رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عام مضى وعام جديد «3»


فى نهاية المقال السابق أشرنا إلى أن ثروة مصر الحقيقية فى ثروتها البشرية، وأن ثلثى عدد سكان مصر فى سن الشباب قادرون على العمل والبناء والإبداع، وأن تنمية هذه الموارد البشرية بدنياً وصحياً وعقلياً وفكرياً وتعليمياً ودينياً، وتوفير احتياجاتها الأساسية سيقفز بمصر إلى مصاف الدول الكبرى المتقدمة. وسأركز فى هذا المقال على التنمية الثقافية. من وجهة نظرى يجب تكوين مجموعة من الوزراء يضعون بشكل مشترك الخطة التنويرية التثقيفية. من بين هذه الوزارات التربية والتعليم، التعليم العالى والبحث العلمى، الشباب والرياضة، المجلس الوطنى للإعلام، المؤسسات الدينية وتضم الأزهر والكنيسة، وزارة الثقافة وما يتبعها من هيئات متخصصة مثل الهيئة العامة للكتاب، الهيئة العامة لقصور الثقافة، البيت الفنى للمسرح بجميع أشكاله مع التركيز على مسرح الطفل، المجلس الوطنى للإعلام.

هل يمكن يا سادة يا مسئولين أن يضع هؤلاء خطة مشتركة تضع فى اعتبارها الإنسان المصرى منذ ولادته، تعتمد على تنمية المعارف والمهارات والإبداع والانتماء واستخدام المنهج العلمى فى التفكير، خطة تشتمل على المعرفة بكل مكونات مصر التراثية والثقافية والفلكلورية، وتشتمل على تاريخ حضارة هذا البلد العظيم وتأثيره إقليمياً ودولياً فى مختلف العصور؟ وبمناسبة بدء انعقاد مجلس النواب وتكوين لجانه فإن لجنة الثقافة سيكون لها دور كبير فى الإشراف على هذه الخطة وتوفير الحكومة للميزانية المناسبة لتنفيذ هذه الخطة. كما أن على أعضاء مجلس النواب وضع أولوية لإنشاء «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» كما تنص المادة 211 فى الدستور: «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام هيئة مستقلة تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال الفنى والمالى والإدارى، وموازنتها مستقلة. ويكون المجلس مسئولاً عن ضمان وحماية وحرية الصحافة والإعلام المقررة بالدستور، والحفاظ على استقلالها، وحيادها، وتعدديتها، وتنوعها، ومنع الممارسات الاحتكارية، ومراقبة سلامة مصادر تمويل المؤسسات الصحفية والإعلامية، ووضع الضوابط والمعايير اللازمة لضمان التزام الصحافة ووسائل الإعلام بأصول المهنة وأخلاقياتها ومقتضيات الأمن القومى». وتتناول مواد 212 و213 تكوين الهيئة الوطنية للصحافة، والهيئة الوطنية للإعلام كهيئات مستقلة.

إن إنشاء هذه الهيئات وسرعة إصدار التشريعات الخاصة بها له دور فى تنمية الثروة البشرية المصرية، هذا بجانب اهتمام الدولة بإنشاء مراكز لتدريب وتأهيل العمالة المصرية فى كل المجالات داخلياً وخارجياً للاطلاع والمعرفة بأحدث التقنيات فى جميع المجالات. لا يمكن ياسادة أن تكون مصر فى حالة حرب على الإرهاب وحرب على الفقر وحرب على الفساد، وتعانى من عجزفى الموازنة الجارية بين إيرادات الحكومة ونفقاتها يصل إلى ربع تريليون جنيه، وعجز شديد فى الميزان التجارى، حيث صادراتنا السلعية لا تغطى سوى ثلث وارداتنا تقريباً، ثم نجد الإعلام المصرى يروج من خلال الإعلانات والمسلسلات والبرامج لنمط استهلاكى لسلع الترف التى لا يمكن أن يقتنيها أو يشتريها فقراء الشعب المصرى وهم بالملايين. لا يمكن يا سادة أن نكون فى بلديعيش فيه 17 مليوناً فى المناطق العشوائية فى عشش تغرقها مياه المجارى، كما تغرقها مياه المطر التى تتسرب من الأسقف ومن الأبواب، عشش لا تقى برد الشتاء ولا قيظ الصيف، فى الوقت نفسه نجد على الشاشات المصرية فى كل ساعة الإعلانات عن الفيللات والقصور التى تقدر بمئات الآلاف والملايين.

لا يمكن يا سادة فى بلد يعيش أكثر من 40% منه تحت خط الفقر فى الوقت نفسه لا تقوم الحكومة بترشيد الاستيراد بحيث يقتصر على السلع الضرورية التى يحتاجها الإنتاج أو أغلبية الشعب، بل تسمح باستيراد سلع استفزازية ترفيهية تشمل أكل القطط والكلاب، والكافيار والشيكولاتة «!» فى الوقت الذى نعانى فيه من نقص أدوية السرطان وألبان الأطفال لعدم وجود العملة الصعبة!

لا يمكن يا سادة أن تكون البلد بعد خمس سنوات من قيام ثورة يناير فى حاجة إلى إعلاء منظومة القيم الأخلاقية والضمير والصدق والشرف والانتماء وإعلاء قيمة العمل ومحاربة الفساد، وفى الوقت نفسه تنتشر الأفلام الخاصة بنشر قيم الكذب والبلطجة والفهلوة مع بث برامج إعلامية تتناول السحر والدجل والشعوذة.

لا يمكن يا سادة أن نكون فى بلد الحد الأدنى فيه للأجور لا يكفى المعيشة الكريمة وتوفير احتياجات الأسرة من سكن وغذاء وانتقالات ومصروفات لتعليم الأولاد والبنات ويبث الإعلام يومياً إعلانات تحث المواطنين الذين لا يجدون قوت يومهم على الشراء والتمتع بمزايا شبكات الاتصال ومزايا الموبايلات الحديثة، ويتم إنفاق عشرات المليارات على هذه البنود. إن معظم القنوات الفضائية تمتلئ شاشاتها بعرض الملسلسلات الأجنبية والإعلانات التى تخاطب بلداً غير مصر، وشعباً غير شعبنا المصرى، إنها تخاطب الشريحة الأرستقراطية العليا من المجتمع القادرة على معايشة هذا النمط من الاستهلاك. رحمة ياسادة بالمصريين، رحمة ببلد يريد إعادة بناء نفسه بعد خراب دام لعدة عقود فى كل المجالات اقتصادياً وصناعياً وزراعياً وتجارياً واجتماعياً وأخلاقياً وثقافياً، هذا غير اعتناق عدد من شبابه للفكر المتطرف. رحمة يا سادة ببلد يعيش معظم الشباب االقادرين فيه على العمل فى حالة بطالة من نتائجها الإدمان والعنوسة والتطرف وانتشار الجرائم.

إننا فى حالة حرب على الفساد والفقر والإرهاب وثقافة التخلف والأفكار الرجعية المتشددة. هل من خطة يا سادة يا مسئولين، ويا سادة يانواب لتغيير هذا الواقع؟!