رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العنف فى مدارسنا


ترى.. هل أخطأ شاعرنا / أحمد شوقى حين قال: قــمْ للمعلِّـــم ووفـِّــه التبجيـلا.. كاد المُعلـِّـم أن يكون رسولاً!

وماذ عن هذا الشاعر لو امتد به العمر ليعيش زماننا هذا.. حيث انقلب المثلث على «أم رأسه»؟ لنرى العجب العُجاب من سلوكيات طالبى العلم فى مدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا!

صفحات جرائدنا تنقل إلينا العديد من المآسى التى يندى لها الجبين من تصرفات التلاميذ تجاه أساتذتهم، بداية من التعدى عليهم بالألفاظ إلى استخدام المطاوى؛ إيمانًا منهم بأن ما لا يحسمه «الفكر» تحسمه «العضلات»، ليصير المُعلم المفترض أن يكون له كل الاحترام أضحوكة وألعوبة فى يد هذا الجيل الذى خرج إلى الحياة وفى جيناته كل الموبقات التى زُرعت فى جسد المجتمع على مدى الأربعين عامًا الفائتة؛ نتيجة إعلاء القيم «المادية» على القيم «المعنوية»، وليُطلق العامة مقولتهم التهكمية بأن «الجنيه.. أهم من الكارنيه!» أى أن قيمة «العُملة / الجنيه» أصبحت أهم من «كارنيه» الدرجة العلمية أو الأخلاقية التى يجب أن تسود المجتمع.

ولكن وحتى نكون منصفين فى النظرة إلى هذه المشكلة فى مجتمعنا، علينا أن نعترف أن الأسرة عليها مسئولية كاملة فى المقام الأول عن أخلاقيات هذا الجيل الذى يعانى من تفكك أُسرى نتيجة نزوح العائل إلى الدول البترودولارية فى فترة السبعينيات من القرن الماضى، سعيًا وراء امتلاك ما يظنه من أسباب الرفاهية؛ وتناسى أن الاستثمار فى البشر أهم من تكديس أرصدة البنوك والاستثمار فى الطوب والحجارة، وليت العائل الذى ذهب إلى دول البترودولار عاد إلينا سويًا كما ذهب؛ بل عاد يحمل الأموال ومعها قناعات لاتتفق مع طبيعة المصرى الذى تربى على قيم تختلف عمن عاشرهم فى هذه الدول، فخرج نتاجه تلك الأجيال المشوهة فكريًا وعقائديًا ويتخيل أن المال هو عصب الحياة، فكان «المُعلِّم» هو ضحية هذا المفهوم المتدنِّى الخاطئ لعدة أسباب هى حاجة هذا المُعلِّم إلى الدخل الذى يحصل عليه من الدروس الخصوصية التى لا غنى عنها لتدنى العملية التعليمية، واقتصار دور الدولة على توفير «الأبنية» دون الاهتمام بعناصر التعليم من مناهج وأساتذة.

ويبقى السؤال: على من تقع تبعة بزوغ روح التمرد فى هذه الأجيال؟

إننا نهيب بالسادة «علماء الاجتماع» لسرعة الدراسة لهذه الظاهرة لإعادة الانضباط؛ ووضع الحلول الناجعة للعودة بنا إلى السلوكيات القويمة، حتى يعود للمُعلِّم كل التبجيل بصفته من يضع اللبنة الأولى فى بناء الإنسان خاصة فى المراحل السنيَّة المبكرة، لإحياء القيَم الروحية والعقائدية الصحيحة فى النفوس. ولسنا فى حاجة إلى استصدارقوانين لتنظيم هذه العلاقة، بل نحتاج إلى قناعات من داخل النفوس تكون هى السائدة بين أفراد المجتمع، وساعتها لن نحتاج إلى استخدام مبدأ «العصا والجزرة» لتلك العلاقة التى لابد أن تكون حميمية لها صفة القداسة، وليس من فراغ تلك العبارة التى قيلت وتوارثتها الأجيال بـأن «من علَّمنى حرفًا.. صرت له عبدًا»، وصحيح أن العبودية لله وحده، ولكنها قيلت على سبيل تعظيم قيمة من يوهبنا العلم، ليصير الفرد فى المجتمع واحدًا فى كُل والكُل فى واحد، فبهذا تسير المجتمعات إلى تحقيق كل الرفاهية بالاحترام المتبادل، وليصدُق قول شوقى: «قـُـمْ للمُعلِّـم ووفِّــه التبجيـلا.. كاد المُعلِّم أن يكـون رسولاً»!

مركز اللغات والترجمة ــ أكاديمية الفنون