رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دستور الثورة.. وحق المواطن فى حياة آمنة


«العدل قليل والظلم أكثر، لكن الأمل كبير والله أكبر. شهيد لقمة العيش محمد دربكة». تلك الكلمات تقرؤها فى لوحة تم تعليقها على باب سرادق عزاء الشاب «العريس» محمد عادل شهيد لقمة العيش بالدرب الأحمر الذى اغتالته رصاصة الغدر التى انطلقت من السلاح الميرى لرقيب أول شرطة من قوة النقل والمواصلات بمنطقة باب الخلق على بعد سبعين متراً من مديرية أمنالقاهرة، والتى التف حولها المواطنون يهتفون ضد الإرهاب وضد الإخوان عند محاولة تفجيرها منذ نحو عامين فى 24 يناير 2014...

... ارتفعت حناجرهم بالهتاف وقتها: «لا إله إلا الله الإخوان أعداء الله» وكان من بين المواطنين محمد عادل وزملاؤه من الشباب. هذا الشاب المصرى هتف ضد العنف والإرهاب. كان يحلم بالاستقرار والأمن والأمان، يحلم كغيره من الشباب بالبيت والعروسة والبنين والبنات. لكن الحلم لم يتحقق. خرج زملاؤه يحملون نعشه هاتفين هذه المرة أمام مديرية الأمن “لا إله إلا الله الداخلية عدو الله”.

اغتال حلمه واغتال جسده شرطى غير أمين، دوره الأساسى حفظ الأمن الشخصى للمواطنين والممتلكات ونشر الأمن والأمان فى ربوع الوطن. قال رقيب الشرطة القاتل فى التحقيق معه كما ورد بجريدة الأهرام وعدد من الصحف: «قلت له إننى شرطة وما بدفعش لقاء أى خدمة لى، فرفض ولم يخف. هددته بسلاحى الميرى فلم يخف. نرفزنى فقتلته». يا سادة يا مسئولون، يا حكام، يا نواب، يا أهالى مصر الكرام، هل عرف وتعلّم ودرس هذا الشرطى وزملاؤه أن دوره حماية أمن المواطن وليس إذلال المواطن والاعتداء عليه وامتهان كرامته وقتله؟ هل قرأ هذا الشرطى وزملاؤه المادة 206 من الدستور المصرى «الشرطة هيئة مدنية نظامية فى خدمة الشعب، وولاؤها له، وتكفل للمواطنين الطمأنينة والأمن وتسهر على حفظ النظام العام والآداب العامة وتلتزم بمايفرضه الدستور والقانون من واجبات، واحترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية. وتكفل الدولة أداء أعضاء هيئة الشرطة لواجباتهم، وينظم القانون الضمانات الكفيلة بذلك»؟

هل قرأ هذا الشرطى وزملاؤه من الأمناء والضباط وكبار رجال وزارة الداخلية المادة 59 من الدستور المصرى «الحياة الآمنة حق لكل إنسان، وتلتزم الدولة بتوفير الأمن والطمأنينة لمواطنيها ولكل مقيم على أراضيها»؟ هل قال له قادته وهم يعدونه ليكون شرطياً ليقوم بواجباته أن المادة 60 من الدستور المصرى تنص على «لجسد الإنسان حرمة، والاعتداء عليه أو تشويهه، أو التمثيل به جريمة يعاقب عليها القانون»؟ ألم يسمع هذا الشرطى أو يقرأ عن أن الله قد حرم قتل النفس إلا بالحق؟ هذا الشرطى ومعه الكثيرون تربوا فى السنوات السابقة أيام نظام المخلوع مبارك على أن الشرطة دورها حماية النظام القائم على حساب حماية أمن المجتمع. تربى ومعه الكثيرون على عقيدة الفساد والاستبداد. تربى على أن أفراد الشرطة أنصاف آلهة، وعلى أنهم السادة وأن الشعب كله عبيد. هذا الشرطى وزملاؤه تربوا على الاستعانة بالمسجلين خطر والبلطجية لترهيب وترويع المواطنين وفرض الإتاوات على الباعة الجائلين ومواقف السرفيس وأصحاب المحلات.

هذا الشرطى تربى على أن تطبيق القانون على الضعيف الذى ليس له ظهر، وليس على القوى، أى أن عقيدته لا تعرف أن «المواطنون أمام القانون سواء» ولم يعش فى دولة القانون ودولة العدل، ولم يعرف أن العدل أساس الملك، وأن الدولة التى ينخر سوس الظلم والفساد والقمع والاستبداد فى مفاصل أجهزتها تنهار فوق رؤوس الجميع. فى أثناء ثورة يناير المجيدة كانت أحد المطالب الأساسية فى ميدان التحرير تطهير مؤسسات الدولة وعلى رأسها وزارة الداخلية، وتم تقديم عدد من التصورات من قبل كثير من الخبراء والحقوقيين عن كيفية إعادة هيكلة الشرطة وإعادة صياغة العقيدة الأمنية على أساس عدم انتهاك حرية وكرامة المواطن، وإعادة بناء جهاز الأمن الوطنى، مع خضوع هذه الأجهزة الأمنية للرقابة من قبل المجلس القومى لحقوق الإنسان وأجهزة الرقابة والتفتيش داخل وزارة الداخلية، وقد عرضت وقتها الأمم المتحدة المساعدة فى هذه المهمة بما لها من خبرة فى إعادة بناء أجهزة الشرطة فى أوروبا الشرقية بعد انهيارها، ولكن الدولة لم تسمع لأحد.

وحينما خرج الشعب المصرى فى 30 يونيه لإسقاط نظام الإخوان الفاشى الدموى واستردت مصر وبدأ التصالح التدريجى بين الشعب والشرطة وخرجت الملايين أيضاً فى 26 يوليو 2013 لتفويض النظام فى فض اعتصامى رابعة والنهضة والتصدى للاعتداء على الأرواح والمنشآت والحفاظ على أمن المواطن وأمن المجتمع، حينما خرجت هذه الملايين لتعطى هذا التفويض وتقف نصيراً للشرطة والجيش لحماية البلاد، خرجت تزود عن بلادها وعن استقرار بلادها وعن أمن وكرامة المصريين الذين هتفوا بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية. إن الشعب المصرى يقدر تضحيات جنوده من الجيش والشرطة واستشهادهم للدفاع عن أمن الوطن، ويصبر على المعاناة، ويربط الأحزمة على البطون الخاوية، ولكن للصبر حدود. والصبر على الجوع لا يعنى الخنوع للذل والقمع الذى عاد مع ممارسات العديد من أفراد الشرطة فى الفترة الأخيرة. إن الشعب العظيم لن يتنازل عن كرامته وعن حرياته التى انتزعها بفضل تضحيات شهداء ثورتى يناير ويونيه. لن يقايض شعبنا أمنه بحريته كرامته. إن العدالة الناجزة مع تخصيص دوائر متفرغة لقضايا القتل والفساد ونهب المال العام، وسرعة المحاكمات وتنفيذ العقوبة سيكون أساساً لتبريد النار المشتعلة فى صدور أهالى الشهداء وأهالى المجنى عليهم فى جميع القضايا الجنائية. سيكون أساساً لتخفيف احتقان وغضب الشعب المصرى. احذروا غضب الشعب المصرى واتقوا شر الحليم إذا غضب.