخراجها فى عمل فنى بأن: حسن البنا لم يقع فى خطأ واحد فى حياته وأنه كان ملهما من قبل الله سبحانه وتعالى!!.

قد يكون مستهجنا من البعض أن نطرح سؤالا بعد هذه اللمحات.. هل يحب الإخوان الرسول ــ صلى الله عليه وسلم؟ الإجابة لن تكون صادمة بطبيعة الحال.. نعم الإخوان يحبون الرسول .. كل مسلم علمانى أو إسلامى أو ليبرالى أو ناصرى أو قومى يحب الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ وإلا لماذا هو مسلم إذا لم يحب صاحب الرسالة؟.. وكيف لا يحب المسلم العاقل المصطفى سيد الخلق أجمعين وشفيعنا يوم الدين؟ ولكن السؤال الثانى والذى يبدو أهم وأكثر خطورة من السؤال الأول هو.. ما نوعية هذا الحب؟ هل هو حب اتباع واقتداء وفهم وتفضيل؟ أم أنه حب قام على أمور شكلية وخطب بلاغية ودنيا ومساواة مع حب النفس وحب الآخرين الذين يتوهمون قداستهم؟ الإجابة واضحة فى شق من السؤال ذلك أن النبى صلى الله عليه وسلم أعطى للنية مكانة كبيرة (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرء ما نوى فمن كانت هجرته لله ورسوله فهجرته لله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه) وقطعا لا يستطيع الواحد منا أن يدلف لنية الإخوان ولكننا نستطيع أن نرى أعمالهم.. وهنا يأتى دور الشق الثانى من السؤال.. هل يجوز لأحد أن يضع بشرا فى مكانة عليّة تصل إلى مكانة المصطفى صلوات الله وسلامه عليه.. هل يكتمل إيمان مسلم يحب أحدا قدر حبه للرسول؟ الإجابة أيضاً من حديث الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ الذى أورده البخارى من حديث عبد الله بن هشام أن عمر بن الخطاب قال للنبى ــ صلى الله عليه وسلم ــ «لأنت يا رسول الله أحب إلىّ من كل شىء إلا من نفسى، فقال : لا والذى نفسى بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك، فقال له عمر : فإنك الآن والله أحب إلىّ من نفسى . فقال: الآن يا عمر» أى الآن اكتمل إيمانك وقال القاضى عياض إن ذلك شرط فى صحة الإيمان.. فإذا كان حب النفس أكثر من حب الرسول يقدح فى تمام الإيمان مع أن حب الإنسان لنفسه طبع وفطرة فما بالك إذا ساوينا آخر مع الرسول صلى الله عليه وسلم فى المحبة والاتباع.؟! .

ورغم أن مسألة تقديس الإخوان لحسن البنا ووضعه فى مرتبة الأنبياء ووصفه بالربانية تحتاج إلى بحث تفصيلى إلا أن هذا التقديس بات ظاهرا للجميع ويدل على خلل فى مشاعر جماعة الإخوان الإيمانية، ولا أظننا سنجد كاتبا إخوانيا يستعرض فكرة إسلامية إلا وقال: قال البنا.. قبل أن يقول.. قال الرسول !!.. ولن تسمع خاطرة إيمانية من إخوانى قديم إلا وجدته يذكر قصة للبنا يستدعى من خلالها دموع السامعين وكأن حياة الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ لا تصلح للاستدلال بها فجاء حسن البنا ليسد النقص فيها !! حاشا لله.

جماعة الإخوان تحب الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ نعم ولكنها تشرك حسن البنا فى محبته وتضعهما على قدم المساواة.. تقدس المصطفى ــ صلى الله عليه وسلم ــ ولكنها تتحدث عن قصة تأبير النخيل وأنتم أعلم بشئون دنياكم وقصة عبس وتولى وأسرى بدر للاستدلال بهذه القصص الواردة فى السيرة عن بشرية الرسول ثم يوجهون وجوههم للجهة الأخرى جهة تقديسهم لمرشدهم الأول وهم يحدثوننا عن ربانية «الإمام الشهيد» حسن البنا الذى لم يقع فى خطأ فى حياته