رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المتغـيـرات الدولية والإقليمية وتأثيرها


تناولت فى المقال السابق أبرز التحديات الاقتصادية التى تـواجه العالم العربى، إذ يتمحور جوهر هذا التحدى حول محدودية الموارد المائيـة، بما فى ذلك الدول التى تجـرى فى أراضيها الأنهار الفيضيـة، حيث تنبع جميعها من أراضى القوى الإقليمية غـير العـربية «تركيا ـ إثيوبيا»، مع الوضع فى الاعـتبار أن90 % من مساحة العالـم العـربى تـقع فى مناطق جافـة أو شبه جافـة، وأن دول المنابع قامت بتنفيذ العـديـد من المشروعات المائية تحت دعوى إحداث التنمية الشاملة لدولهم، وأن هذه المشروعات أثرت وستؤثـرعلى الإيرادات المائية لدول المصب، وهو ما سيُزيد الـوضع الـمائى العـربى حساسية وتعـقـيـدا، وهو ما سأتناوله اليوم من خلال التحديات الاقتصادية والاجتماعـية التى تواجه العالم العـربى، فقد أدى الـوضع الـمائى العـربى إلى حدوث انكشاف أمنى خطير للبلاد العربية، إذ أصبحت الدول العـربية دون استثناء تحت خط الفقر المائى، كما أصبحت جميعها مستوردة لغـذائـها بالرغـم من الإمكانيات الـزراعـية الهائلة المتوافرة لـدى بعـض الدول، ومع غـياب سياسات التكامل اتسعـت الفجـوة الغـذائـية، وأصبح العالم العـربى عـرضة للتبعـية الاقـتـصادية وهـو الانجـذاب الحـقـيـقـى نحـو التراجع، ومع تزايـد الطلب على السلع الغـذائية الرئيسية التى يعـتمد عليها الإنسان، سترتفع أسعارهـا ارتفاعا كبيرا، مما سيؤدى إلى زيادة معدلات التضخم وارتفاع الأسعار، الأمر الذى ستتعاظم معه الأعـباء على حكومات الدول العـربـيـة، وبروز العجز فى معظم موازناتها وزيادة ديونها، كما أدى غياب الـتـقـدم العـلمى والتكنولوجى فى معـظم إن لم يكن جميع دول العالم العربى إلى وجود فـجـوة تكنولوجية واسعـة تزداد اتـسـاعا مع الدول المتقدمة بـمـرور الـزمن، ومع افـتـقـار جميع دول العالـم العـربى لقواعـد صناعـية ثـقيلة وقواعد إنتاجية عـريضة، وفى غـياب التقدم العـلمى والتكنولوجى، وغـياب سياسات التنسيق والتكامل، إزدادت حاجة الدول العـربية إلى الدول الصناعـية الكبرى لتلبية احتياجاتها من الصناعات الثـقيلة من المعـدات والأدوات الزراعية والصناعية بل وأنظمة التسليح المختلفة، وأصبحت جميع هذه الدول دون استثناء عـرضة للتبعـية السياسية والاقتصادية بل والعــسكرية، وغابت أيضا السرية الواجب توفيرها لقواتها المسلحة ونظم تسليحها، ومع اتباع الدول الصناعـية سياسة إغـراق الأسواق العـربية بالمنتجات الصناعـية ذات النمط الاستهلاكى السريع، مثل السيـارات والمعـدات والأدوات الترفيهية مع حجب تكنولوجيا التصنيع عـنها، الأمر الذى أدى إلى تخلف الدول العربية عن ركب التقدم سياسيا واقتصاديا وعـسكريا وأمنيا، وقد لعـبت الزيادة السكانية الرهـيـبـة الناتجة عـن زيادة معـدلات الموالـيــد فى معـظم دول العالـم العـربى «أكثر من 2 % سنويا» دورا متعاظما فى تخلف دول العالم العربى عن ركب التقدم اقتصاديا واجتماعـيا، خاصة فى غـياب خـطـط التنمية الاقتصادية والاجتماعـية الحقيقية على نحو عام، وفى مجالات التعـليم والبحث العـلمى والصحة على نحو خاص، إذ يشير الواقع إلى أن معـظم مجتمعات دول العالم العـربى لم تشهد تحولا ونموا اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وعـلميا يواكب هـذا النمو الديموجرافى الضخم، فلم تترافق الزيادة غـير المسيطر عـليها فى حجم السكان مع زيادة مماثلـة فى الرقعة الزراعـية، أو فى الثروات الطبيعـية، أو فى الإنتاج الصناعى، وترتب على ذلك هجرات واسعـة لسكان الريـف والبدو الى الحضـر بحثا عن فرص العـمل، فاضمحلت الثروة الحيوانية فى بعض البلدان وبات الريف مستهلكا، وتـقـلصت الصناعات الصغـيرة التى كانت قائمة على المنتجات الزراعـية والحيوانية وأصبحت المدن وكأنها تنمو عـشوائيا، فزادت حدة محصلة ثالوث الفقر والجهل والمرض، وأصبحت محصلة هذا الثالوث تُشكل بعـدا ضاغـطا على تنمية معـظم الدول العربية، وشكل تحديا كبيرا وتهديدا خطيرا لأمنها القومى، خاصة مع تراجع البعـد السلوكى والبعـد القيمى والأخلاقى، فتراجعـت معها قيم العمل والاحترام وتعاظمت ظاهرة العـنف، تلك كانت أبرز المحددات النابعة من داخل العالم العربى ذات التأثير السياسى والأمنى والاقتصادى والعسكرى والاجتماعى التى تقف حائلا أو تُعـوَق بناء استراتيجية عـربيـة موحدة، إذ أصبح بناء مثل هذه الاستراتيجية حاجة استراتيجية ملحة لمجابهة ما يحيق بالعالم العربى من أخطار وتهديدات، إن أراد هذا العالم أن يجد له مكانا فى عالم الغـد، عالم التكتلات والكيانات العـملاقة، فعـليه بجميع وحداتـه السعى الدءوب لبنائها، الأمر الذى يتطلب فهما عميقا لدروس الماضى، ومصداقية كاملة وشفافية مطلقة لتقييم الواقع، وإدراكا واعـيا باحتمالات المستقبل، إذ سيظل دور العالم العربى هامشيا مرهـونا بإحداث مثل هـذا التغـيـيـر، وهو ما سأحاول إتباعه فى المقالات القادمة بإذن الله لتكون مرتكزا لبناء استراتيجية مقترحة.