رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مثلث «برمودا» التعليمى


ضجيج بلا طحن.. هذا هو حال التعليم فى مصر! لذا أتلمَّس الطريق للدخول إلى هذا النفق المظلم؛ لعلى أستطيع أن أفتح «كوَّة» فى نهايته لتدخل شمس المعرفة لتضىء الدرب إلى الحلول السليمة والقويمة فى تفكيك تلك المعادلة المعضلة، وهى معضلة مثلث التعليم فى مصر: المعلم - الطالب - المناهج الدراسية، وهو يكاد يكون متساوى الأضلاع ليستقيم على قاعدته بدلاً من حالته المتردية الحالية...

وأحد أسباب انقلاب هذا المثلث هو التدريب الميكانيكى لذاكرة الطلاب بحشر أساليب الحفظ والتلقين التى تدفع الطالب إلى التفكير فى عجزه عن التفكير، لأنه يصير كالإناء الفارع الذى يمتلئ بالمعلومات دون فهم أصيل لما تحتويه المادة التى يتم تلقينه بها فى عشوائية، ثم يتقيأها على أوراق الإجابة وربما يحصل على الدرجة النهائية نتيجة لإجادته استيعاب التلقين و«حشو» المعلومات، ثم يخرج إلى الحياة العملية تائهًا بين ما تلقنه ومعوقات التطبيق فى الميدان، وهنا تكون الطامة الكبرى لأننا سنواجه فى كل مناحى الحياة بشرًا تحمل أسفارًا! لأننا لا نهتم بالطالب الاهتمام الواجب كركيزة أساسية فى العملية التعليمية باعتباره رأس المال البشرى الذى يجب استثماره وتدور فى فلكه كل مدارات ومسارات العملية التعليمية وأفكارها. ولكن كيف السبيل إلى الوصول لمواصفات هذا الطالب الذى نبنى عليه مستقبل الأمة، ونحن نعتبر أن «المعلم» مجرد رقم فى المنظومة دون التخطيط الواعى وتصوُّر استراتيجية متكاملة عن الاحتياجات «كمًا» و«كيفًا»، ولابد أن يتم تحصين المُعلِّم بالكفاءة والمقدرة والقناعة والإيمان الراسخ من أعماقه بأهمية وقدسية الرسالة فى عملية التدريس، وأن يكون المُعلِّم حاملاً وناقلاً لكل قيم المجتمع الأساسية والمبادئ العليا التى ارتضاها وسار على نهجها، ودون العمل على غرس تلك الكوادر فى حقل «المعلمين» ستظل شجرة التعليم فى مصر بلا أوراق ولا ظلال.. ولا ثمر!

وتبقى ثالثة الأثافى وهى المناهج الدراسية التى مازالت تستند إلى أسس عقيمة تنتمى إلى الماضى البعيد وتعجز عن ملاحقة الأحداث والتغيرات المحلية والعالمية اجتماعيًا وسياسيًا وتاريخيًا؛ ولا تتفق مع الأفكار المتطورة للطلاب الذين يعاصرون فورة انطلاق التكنولوجيا وعالم الفضائيات المفتوحة.

ويجب أيضًا ألا نغض الطرف عن هذا «الخنجر» المغروس فى خاصرة العملية التعليمية فى مصر والقنبلة الموقوتة التى لا نعرف متى ستنفجر وحتماً ستنفجر وبدأت بوادر اشتعالها فى الخلاف القائم بين نقابة المحامين وإعلانها عدم قبول خريجى «حقوق» التعليم المفتوح لعضويتها لأنهم يحملون الدبلومات الفنية الزراعية والصناعية القاصرة عن استيعاب أصحاب الثانوية العامة، ومن هنا تشتعل النقاط الخلافية التى تهدد جيلاً بأكمله جنى عليه التعليم المفتوح غير الممنهج بدراسة واعية لاحتياجات سوق العمالة المصرى ومنحنيات ومؤشرات قانون العرض والطلب فى التخصصات المختلفة، وهذا مثال واحد من جملة مشاكل التعليم المفتوح فى مصر من هذا المنطلق وجب علينا التنبيه إلى ضرورة إصلاح العملية التعليمية بتطوير المناهج بعيدًا عن الحفظ والتلقين وإتاحة فرص الإبداع والتفكير وإطلاق العنان للأفكار المبتكرة، وضرورة الرقى بأوضاع المعلمين المادية والمعنوية.. فالمعلم هو عصب العملية التعليمية وجوهرها «كاد المعلم أن يكون رسولاً»، مع ضرورة تحقيق اللامركزية فى إدارة العملية التعليمية عبر نقل جزء من السلطات للإدارات والمديريات الفرعية لنشر ما يلائم البيئة المحيطة من أفكار وعادات وتقاليد، وبطبيعة الحال لن تستوى المناهج فى البيئة الحضرية أو الريفية أو الصحراوية، وبلادنا تتمتع بكل هذه الأنماط من المجتمعات المتباينة فى العادات والسلوكيات، وبهذا نكون قد أشركنا المجتمع المدنى فى وضع السياسة التعليمية التى تلائم وتوافق تطلعات الأجيال الصاعدة، فمتى سننظر بعين الرعاية والعناية إلى هذا المثلث التعليمى المهم، أم أنه سيصير مثل «مثلث برمودا» المرعب الذى يخشى الجميع الاقتراب منه؟!

أستاذ الدراسات التعليمية - أكاديمية الفنون