رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

النيل... الطريق إلى تل أبيب !!


أثناء زيارة «مناحم بيجن» للسادات بالقاهرة فى أواخر السبعينيات.. تطلع رئيس وزراء إسرائيل إلى مياه النيل المتدفقة.. وقال كلمته المشهورة «إنه يريد أن يشرب من مياه النيل فى تل أبيب»..! سرعان ما تم اتخاذ الإجراءات.. تم دعوتنا كأعضاء مجلس محلى بورسعيد للمشاركة فى وضع حجر الأساس لترعة «السلام».. ثم بعد ذلك بسنوات شق النيل طريقه وعبر قناة السويس.. لأول مرة فى التاريخ يتجه النيل إلى سيناء.. شقت الترعة طريقها.. ثم توقفت.. بعد تصاعد الأحداث السياسية.. وارتفاع الأصوات المعادية «للتطبيع» مع إسرائيل.. وقف النيل صامتاً يرفض التوجه إلى تل أبيب.. اعترض النيل ومازال يعترض حتى الآن.. لم تتوقف إسرائيل لحظة.. اتجهت بكل قوة إلى «المنابع».. كانت إثيوبيا جاهزة بعد أن قام نظام مبارك بتجميد جميع العلاقات مع الدولة التى يقع على أرضها الشلال نفسه.. تقدمت إسرائيل كبديل عن مصر وقدمت المعونات والدعم.. ثم أعلنت الفكرة.. كان النظام الإثيوبى يبحث عن الحماية والدعم.. أقامت إسرائيل القواعد الاقتصادية والاجتماعية وأصبحت تتمركز تحت الشلالات.. وفى يدها «محابس» مياه النيل حيث ترتوى البشرية والأرض وجميع أنواع الحياة..

نجحت إسرائيل فى المساعدة الجوهرية.. ومعها كل الدول المعادية للدولة والشعب المصرى.. خرج لنا إلى الوجود ما يسمى «سد النهضة» الآن وهو السد الذى سوف تحجز مياه النيل من خلفه ويسمح فقط لقطارات منه بالعبور!! ثم قامت إثيوبيا بتغيير جميع الاتفاقيات الدولية الموقعة من دول حوض النيل والمستفيدة منه دون موافقة صاحب الشأن نفسه وهو «الشعب المصرى»! استغلت إثيوبيا ومعها إسرائيل الأحداث التى مرت بالوطن خاصة «عام العار» حيث حكمت مصر من قبل جماعة مجرمة ورئيس بدرجة جاسوس..

من يصدق أن هذا يسمى نفسه رئيساً يعلن على الهواء ومعه أنصاره أنه يمكن له أن يدمر سد «النهضة» بالطائرات.. كان هذا الحديث قد أحدث ضجة بين دول العالم.. كانت مصر منهمكة فى إعادة الوطن المخطوف.. وإثيوبيا وإسرائيل تبنيان سد النهضة!!

الآن.. تلعب إثيوبيا فى استثمار «الوقت» وتماطل وتراوغ من أجل تعطيل اتخاذ أى إجراءات تعوق أن يتم تحت الشلالات حتى تصبح دولة المصب تحت رحمة دولة المنابع!! لقد قدم رئيس الجمهورية المصرية كل وسائل المودة والترحيب والاحترام مع الرئيس الإثيوبى بل وصل الأمر أن القوات المسلحة المصرية قامت بحماية رعايا إثيوبيا المختطفين فى ليبيا وقامت بإعادتهم بالقوة إلى وطنهم.. بل قدمت مصر كل التسهيلات الممكنة ووافقت على التحكيم الدولى.. لكن إثيوبيا تستكمل وبنشاط محموم إقامة السد.. وتستغل «الوقت» وهى تعلم تماما أنها لن تقبل سوى ما تريده إسرائيل.. إن إسرائيل التى تتواجد الآن تحت منابع النيل أصبحت تمثل خطراً داهماً على الأمن القومى المصرى.. إن يد إسرائيل أصبحت الآن تمتلئ «محابس مياه النيل» وهى لم تقبل إلا بمرور النيل إلى تل أبيب.. هذا هو الحلم الإسرائيلى منذ «كامب ديفيد» وحتى الآن!! ما العمل.. ؟! ونحن الآن فى موقف صعب.. خاصة أن القوانين الدولية تقف معنا بقوة، حيث الاتفاقيات التى لا يجوز لأى طرف أن يتعدى على طرف آخر فى جميع أنهار العالم.. ما فائدة القوانين عندما يصبح التآمر هو الواقع المطلوب مواجهته.. إن السودان أهم الدول القريبة منا والتى تشاركنا العروبة والمياه.. وهى أيضا تتعرض لمصاعب سياسية واقتصادية.. وهناك جنوب السودان الدولة الجديدة والوليدة تدور فيها حرب أهلية مميتة.. كل هذا يخدم إثيوبيا وإسرائيل.. إذا نحن فى حاجة ماسة إلى أن نفهم الحقيقة وهى وحدها التى يمكنها كشف ما يخفى من تآمر على شعب هو من «هبة النيل».. إن الإنسان لا يمكن أن يعيش دون هواء وماء.. وأن ما يحدث لنا تحت منابع النيل هو تهديد لحياة المصريين أجمعين.. إننا نطالب بفتح ملف الحقيقة أمام كل طبقات الشعب المصرى صاحبة المصلحة فى الاستمرار فى الحياة حتى نستطيع اتخاذ الإجراءات والمواقف مهما كان الثمن.. لا قيمة للحياة دون مياه.. لا معنى لها أيضاً عندما نصبح تحت التهديد.. إن كل مؤسسات الدولة الرسمية والشعبية عليها الآن أن تقف متراصة أمام ما يحدث لنا تحت منابع الحياة.. إننا مع الحوار والاعتراف بمصالح كل الدول فى الاستفادة من نهر النيل.. لكننا لسنا مع استعمال القوة أمام حضارة المصريين.. إن لدى إسرائيل أكثر من 200 قنبلة وصاروخ نووى.. كل هذه القوة تتضاءل تماماً أمام قطرة ماء واحدة من مياه النيل.. إذا علينا حماية ما ورثناه عبر آلاف السنين مهما كان الثمن!.