رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المصالحة مع الإرهاب والفساد ..خيانة «2»


تحدثنا فى المقال السابق عن الخطيئة فى إصدار المرسوم بقانون رقم 16 لسنة 2015 تعديل بعض بنود قانون الإجراءات الجنائية، والخاص بالصلح مع الفاسدين وناهبى المال العام، والذى يجعل السلطة التنفيذية تتدخل فى شئون السلطة القضائية، بل وتتعدى على أحكام القضاء.ويؤكد الدكتور على الغتيت- أستاذ القانون الدولى والاقتصاد المقارن- فى حديثه المنشور فى جريدة «الفجر»...

... «يقلص هذا القانون بما ينص عليه صراحة، اختصاص القضاء الجنائى الأصيل، فيخسر بمقتضاه كامل اختصاص جرائم المال العام عن محكمة الجنايات. بل ويسقط محكمة النقض فى اختصاصها منفردة فى إصدار الأحكام القضائية الباتة فى تلك الجرائم. وبمقتضاه أصبحت السلطة التنفيذية صاحبة القول الفصل فى جرائم المال العام لتحل بذلك محل القضاء المستقل. وبمقتضاه تصبح قرارات الخبراء ومحاضرهم بالصلح المعتمدة من السلطة التنفيذية أقوى من محكمة النقض». ويقترح الدكتور على الغتيت صدور قرار جمهورى بتجميد القانون تمهيداً لإلغائه، وذلك للمحافظة على دستورية وشرعية الدولة.

كما تحدثنا أيضاً فى المقال السابق عن أن الصلح مع الفساد يتساوى مع الصلح مع جماعة الإخوان الإرهابية، وإن كليهما خيانة لإرادة الشعب المصرى الذى ثار على نظام مبارك للفساد ونظام مرسى للاستبداد والإرهاب. لا يستطيع أى مسئول على رأس هذه الدولة مخالفة إرادة الشعب المصرى بعقد مصالحة مع الإرهاب الدموى أو مع جرائم اختلاس الأموال العامة والاستيلاء عليها بغير حق ومع من تربحوا من أعمال الوظيفة العامة.

واستكمل فى هذا المقال الحديث عن موضوع أجد أنه من وجهة نظرى له صلة بالحديث السابق. فإذا كنا نتحدث عن دولة الدستور والقانون فإننى أتساءل: لماذا يتم مخالفة الدستور المصرى الذى أجمع عليه المصريون فى يناير 2014، والذى ينص فى بابه الثالث «الحقوق والحريات والواجبات العامة» فى المادة 74 على «للمواطنين حق تكوين الأحزاب السياسية بإخطار ينظمه القانون، ولا يجوز مباشرة أى نشاط سياسى أو قيام أحزاب سياسية على أساس دينى أو بناء على التفرقة بسبب الجنس أو الأصل، أو على أساس طائفى أو جغرافى، أو ممارسة نشاط معاد لمبادئ الديمقراطية، أو سرى، أو ذى طابع عسكرى أو شبه عسكرى».

تعالوا بنا لنرى مخالفة الدستور على المكشوف. لماذا لم يتم حل الأحزاب الدينية الموجودة حتى الآن بموجب هذه المادة سواء كانت جهادية أو تكفيرية أو سلفية؟

الأحزاب الدينية ياسادة على اختلاف مسمياتها خرجت جميعها من جماعة الإخوان المتأسلمة، والتى تؤمن بانتهاج العنف ولا تنتمى لأى وطن، تحت زعم قيام الخلافة الإسلامية على امتداد أراضى الوطن العربى، ولا تؤمن بالدول وحدودها. وانكشف اتفاقها مع الدول الاستعمارية الكبرى وعلى رأسها أمريكا على تنفيذ مخطط تفتيت الدول إلى دويلات صغيرة على أساس مذهبى وطائفى وعرقى مع إنهاك الجيوش العربية وإسقاط مؤسسات هذه الدول، وفى القلب منها مصر.

أحزاب الجماعة الإسلامية ومنها حزب «البناء والتنمية»، والتى انتهجت العنف المسلح منذ ثمانينيات القرن الماضى، وقامت بحرق وتدمير الأملاك الخاصة والعامة، والاستيلاء على الأموال وحمل السلاح وإثارة الرعب فى المجتمع المصرى.

أحزاب الجماعة السلفية مثل أحزاب «النور» و«الوطن» و«الأصالة والفضيلة»، تلك الأحزاب شاركت جماعة الإخوان الإرهابية على منصة رابعة والنهضة وحرضت على العنف والقتل والتدمير وتكفير ما عداها من المصريين «النصارى والعلمانيين والليبراليين» على حد قولهم. كما حرضت على قتل الشيعة وحرق الكنائس وشاركت جماعة الإخوان قبل ثورة الثلاثين من يونيه فى محاصرة المحكمة الدستورية العليا ومدينة الإنتاج الإعلامى، والهجوم والاعتداء على الأزهر الشريف، والكاتدرائية المصرية، والاعتداء على استقلال القضاء والقضاة، تلك الأحزاب السلفية التى تبطن عكس ما تقول. فهى تقول إنها مع الدستور ولا تخرق قواعدها للتصويت فى الاستفتاء. تقول إنها حزب مدنى وإنها تؤمن بالآخر، وفى الوقت نفسه يقوم قادتها وشيوخها بالإفتاء بعدم تهنئة المصريين فى أعيادهم، بل ويوصى البعض منهم إلى إلزام المسيحيين بدفع الجزية، غير الفتاوى التى تسيىء إلى الإسلام ويعف اللسان عن ذكرها. وفى الوقت نفسه الذى يؤمن فيه السلفيون بأن الديمقراطية حرام، والانتخابات حرام، نجد قادتهم يصارعون على الترشح والانتخابات، بل يقابلون المسئولين فى أمريكا ليقدموا أنفسهم كبديل للإخوان، كما يزعمون أنهم يؤمنون بدور المرأة فى الوقت الذى يقصون فيه المرأة فعلياً ويفتون بأن المرأة مكانها المنزل وتربية الأولاد.

إذا نظرنا لسلوك كل هذه الأحزاب والجماعات ذات المرجعية الدينية ومنها أيضاً من انشق عن الإخوان مثل الوسط ومصر القوية والشباب المنشقين نجدهم يؤمنون بعقيدة الإخوان ويساندون الجماعة والتنظيم الدولى ويقومون كل يوم بإطلاق مبادرات الصلح بين من يسمونهم بالمعتدلين من الإخوان والدولة حتى يتمكنوا من العودة إلى الحياة السياسية والسلطة لاستكمال مخططهم ومخطط أمريكا والغرب وبمساعدة تركيا وقطر وإسرائيل. كل هؤلاء يدعمون تنظيم الجماعة الإرهابى سراً أو علانية.

كل الجماعات والأحزاب ذات المرجعية الدينية تؤمن بأن ما حدث من ثورة ملايين الشعب المصرى فى 30 يونيه هو انقلاب على شرعية نظام مرسى الذى يحاكم هو ورموزه الآن بتهمة الخيانة العظمى لمصر وشعب مصر. هل بعد كل ذلك يمكن أن يعمل أحد على خداع الشعب المصرى ويبارك وينشر مبادرات الصلح؟ إن المصالحة مع الفساد والإرهاب خيانة وجناية كبرى.