رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حفيدى حمزة فى قناة السويس


فى السادس من أغسطس استيقظ حفيدى حمزة، الذى يكمل عامه الثالث فى هذا الشهر، فى الرابعة والنصف صباحاً وصمم على أن يلبس ملابس جديدة لأنه سيذهب إلى قناة السويس الجديدة، وكأنه يعرف أن اليوم هو يوم عيد لكل المصريين. تقابلنا أنا وابنتى وزوجها فى دار الحرس الجمهورى فى السادسة صباحاً لنستقل الأتوبيسات مع عدد من المصريين والمصريات من كل أنحاء مصر، للذهاب إلى قناة السويس الجديدة. الجميع هنا يلبس ألواناً زاهية مبهجة. الجميع هنا يبتسم ابتسامة، ربما لم نرها من زمن. الجميع هنا يتحلى بلون العلم المصرى، سواء فى ألوان الملابس أو الأكسسوارات، أو ممسكا العلم بيديه. ترك حمزة يد أمه وذهب مسرعاً إلى إحدى السيدات الفضليات وقال لها: «أنا عاوز علم مصر». مدت يدها بكل حنان وأعطت له العلم. وعندما تقدمت إليها فى محاولة للاعتذار والشكر قالت «أنا اشتريت كمية كبيرة علشان أوزعها». الزغاريد تنطلق من حناجر سيدات مصر. الأناشيد تصدح فى كل مكان: فات الكتير يابلدنا، ياحبيبتى يامصر، الحلوة بلادى السمراء، غنى ياسمسمية لرصاص البندقية ولكل أيد قوية، حاضنة زنودها المدافع، غنى لكل عامل فى الغيط وفى المعامل، بيأدى الواجب كامل، وأديله وردة هدية. ترتفع البالونات فى السماء بألوانها الزاهية. تمتلئ اللافتات: قناة السويس إرادة شعب.

رايح فين يا حمزة؟ رايح قناة السويس ياعمو الظابط. يدير حمزة حواراً مع الجميع حول ما سيراه: «اللودر، والرمل، والعربية الكبيرة، والطيارة، والمركب، والبحر». يردد حمزة نشيد أ، ب، ت، ث،...حرية: جندى بلدى شجاع. وعندما سألت ابنتى ما الذى يقوله حمزة ذكًّرتنى أننى كنت أغنى لها ولأختها فى الصغر هذه الأغنية، وأنها تغنيها الآن لابنها، حفيدى حمزة. يتنطط حمزة، ويجرى فى كل ناحية هو وبقية الأطفال. أصداء ضحكاتهم تملأ المكان.

محلا المصريين وهم فرحون بصدق من قلوبهم. الكل يقول نحن نحتاج إلى فرحة حقيقية. تردد السيدات «اللهم اجعله خيراً، ربنا يتمم بخير». هذه الكلمة نرددها دائماً فى كل مناسباتنا السعيدة، وعندما نضحك ونفرح كثيراً. تسير بنا الأتوبيسات فى موكب عرس تزينه الأعلام أمامه وخلفه وبجانبه الرجال السمر الشداد يقومون بالتأمين على طول الطريق. يسير الركب ونعبر كوبرى السلام وسط احتفالات المصريين على طول الطريق. نصل إلى المكان الموعود والمشهود. ترتفع الزغاريد. يجرى حمزة ويردد: «رمل كتير ولودر كتير وعربيات كتير» ويلتفت إلى أبيه وبصوت عال «شيلنى يا بابا» ويصر على أن يرفعه والده على كتفيه ليرى المشهد أمامه كاملاً: مجرى القناة، والطائرات، ويطير من الفرحة حمزة ويصرخ بصوت عال: طيارة كبيرة.

وأعود بالذاكرة: ولد حمزة فى أغسطس 2012، وبعد ما يقرب من سنة اعتلى حمزة كتف والده وسط مئات الآلاف فى ميدان الاتحادية فى ثورة 30 يونيه التى خرجت فيها ملايين الشعب المصرى لإسقاط حكم المرشد. الحكم الفاشى الديكتاتورى لجماعة الإخوان. نسيت أن أقول لكم إن حمزة اعتلى كتف والده وهو فى سن أربعة أشهر فى ديسمبر 2012 أمام قصر الاتحادية للاعتراض على الإعلان الدستورى الصادر فى نوفمبر على يد نظام الإخوان ومندوبهم فى الرئاسة فى ذلك الوقت الرئيس المعزول محمد مرسى. والآن وحمزة يدخل عامه الرابع وهو يعتلى كتف والده ليرى الحلم يتحقق بإرادة الشعب المصرى وعزيمة الشعب المصرى وتمويل الشعب المصرى وعرق وجهد الشعب المصرى. القناة الجديدة مصرية بإيدين مصرية وفلوس مصرية وإرادة مصرية. وعدنا ووفينا الوعد، نحن نقدر، هذه رسالتنا للعالم: التخطيط، الدقة، النظام، الالتزام، الشفافية، الثقة عنوان المشروع لم يكن حمزة حفيدى وحده. كان هناك أحفادنا وحفيداتنا أبناء المستقبل الذين سيكملون بناء مصر شامخة بين الأمم. الأطفال فى الكورال من كل أنحاء مصر ومدارس مصر وبيوت مصر غنوا لمصر المستقبل والحرية والعدالة الاجتماعية. غنوا لمصر المدنية الحديثة، دولة المواطنة والمساواة وعدم التمييز. الابتسامة على شفاههم وشفاه حفيدى حمزة، ووجه الطفل عمر القادم من مستشفى علاج السرطان والبهجة على وجوههم تقول بلسانهم: المستقبل لنا، سنقهر المرض ونقهر الفقر ونقهر الأمية، سنبنى مصر، سنزرعها، سنعمرها ونصنعها بأموالنا وبأيدينا، سنحارب الفساد والاستبداد والإرهاب. ومن النهاردة شعارنا يد تبنى ويد تحمل السلاح. ووجدتنى أتذكر وأردد كلمات الشاعر سمير عبد الباقى، ومن ألحان عدلى فخرى أغنية رددناها فى السبعينيات:

إفرد جناح الخيال.. إفرد جناح الأمل

دا اللى انتصر علمحال.. فى البدء كان العمل

مصر أرضك ودرعاتك.. م العدم أنت نشيتها

كلمة غنوة ضحكة شجرة.. طوبة طوبة إنت بنيتها

كانت الدنيا حيارة.. وإنت للسكة هديتها

عاهدنى يا حمزة أنه بعد أن أرحل أنا جدتك كوكى عن دنيانا أن تذهب إلى قناة السويس الجديدة فى ذكرى افتتاحها وتتذكر وتقول وأنت شاب كبير «كنت أنا وأمى وأبى وجدتى هنا يوم افتتاح القناة، ولمحت دموع الفرحة فى عيون جدتى وعيون كل المصريين عندما عبرت سفينتان فى آن واحد، واحدة فى القناة الجديدة إلى الشمال، وواحدة فى القناة القديمة إلى الجنوب، وسط ترحيب كل الوفود العربية والأجنبية التى جاءت تشاركنا الفرحة. وتذكر دائماً ياحمزة وردد معى: لن نفرط فى قطرة دم من دم شهدائنا، أو ذرة رمل من رمل بلادنا