رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بين «شُحاذ» محفوظ.. و«شحات» المقشَّة !!


قراءة جديدة لرواية «الشُحاذ» لأديبنا العالمي نجيب محفوظ؛ حرضتنى على عقد هذه المقارنة بين من يشحذ الرأى والنشوة وبين من يشحذ المال، سواء يشحذه تحت ضغط الاحتياج أو لمجرد اتخاذه وسيلة لجمع ثروة لم يبذل فيها من الجهد والعرق مايستوجب حيازته لها، ويكون بهذا أيضًا قد زاحم ـ غصبًا ـ من يقوم بـ«الشحاتة» لاحتياجه فعلاً للمال كمصدر وحيد لحياته ومواجهة ظروفه التى أحاطت به ربما لظروف النشأة أو المرض...

أو عدم القدرة على إعالة عائلة لاتملك من متاع الدنيا مايقيم أودها، فيلجأ الى امتداد ذراع الرجاء لذوى القلوب الرحيمة ؛ فيمنحونه بعضا من فتات فوائض حاجتهم، وربما قام بعض الأخيار باقتسام مافى جيوبهم معه، ولأن البعض بحسب اعتقادهم لايردُّون يدًا ممتدة، أو وفقًا للمقولة الشعبية أن :

«الحسنة تجوز ـ حتى ـ على راكب الخيل»!!

وهنا.. ليكن لنا وقفة مع «شُحاذ» نجيب محفوظ الذى يعيش حياة سوية مع أسرته فى بحبوحة من العيش وينعم بشهادته الجامعية كمحام حصل على ليسانس الحقوق، ولكنه يصاب بمرض نفسى «الاكتئاب» الذى يجعله يشعر بالجوع العاطفى ويشتاق إلى النشوة؛ وتستوى عنده سواء بسواء النشوة المحرمة مع غيرها من طرق النشوة.. فيقوم بممارسة «الشُحاذة» على طريقته، وشتان بين من يشحذ المال ومن يشحذ العاطفة والنشوة على مضجع الرغبة المحرمة، ولكنها فى كلتا الحالتين «شُحاذة» وإن اختلفت المفاهيم بين هذه وتلك.تمامًا كما يقوم «شحات» المال بعدم الاكتفاء بما جادت به القرائح عليه لسد رمق يومه هو ومن يعولهم، فيستمرىء امتداد اليد للحصول على المزيد، ليصاب كصاحبنا بمرض النشوة فى جمع المال ؛ فتصبح عملاً أساسيًا وهواية حتى إن امتلأت جيوبه يوميًا بالمال الذى سعى إليه تحت قهر ضغط الحاجة، ليصبح المال غاية ووسيلة ومرضًا عضالاً لاشفاء منه.

واليوم.. نشاهد على جوانب شوارعنا فى مصر العديد من هؤلاء الذين يتخذون من فنون «الشحاتة» حرفة مرتدين ملابس «عمال النظافة» كستارٍ لممارسة هذه المهنة، معترضين السيارات فى الشوارع والكبارى بطريقة فجَّة مبتذلة تكاد تصل إلى حد اللصوصية، فهم يسرقون مالك وقوتك وأعصابك فى إلحاح مزر ومنفر ويمارسون كل أنواع الابتزاز فى تحايلهم وتقمصهم دور من يقوم بأعمال النظافة، وحتى لو كانوا بحق عمالاً فعليين.. أليست هذه وظيفتهم ومقشاتهم تعتبربمثابة المكتب للموظفين.. وهم بذلك يشبهون الموظف الذي يفتح الأدراج لتلقى الرشوة!

ونسأل بدورنا: أين دور الأجهزة الرقابية فى هيئة النظافة التى تنعم بمبنى شاهق فى حى الدقى، ويتبعها أسطول من السيارات المنوط بها رفع القمامة من الشوارع التى ابتليت بأهرامات من القمامة ماأنزل الله بها من سلطان، وأفسدت كل الجماليات والذوق العام الذى اعتاد رؤية تلك القاذورات، مع جحافل جيوش الذباب والناموس والهاموش حاملة معها كل فيروسات الأرض التى تصدِّر المرضى إلى مستشفياتنا العاجزة أصلاً عن توفير حقنة لمريض الزكام والبرد والإنفلونزا !! ترى.. إلى من نتوجه باللوم لأي من صنوف «الشُحاذين /الشحاتين»؟.. هل نهاجم «عمر الحمزاوى» شُحاذ نجيب محفوظ.. أم نستهجن وجود ماأسميه «عم قمامة» الطائح فى شوارعنا.. يخزق أعين المارة والركاب بمقشته الوهمية التى لا تكنس إلا راحتنا وكل مظاهر الجمال الذى نرجوه فى حياتنا المليئة بالمنغصات التى نعمل على إزالتها مع تلال القمامة فى الشوارع ؟ مركز اللغات والترجمة ـ أكاديمية الفنون