رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الملاذ الآمن عند الشدائد


«سياسة التضامن العربى هى سياسة عارضة قد ارتبطت بعدد محدود من المواقف ذات الطبيعة الخاصة، والتى تجسد خطراً عاما على المنطقة العربية» تظل الجامعة العربية برغم العديد من الانتكاسات التى واجهت العمل العربى المشترك ملاذاً للعرب جميعاً عند الشدائد والأزمات الكبرى وأداة ضرورية لآمال وطموحات الشعوب العربية، وقد أظهرت الجامعة على مر العصورقدرة فائقة على الاستمرارية والثبات، ويبدو أن قمة شرم الشيخ سوف تمثل بداية لميلاد إطار جديد للعلاقات العربية العربية يكون أساسه التنسيق والتعاون العربى.

ولما كانت أزمة العمل العربى المشترك الحالية نتاجاً لممارسات عربية سابقة جماعية وفردية، فإن توصيف أزمة الحاضر يجب أن ينطلق من فهم تجارب الماضى، ولعل أبرز هذه التجارب نكسة عام 1967 والتى تمثل بداية زمنية صالحة لتحديد ظهور ونشأة مصطلح التضامن العربى فى القاموس السياسى العربى، فبرغم الانقسامات الشديدة التى كانت سمة رئيسية فى العلاقات العربية فيما بين مجموعة الدول التى اصطلح على تسميتها بـ«الدول التقدمية» فى مواجهة تلك المجموعة العربية التى اصطلح على تسميتها بالدول الرجعية، فقد رؤى فى مواجهة آثار النكسة ضرورة التجاوز عن مثل هذه الانقسامات فى محاولة لتوحيد الصف العربى واتفق على إعادة رسم خريطة العلاقات العربية العربية فلم تعد وحدة الهدف القومى الأساس لهذه العلاقات ، بل صارت هناك فرضية جديدة تقوم على وحدة الأسلوب أى وحدة العمل العربى لمواجهة آثار العدوان الإسرائيلى بمعنى تراجع الهدف القومى - والممثل فى تحقيق القومية العربية ـ ليحل محله التوافق السلوكى الحاشد للطاقات والإمكانيات العربية لمواجهة تلك الأزمة.

واعتماداً على خبرة العلاقات العربية العربية فى ظل الأزمات الكبرى، يمكن تعريف سياسة التضامن العربى بأنها: «تلك السياسة التى تصل معها النظم العربية إلى حالة من الإجماع والتوافق على اتخاذ موقف معين» ولهذه السياسة خصائص: أنها سياسة عارضة قد ارتبطت بعدد محدود من المواقف ذات الطبيعة الخاصة، والتى تجسد خطراً عاماً على المنطقة العربية. أنها تشكل دائماأسلوب رد الفعل لاحتواء أثار حدث معين ، ولم تصل بعد إلى أن تكون سمة رئيسية فى العلاقات العربية العربية.

إنها سياسة براجماتية ينقصها الهدف المحدد، وهذا القول يستند إلى اختلاف هدف سياسة التضامن العربى فى كل مرحلة تاريخية، ففيما بعد 1967 كان الهدف هو مواجهة آثار النكسة، وأثناء حرب 1973 كان الهدف هو تأييد الدور العسكرى لدول المواجهة ومصر وسوريا، وهكذا. إنها سياسة لم تؤد إلى منع الاختلاف والانقسام فيما بين النظم العربية، فالاتفاق على مواجهة آثار النكسة فيما بعد 1967 لم يمنع الاختلاف والانقسام حول قضية الدور الأمريكى والذى تمثل فى مبادرة «روجرز»، كذلك فالاتفاق على تأييد الدور العسكرى لدول المواجهة مثلما حدث فى 1973 لم يمنع الاختلاف حول كيفية الاستثمار السياسى لنتائج معارك 1973، فضلا عن أن الاتفاق على مواجهة آثار الأسلوب المصرى فيما بعد 1977 لم يمنع من الانقسام حول تقديم البديل والممثل فى خطة الأمير فهد مثلما حدث فى قمة «فاس» نوفمبر 1981، وهكذا، وبالتالى يمكن تحديد أبعاد أزمة سياسة التضامن العربى دائماً فى ثلاث نقاط: غياب الهدف الواحد، عدم تحديد الحد الأدنى للاتفاق بين النظم العربية، عدم توافر إرادة عربية جماعية ثابتة وملزمة.