رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عودة الذاكرة

جريدة الدستور

أمامه درجتان من سُلم السنين ويطأ أعتاب المئة،ماتت زوجته منذ ردحٍ من الزمن،لديه من البنين ثلاثة؛أكبرهم ولج العقد السابع منذ خمسة أعوام،أوسطهم أربعيني العمر ،أما الأصغر - خالد – عشريني العمر فقد مات منذ سنتين بإحدى دول الخليج إثْرَ حادث سير...يقطن مع ولديه في بيت العائلة...نخر الخرف ذاكرته حتى اللُب، العجيب في الأمر أنه يتذكر أحداث طفولته جيدا ؛أما أحداث العقد الأخير كأنه لم يمربها؛ إلا أنه على فترات تومض ذاكرته بأحداث منها...والأعجب أن رجليه وفمه لم يتأثرا بشيخوخته بتاتا، يقضى نهاره في المندرة وليله في صحن الدار الفسيح...ولأنه أكثر من مرة أعادوه من على حدود القرية فقد أمر ابنه الأكبر جميع من بالدار بملاحظته جيدا ومَنْعِه من مغادرة الدار ...وفي ذات ضُحى ماتت زوجة أحد الجيران ؛ فتجعمت الأرهط انتظارا لتشييع الجنازة، ظل يخرج من الدار ويلج إليها مرارا وتكرارا يتوكأ على عصاه ؛ناظرا في وجوه المتكئين بظهورهم على الجدران ...سأل أحدهم قائلاً : لماذا هذه الجِلسة ؟ قيل له : ننتظر الجنازة ، قال:جنازة مَنْ ؟ قيل : جنازة الحاجة " فاطمة " ، قال:" فاطمة " مَنْ ؟ قيل:زوجة الحاج " حسن " ، قال: " حسن " مَنْ ؟ في هذه الأثناء ظهر ابنه الأكبر- لجذب انتباهه عن الجالسين - فهمس في أذنه قائلاً: إنهم ينتظرون خالد ، فراح يرحب بالجالسين قائلاً : مرحبا بأصحاب خالد ؛ أعلم جيدا أنكم تشتاقونه أكثر مني...ظل يحدو في الشارع وراء ظله يرفع يده مرحبا بالأرهط... ولج داره فخرج وإذا بالجنازة تفصل عن الشارع...فأشهر عصاه قائلاً: لماذا انصرفتم ؟ " خالد على وصول " ؛ تباً للعجلة؛ كلهم مستعجلون ...وبينما يلج الدار ومضت ذاكرته فتوقف ،سَمَدَ قليلا؛فررن بضع دمعات من عينيه قائلاً : يبدو أنه لم ولن يعود " خالد "...ضحك بضع ضحكات هادئة ثم ولج الدار.