رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

زواج القاصرات.. بين الفقر والثراء


ينتابنى الحزن والأسى العميقين عندما أرى فى مجتمعنا المصرى فتيات من زهراتنا اليانعات كنَّ حتى الأمس القريب يرسمن بالطباشير «لعبة الحَجْلة»على أسفلت الشوارع ويتقاسمن اللهو العفوى البرىء مع أقرانهن من الصبيان، وينعمن بحياة الطفولة وبهجتها...

... يُسقن ـ بمباركة الأهل ـ إلى بيوت الأقارب أو الغرباء ؛ بعقود زواج لاتمُت إلى الشرع والدين والأخلاق بصلة، ولتجد هذه الزهرات اليانعات أنفسهن غارقات فى بحر أنفاسٍ لاهثة عابثة لاتعترف إلا بمنطق حوار الجسد الذى لايعرفن عن أبجديته شيئًا، ولا يهم أصحاب تلك الأنفاس المحمومة أن هذا الحوار البوهيمى من طرف واحد!

وأود أن نجنح هنا إلى مناقشةـ ولو بقدر ـ مسألة زواج القاصرات برمته من حيث رأى الشرع والقانون والمنحى الأخلاقى الذى يحدد أبعاد المشكلة التى تفاقمت داخل المجتمع المصرى يستوى فى هذا أوساط الأغنياء والفقراء، وإن كان للفقراء بعض العذر فى عقد تلك الصفقات لبيع بناتهن مقابل ما يقيم الأوَدْ للعون على مواصلة الحياة، فعلى النقيض نجد أن حجَّة الأغنياء هى الحفاظ على عدم تفتيت الإرث الشرعى بين العائلات، بصرف النظر عن مصير الضحايا من القاصرات اللائى ستطحنهن تروس ماكينة الحياة التى لا ترحم، وتصنع أجيالاً من الأمهات الحاقدات على المجتمع الذى أوقع عليهن كل هذا الظلم والإجحاف . إذن فليس الفقر فقر المال والحاجة، ولكنه فقر العقول والأذهان إلى المعارف الإنسانية والحياتية، وهو أشد خطرًا من العوَزْ.وصحيح أن الزواج سُنَّة من سُنن الحياة لكنه يتم بمشروطياته الخاصة التى تنطوى عليها جميع الأديان السماوية، ولكراهة المجتمع لهذا النوع تحديدًا صدر بصدده القانون رقم 126لسنة 2008 الذى يمنع زواج القاصرات تحت 18 سنة. ولكنـ للأسف ـ تم وضع هذا القانون فى الثلاجة بحجّة أن «جواز البنات سُترة» و«قبل ما يفوتها القطر»، ولكن الأهالى لا يعلمون ـ أو يعلمون ـ بأنهم يقذفون ببناتهنَّ القاصرات أمام قطار آخر لايرحم ألا وهو محنة الزواج الذى يشبه الاغتصاب وكل ما لا ترضاه الشرائع الإنسانية، وهناك دائمًا من يتستر على هذه الجريمة من محترفى مهنة «المأذون» الذى يملك العديد من الأحاييل للتلاعب فى الأوراق الرسمية، أو البعض ممن يعملون على استخراج شهادات ميلاد تغير فى العمر الحقيقى للفتاة ممن باعوا ضمائرهم ومنطلقهم هو: «الورق ورقنا والدفاتر دفاترنا» ولا رقيب ولا حسيب.. لتذهب الفتاة إلى مذبح لا يمُت إلى الفضيلة ولا الشرف بصلة، ودون مراعاة لآدميتها ولا للصدمات العصبية التى ستعيشها بعد زواج الاغتصاب والقهر هذا. ويقول بعض أهل الرأى فى هذه المسألة : «إن هذا النوع من الزواج لا يمارسه إلا أهل الوضاعة ويتاجرون بأجساد بناتهم نظير أموال معدودة « هذا فى حال الفقر، أو طمعًا فى الحفاظ على الممتلكات من أرث من أرض أو مال وعقار داخل حيِّز العائلات الثريَّـة.

لذا نهيب بالجمعيات الأهلية والمخلصين من رجال القانون أن يعملوا على الأخذ بيد العائلات الفقيرة للمساهمة الجديَّة ماديًا فى تزويج بناتهم زيجات عادلة قائمة على القبول والرضا الواجبين حسب كل الشرائع، والقيام بالتوعية الواجبة بين العائلات الميسورة الحال لتغييرنظرة الأطماع التى لا هم لها إلا الحفاظ على الثروة، وتفعيل الرقابة القانونية الجادة لمنع زواج القاصرات من رجال داخل محيط العائلة بصرف النظر عن أنهم يكبروهن سنًا، وبهذا نكون قد قمنا بالتحذير الواجب من وضع خطير داخل المجتمع يهدد بما لايحمد عقباه وحرصًا على أمهات أجيالنا المقبلة.

اتقوا الله فى بناتنا القاصرات، وانظروا بعين العدالة التى لاتنام لتفعيل القوانين التى تحكم المجتمع وتضع للجميع قواعد وأسس الحياة الكريمة التى تليق بمصرالتى سنت قوانين العدالة منذ فجر التاريخ.

أستاذ الدراسات اللغوية ـ أكاديمية الفنون