رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العيش من أجل الصورة


يقول الأديب جون باينس: يعيش أكثر الناس من أجل صورتهم ومن خلال صورتهم وبلغة صورتهم، أى الدافع لوجودهم هو أن يحصلوا على استحسان الآخرين، وكل ما يحاولون القيام به هو إرضاء الحشود أو التأثير عليها، والفرد المبتلى بهذه المشكلة ليس له حياة خاصة به بل هو موجود فقط بلغة قبول الآخرين أو رفضهم له، وهكذا يحوِّل نفسه إلى مجرد انعكاس للحشد العام يكافح دائماً للحظوة باستحسانه وحبه، وهى آلية تفصله فى النهاية عن «أناه الفردية» لكى تدمرها وتكون مجرد ملحق بالنفس الجماعية.

إن مملكة الحشود حولت العالم إلى مقبرة للأرواح إلى مزبلة ضخمة للذين يهيمون فى الحياة على هذا الكوكب فى مطاردة الخير والسعادة فيسقطون ضحايا للغول الاجتماعى الذى يغذونه بأنفسهم، والذى يجردهم دون شفقة من جوهرهم الخاص، ويقدم لهم بدلاً منه سراباً ورؤىً وأوهاماً وخيالات، ليضمن استمرار ضلالهم وخضوعهم لكى لا يلاحظوا موت ذاتهم الحقيقية، تعانى الشخصيات البارزة فى هذا العصر مع استثناءات قليلة، من «تضخم الذات» وبهذا يصبحون «قواقع فارغة»، يقلدها من تبهرهم الانعكاسات الخادعة لهذه الشاشات ويريدون أن يصبحوا نموذجاً للشخص الذى ينتظرون أن تكونه الشخصيات التى تحظى بإعجابهم.

ويعرف عالم النفس السويسرى كارل غوستاف يونغ هذا الشخص على أنه «شريحة اعتباطية تقريباً من النفس الجماعية»، وليس دعابة أن الحالة الأكثر شيوعاً هى حالة الهوية بين كثير من الناس وبين مناصبهم أو ألقابهم، صحيح أن منصبى هو نشاط يوافقنى، ولكنه فى الوقت نفسه عامل جماعى تشكل تاريخياً بجهد مشترك من قبل الكثيرين، وأنا مدين بمنزلته فقط للموافقة الجماعية، ولهذا السبب إذا ما جرى تعريفى بمنصبى أو لقبى فإننى سأتصرف كما لو كنت أنا نفسى مكافئاً لكامل العامل الاجتماعى المعقد الذى هو منصب وكأننى لست مجرد واحد يشغل المنصب.

وهكذا، أصبح مُضَخَّماً إلى حد الشذوذ باغتصاب صفات لا وجود لها أبداً داخل ذاتى بل تقع خارجها، «أنا المنصب» هذا هو شعار هؤلاء الناس، يعتبر يونغ أن كثيراً من الناس ليسوا أكثر من المرتبة التى يمنحها لهم المجتمع، وهناك خلف الصورة المُتَكَلفَة يختبئ إنسان ضئيل جداً وهذا هو السبب الذى يغرى شخصاً من هذا النوع بالمنصب، «أن يعيش المرء من أجل صورته» يعنى أن فرد يعمل بكل قوته لكى يضخم صورته ويحميها، فى حين يغفل كينونته الحقيقية أو روحه الأخلاقية التى هى كل شىء وينكرها، ويتخلى عنها، إنه خائن لنفسه وغير جدير بحمل الشرارة المقدسة أى فيض الخالق سبحانه.