رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دستور الثورة.. والحقوق الاقتصادية والاجتماعية


حينما تسأل أفراداً كثراً من الشعب المصرى، وفى القلب منها الشباب، عن ماذا تريد بعد خمس سنوات من الثورة؟ أو هل حققت الثورة أهدافها وشعاراتها التى نادت بها؟ تجد أن الإجابة الغالبة والأساسية هى «عايزين توفير فرص عمل»...«عايزين ولادنا يشتغلوا»...«عايزين نفتح المصانع المقفولة ونضخ فيها الأموال لصيانتها وتشغيلها وتشغيل العمال». تلك الإجابات هى التى تتصدر مطالب الجماهير ويجىء بعدها المطالب الخاصة بتحسين الخدمات فى كل المجالات. وهذه الإجابة لا تجيىء فقط على لسان الفقراء ولكن من كل شرائح الطبقة الوسطى، والتى دخلت مع ارتفاع الأسعار وضعف القدرة الشرائية فى الجنيه المصرى، وثبات الدخل، دخلت فى مصاف الطبقات العاجزة عن تحقيق الحياه الكريمة، حيث الدخل لا يكفى لتسديد إيجارات المساكن، ومصاريف الانتقال، ومصاريف التعليم والعلاج، غير احتياجات المنزل الأساسية من غذاء وفواتير المياه والكهرباء...إلخ. ومع التفاوت الطبقى الحاد، والذى بدأ منذ عام 1974 باعتماد سياسة الانفتاح الاقتصادى، وتتسع تدريجياً حتى عدنا إلى مجتمع يستحوذ فيه أعلى 20% من أصحاب الدخول على أكثر من 80% من الدخل القومى.

إن زيادة الفجوة بين الطبقات مع استشراء الفساد والإبقاء على قوانين تكرس الامتيازات للشريحة الطبقية العليا وتعمل على تثبيت هذا الوضع الاجتماعى وتساعد على احتكار الثروات ولا تحمى الإنتاج الوطنى من أجل الاكتفاء الذاتى، كل ذلك سيزيد من الاحتقان الاجتماعى والأشكال الاحتجاجية.

كما أن عدم مواجهة الفساد بشكل جاد وسريع وجذرى فى كل المؤسسات والدواوين الحكومية سيساعد أيضاً على مزيد من الاحتقان. إننا فى مرحلة لا تحتمل الأقوال ولكن لابد من البداية فى الأفعال. سيقول البعض لقد بدأنا فى تدشين وعمل مشروعات كبرى، بل وانتهينا من مشروع توسيع قناة السويس، وبدأنا فى مشروعات تنمية محور قناة السويس وشرق بور سعيد. نعم هذا تمبالتأكيد ولكن ستأتى ثماره بعد حين. وهناك مشروع زراعة 1.5 مليون فدان، والذى بدأ العمل فيه وفى بنيته التحتية والعمرانية، إلا أن هذا المشروع ستأتى ثماره أيضاً بعد حين. إنها بداية ولكنها غير كافية من وجهة نظرى لمواجهة الأزمة الاقتصادية الطاحنة.

وإذا انتقلنا للدستور المصرى، والذى هو أكبر إنجاز لثورتى يناير ويونيه، نجد أنه فى فصل المقومات الاقتصادية المادة 27 يؤكد على: «يهدف النظام الاقتصادى إلى تحقيق الرخاء فى البلاد من خلال التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية بما يكفل رفع معدل النمو الحقيقى للاقتصاد القومى ورفع مستوى المعيشة وزيادة فرص العمل وتقليل معدل البطالة والقضاء على الفقر...ويلتزم النظام الاقتصادى بمعايير الشفافية والحوكمة ودعم محاور التنافس وتشجيع الاستثمار ومنع الممارسات الاحتكارية مع مراعاة الاتزان المالى والتجارى والنظام الضريبى العادل وضبط آليات السوق. ويلتزم النظام الاقتصادى اجتماعياً بضمان تكافؤ الفرص والتوزيع العادل لعوائد التنمية وتقليل الفوارق بين الدخول والالتزام بحد أدنى للأجور والمعاشات يضمن الحياة الكريمة وبحد أقصى فى أجهزة الدولة لكل من يعمل بأجر».

وفى المادة 28 «تولى الدولة اهتماماً خاصاً بالمشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر فى جميع المجالات». كما تؤكد المادة 29 على أن الزراعة مقوم أساسى للاقتصاد الوطنى. والمادة 33: «تحمى الدولة الملكية بأنواعها الثلاثة العامة والخاصة والتعاونية». والمادة 34: «للملكية العامة حرمة لا يجوز المساس بها، وحمايتها واجب وفقا للقانون». وفى المادة 38: «يهدف النظام الضريبى وغيره من التكاليف العامة إلى تنمية موارد الدولة وتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية.... وتكون الضرائب تصاعدية متعددة الشرائح على دخول الأفراد وفقاً لقدراتهم التكليفية، ويعد من الأسس التى يقوم عليها النظام الضريبى تشجيع الأنشطة الاقتصادية كثيفة العمالة وتحفيز دورها فى التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.... أداء الضرائب واجب والتهرب الضريبى جريمة». كما يحتوى فصل المقومات الاقتصادية على عدد من المواد التى تلتزم فيها الدولة بحماية قناة السويس وتنميتها والحفاظ عليها وحماية نهر النيل والحفاظ على حقوق مصر التاريخية المتعلقة به وحماية البحار والشواطئ والبحيرات والممرات المائية والمحميات الطبيعية.

هذا هو دستورنا يا أيها الشعب العظيم. هذا هو دستورنا يا نواب الشعب العظيم. هذا هو دستورنا يا كل المسئولين فى السلطة التنفيذية. علينا التمسك بحقوقنا الاقتصادية لنبنى بلداً يرتقى إلى مصاف الدول المتقدمة. وعلينا أن نسأل: أليس تثبيت الحد الأقصى للضريبة عند 22.5% مخالفاً للدستور؟ أليس إلغاء الضريبة على أرباح البورصة، والتى كانت لا تزيد على 10% بينما تصل فى بعض الدول إلى 50% أيضا ضد الدستور؟!

هل الحد الأدنى للأجور تم تطبيقه؟ بالطبع لا لأنه لم يتم رفعه إلى 1200 جنيه فى كل من القطاعين الحكومى والخاص. وإذا رجعنا إلى قانون الخدمة المدنية، والذى رفضه نجد أن الحد الأدنى للأجور يقتصر على 835 جنيهاً. هل الحد الأقصى تم تطبيقه؟ نعم تم تطبيقه ولكن مع استثناءات لعدد من الهيئات بما يخالف الدستور المصرى والمساواة والعدالة فى شمول الحد الأقصى. كما نجد فى الفترة الأخيرة أن الهم الرئيسى للحكومات المتعاقبة هو تشجيع الاستثمار والمستثمرين والتصالح والتراضى مع ناهبى المال العام، والتراخى فى جمع الضرائب من كبار الممولين والمحتكرين المتهربين من الضرائب. تشجيع الاستثمار ياسادة يكون بقوانين تضمن حق الدولة وحق العاملين وحق المستثمر وليس بقوانين يصب معظمها فى صالح المستثمر فقط.

إننا فى حاجة إلى زيادة مواردنا عن طريق الضرائب التصاعدية، إننا فى حاجة إلى الاهتمام بزيادة مشروعاتنا الإنتاجية والبدء فوراً فى المشروعات الصغيرة لتوفير فرص عمل وتشغيل ملايين الشباب.