رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فيزيا الأخلاق


«كل شخص مقدس أساساً لأنه يحمل فى داخله الشرارة المقدسة، أى فيض الخالق»، «نعيش فى عالم ذكى واعٍ مجسم التركيب، ومهما يحدث لأصغر الجسيمات، فإنه يؤثر فى الوقت نفسه على كامل التركيب، لأن هناك علاقة لا تنفصم بين كافة أجزاء العالم»، يقول الأديب والفليسوف جون باينس : فيزيا الأخلاق هى العلم الذى يساعد المرء ضمن نطاق الكون على التفاعل الطوعى والواعى مع الطبيعة، وهى على خلاف الأخلاقية التقليدية، لا تعتمد على الإيمان، وإنما تعتمد على إدراك الإنسان والمعالجة الإرادية لمستوى وضعه العقلى ضمن نطاق الكون ككل، وبالتالى فهى تتطلب تدرباً تقنياً، وواعياً، وتأملياً، لكى يصبح الفرد واعياً لدوافعه بدلاً من كبتها، ويحتفظ بها فى « أناه « الواعية، أى يواجهها، ويتولى أمر العناية التامة بها ويتقبلها على اعتبارها خاصة به، مع أنها غير ملائمة للسلوك الأخلاقى الأسمى، وينبغى أن يعمل فى الوقت نفسه، للتخلص من هذه الدوافع عن طريق التأمل الداخلى، لأنه كلما أخرجها إلى دائرة الضوء، كان سلطانها عليه أضعف، فيزيا الأخلاق هى التدريب النفسى الذى يرشد المرء إلى مواجهة طبيعته الدنيئة، فهو ملزم بتطهيرها، وتهذيبها، والتسامى بها من الموضع النيِّر لـ « أناه»، وعليه أن يتحول إلى كائن إنسانى طاهر وشفاف فعلاً دون شعور بالذنب أو الخطيئة، ويستجيب دون قسر، لتصميم الخالق له لكى يصبح مهندس مصيره الخاص، متحرراً من خشية العقاب الإلهى .

- هذا العمل الكبير هو الواجب الأكثر روعة وجمالاً الذى يمكن للفرد أن يباشره، لأن هدفه ليس فقط الارتقاء الفردى الخاص، بل أيضاً تقديم نفسه كإسهام للمجتمع، كمثال لقيمة روحية تستحق التقليد، فإذا واصل المرء الهروب من عيوبه الخاصة عن طريق الإنكار الآلى لدوافعه الحيوانية وكبتها، فإن اعتلاله الروحى سيتفاقم بمرض عضال لا يعرف العلم دواء له، مفهوم وحدة الكون ليس جديداً لأن العالم، كما يقول أرسطو، منظم بطريقة فيها تتفاعل كافة أجزائه وكأنها كائن حى، وقد أثبت هذا مؤخراً عالم الفيزياء المشهور ديفيد بوم، فى مؤلفاته حول «الوحدة الكليّة التركيبية للكون»، وبطريقة مماثلة يمكن اختبار المقدمات المنطقية التى وردت أعلاه بصورة عملية فى معركة الوجود اليومى، وذلك عن طريق معاينة قانون العلة والمعلول وكيف يحدد بعناد أقدار الناس.