رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خمس سنوات على ثورة يناير المجيدة


بعد عدة أيام تهل الذكرى الخامسة لثورة 25 يناير المجيدة، ثورة شعب: ثورة وطن. تلك الثورة التى وردت فى ديباجة دستور 2014 الذى أجمع عليه المصريون، حيث نصت على «وجاهدنا نحن المصريون للحاق بركب التقدم، وقدمنا الشهداء والتضحيات فى العديد من الهبات والانتفاضات والثورات حتى انتصر جيشنا الوطنى للإرادة الشعبية الجارفة فى ثورة (25 يناير – 30 يونيو) التى دعت إلى العيش بحرية وكرامة إنسانية تحت ظلال العدالة الاجتماعية، واستعادت للوطن إرادته المستقلة». وفى جزء آخر من الديباجة: «وثورة 25 يناير – 30 يونيو، فريدة بين الثورات الكبرى فى تاريخ الإنسانية بكثافة المشاركة الشعبية التى قدرت بعشرات الملايين، وبدور بارز لشباب متطلع لمستقبل مشرق، وبتجاوز الجماهير للطبقات والأيديولوجيات نحو آفاق وطنية وإنسانية أكثر رحابة، وبحماية جيش الشعب للإرادة الشعبية، وبمباركة الأزهر والكنيسة الوطنية لها، وهى أيضا فريدة بسلميتها وبطموحها أن تحقق الحرية والعدالة الاجتماعية معا. هذه الثورة إشارة وبشارة، إشارة إلى ماضٍ مازال حاضرا، وبشارة بمستقبل تتطلع إليه الإنسانية كلها».

هذه ديباجة الدستور، والتى تحدثت بفخر عن ثورة الشعب المصرى فى 25 يناير ضد نظام الفساد والتبعية والاستبداد، والتى كانت الكتلة الحرجة التى خرجت من الشعب المصرى لإسقاط النظام 12% من عدد السكان. وفى 30 يونيو 2013 استكمل الشعب ثورته وخرج بما يزيد عن ثلثه، أى 30 مليون مصرى ومصرية، أسقطوا نظام الإخوان وحكم المرشد، وأفشلوا مخطط التنظيم الدولى للإخوان والجماعات المتأسلمة المتحالفة معهم، والدول الغربية الكبرى التابعة لنظام الرأسمالية المعسكرة المتوحشة. إنه مخطط الشرق الأوسط الكبير الذى يتضمن تفتيت دول المنطقة وإدخالها فى دائرة من الحروب العرقية والطائفية والمذهبية. هذه الثورة التى أذهلت العالم بسلميتها طوال 18 يوماً. تنص المادة 104 من دستورنا على أن يؤدى العضو أمام مجلس النواب قبل أنيباشر عمله اليمين الآتية: «أقسم بالله العظيم أن أحافظ مخلصا على النظام الجمهورى، وأن أحترم الدستور والقانون، وأن أرعى مصالح الشعب رعاية كاملة، وأن أحافظ على استقلال الوطن وسلامة أراضيه». وفى الفصل الأول من الباب السادس المادة 227 «يشكل الدستور بديباجته وجميع نصوصه نسيجا مترابطا وكلا لا يتجزأ وتتكامل أحكامه فى وحدة عضوية متماسكة.

يا أهالى مصر الكرام، يا كل مصرى وكل مصرية، تمسكوا بدستوركم واعرفوا أنه من حقكم تقديم مقترحات إلى مجلس النواب وفقا للمادة 138 والتى تنص على «لكل مواطن أن يتقدم بمقترحاته المكتوبة إلى مجلس النواب بشأن المسائل العامة، وله أن يقدم إلى المجلس شكاوى يحيلها إلى الوزراء». ثار الشعب المصرى لأسباب حقيقية، ثاروا على نظام اتسم بالتبعية لأمريكا وسياساتها الداعمة لأمن الكيان العنصرى الصهيونى الذى يهدد أمننا القومى، النظام التابع لسياسات صندوق النقد الدولى وغيره من مؤسسات التمويل الدولية وقروضهم المشروطة بخصخصة وبيع الشركات والمصانع المنتجة، والبنوك المصرية، وخصخصة الخدمات فى جميع المجالات من تعليم وصحة، وخصخصة المرافق الحيوية من المياه والصرف الصحى والكهرباء ووسائل النقل، هذا غير الفساد الذى استشرى فى جسد الدولة وأصابه وتم فى كنفه نهب الثروات والمال العام. تلك السياسات التى أفقرت الشعب المصرى وجعلت أكثر من 40% منه تحت خط الفقر، يعيشون معيشة لا آدمية فى الوقت الذى تعلو فيه الفيلات والقصور الشاهقة وتنتشر المجمعات السكانية الخاصة (الكمبوندات) والشواطئ الخاصة، وتخص أقل من 3% من السكان.

ثار الشعب المصرى ضد التعذيب وانتهاك كرامة المصريين داخل أقسام الشرطة. ثار الشعب المصرى على غياب التنمية وغياب خلق فرص عمل مما أدى لانتشار البطالة مع زيادة آثارها ونتائجها من العنوسة والإدمان وزيادة الجرائم. ثار الشعب المصرى ضد تشريد مئات الآلاف من العمال والموظفين بإغرائهم وإجبارهم على الخروج إلى المعاش المبكر وانضمامهم إلى جيش البطالة. إنها ثورة حقيقية خرج فيها الشعب المصرى من كل الفئات والأعمار وكل المهن وكل الأعمار من الرجال والنساء والشباب والشابات والمسنين والأطفال ومختلف التيارات السياسية. الشعب الذى يصر على مطالبه التى تحقق بعضها فى الشهور الأولى من الثورة بإسقاط رأس النظام وحل حزبه الوطنى ووقف العمل بالدستور وحل مجلس الشعب الذى تم انتخابه فى 2010 قبيل الثورة، والذى كان عنوانه التزوير الفج والفاجر، وكان أحد الأسباب الرئيسية لانطلاق الثورة.

نعم لم تتحقق كل أهداف الثورة بعد فى العدالة الاجتماعية والعدالة الانتقالية والحرية والكرامة الإنسانية. نعم هناك معاناة الملايين من الشعب المصرى من ارتفاع الأسعار والغلاء، نعم هناك شباب فى السجون لم يقترفوا عنفا وعبروا بشكل سلمى عن مطالبهم نريد الإفراج عنهم، نعم نرفض ممارسات العنف التى تتم فى العديد من أقسام الشرطة من انتهاك كرامة المصريين، والتى تسببت فى وفاة العديد من المواطنين، ورغم ذلك لن نستجيب للدعوات التى تطالب بالنزول لاستكمال أهداف الثورة فى 25 يناير القادم، لأن جماعات العنف وعلى رأسها جماعة الإخوان الإرهابية التى تريد استكمال مخططها فى تفكيك وإسقاط الدولة المصرية وراء هذه النداءات تحاول لملمة أشلائها للعودة مرة أخرى.إن الشعب المصرى لن يسمح بعودة أى من النظامين اللذين أسقطهما فى 25 يناير و30 يونيه، ولكنه سيستمر وسنستمر معه فى النضال بكل الأساليب السلمية من خلال أحزابه وتنظيماته الشعبية وجمعياته الأهلية ونقاباته لتحقيق أهداف ثورته فى الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.