رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وجع البعاد.. وحزن البلاد


الهموم كثيرة، والحكاوى أكثر. والهم ثقيل على القلب. والحزن فى كل بيت من بيوت مصر فى المدن وفى الريف. بعض الكلام والحديث عن الغربة على لسان أهالينا: (ولادنا بيسافروا من زمان، يمكن يلاقوا فرصة عمل بدل القعاد على القهاوى.

الراجل دايماً مسافر. أمال هنكفى العيال منين. نربيهم إزاى؟ ماهى الست مننا شايلة الهم. هم العيال الكبير قبل الصغير. اللى فى المدرسة وجاب ملحق. واللى عايز فلوس الدرس. واللى سخن وعيان وعاوز دوا. البيوت بتصرف شىء وشويات. ربنا يجيبة بالسلامة. لو جراله حاجة هاروح بالعيال فين وأربيهم إزاى؟» يتغرب ولادنا ومنهم اللى يسافر على مراكب الموت فى الهجرة غير الشرعية، ويقولوا: ماهو بدل ما نموت هنا من الفقر والقهر والذل نسافر، يمكن نشتغل ونوفر لنا قرشين نرجع بيهم لأهلنا. تمر الأيام والشهور والسنون، لياليها طويلة على أولادنا الجالسين دون عمل، تتخلى الدولة عن دورها فى تنمية البلاد خاصة المناطق الفقيرة، يتدهور حال البلاد اقتصادياً واجتماعياً. تتردى الخدمات فى الصحة والتعليم والسكن والمياه والكهرباء ووسائل الانتقال والصرف الصحى. ويستمر المصريون فى السفر بالملايين إلى بلاد الغربة فى العراق والخليج وليبيا. وتحل علينا الكوارث، وتكون دائماً من حظ ونصيب الغلابة. وتتوجع قلوبنا.

وهل ننسى كارثة العبارة أواخر عام 1998، والتى غرقت بأهالى سوهاج من صعيد مصر وهى قادمة من السعودية؟ غرقوا، ودفنوا فى قاع البحر مع أحلامهم وتحويشة العمر. وهل ننسى فضيحة غرق العبارة فى 3 فبراير 2006؟ وكانت الكارثة عنواناً لغرق نظام مبارك وسياسات مبارك الأب والابن، ورجال الجاه والسلطة والمال. غرق النظام فى التكويش على ثروات البلاد ونهبها، وإفقار العباد، وهدم الصناعة بخصخصة المصانع والشركات وبيعها، وإهمال الزراعة. فبدلاً من زراعة القمح زرعنا الفراولة والكنتالوب.

تزداد البطالة ويزداد الفقر. وبدلاً من التنمية وبناء مساكن للفقراء تبنى الدولة المنتجعات فى الساحل الشمالى لعلية القوم. وتمتلئ البلاد بالمولات الفخمة التى تبيع السلع الغالية للأثرياء فقط، فى الوقت الذى يسكن فيه ملايين الفقراء فى عشوائيات لا آدمية. يستمر الحال هو الحال، ويتغرب الملايين خارج مصر من أجل لقمة العيش. ولحد إمتى يامصر يفضل ولادك متغربين فى بلاد بعيدة؟

وتقوم ثورة 25 يناير وثورة 30 يونيو ضد الظلم والقهر والقمع والفساد والتبعية والمتاجرة بالدين. ويحلم الولاد بفرصة عمل وسكن وزوجة وأطفال وبيت. ويضيع الحلم سنة وراء سنة. ويسافر الولاد رغم تحذير الأمهات «البلد اللى إنت قاصدها فيها حرب وخطر عليك». ويرد الابن أو الزوج أو الأب أو الأخ أو الخال أو العم «يعنى يا أمه كنت لقيت شغل هنا؟ يعنى عاجبك الحال؟» ويذهب الأولاد علشان يرجعوا بكفنهم ضحية لأنظمة أقسم رؤساؤها ووزراؤها اليمين للحفاظ على الوطن وأرض الوطن وأمن وأمان المواطن. وفى الفترة الأخيرة يواجه أولادنا فى الغربة خطراً جديداً هو الجماعات الإرهابية على اختلاف مسمياتها جهادية تكفيرية، مثل بيت المقدس وتنظيم القاعدة وداعش وجبهة النصرة، وكلهم ياسادة خرجوا من عباءة جماعة الإخوان الإرهابية. ويعود لنا أولادنا، إما هاربين من جحيم الإرهابيين وقد تركوا كل ما جمعوه فى بلاد الغربة، أو يستمرون ولسان حالهم: «ما هو أنا فى بلدى ميت وفى الغربة ميت»!

ويجيىء الخبر الأسود حاملاً ذبح واحد وعشرين شاباً من أولادنا فى ليبيا على يد تنظيم داعش الإرهابى الجبان الخسيس. «يا إرهابى ياخسيس، الدم المصرى مش رخيص». يعم الحزن والغضب أهالى المحروسة فى كل أنحاء البلاد، وتنتفض مصر طالبة الثأر من القتلة الذين لا دين ولا وطن ولا أخلاق ولا إنسانية لهم. مجموعة متوحشة صنعتها أمريكا، فالخناجر التى ذبح بها أولادنا صنعت فى أمريكا. التمويل والتدريب وتهريب الأفراد والأسلحة على أيدى أمريكا وإسرائيل وبعض الدول الأوروبية ومنها ألمانيا وإنجلترا التى احتضنت عناصر جماعة الإخوان المسلمين بعد عام 1954. واشتركت تركيا وقطر فى مؤامرة إشعال الفتن والاقتتال بين أبناء الشعب الواحد لتفتيت الوطن العربى وفى القلب منه مصر. يعم الحزن، يتوجع القلب، يسهر المصريون لا ينامون، لا يأكلون، غاضبون، يطلبون الثأر لكرامة مصر، الثأر لدم أولادنا الشهداء قبل تقبل العزاء. وبعد ساعات يثأر الجيش المصرى العظيم ويدق معاقل الإرهابيين. من حق أى دولة أن تحمى أولادها وتحمى شعبها. وتم التنسيق مع الجيش الليبى وقادة الحكومة الشرعية. إن الشعب المصرى يعتبر ما أنجزه الجيش العظيم خطوة أولى، ويطالب الشعوب العربية بالاصطفاف معاً، والضغط على الجامعة العربية ليتم تفعيل جيش الدفاع العربى المشترك لمواجهة المخاطر والتحديات التى تحيط بنا جميعاً. وإنشاء وحدة مكافحة الإرهاب العربية.

ولتعلم الشعوب أنها هى صاحبة تقرير مصيرها، فهى المعادية الجذرية للاستعمار، وهى قوة التغيير من أجل مستقبل يحقق الحرية والعدالة الاجتماعية والاستقلال والسلام والتسامح. كلمة أخيرة، وضع خطة للتنمية الشاملة وفى القلب منها المناطق الفقيرة وعمل مشروعات تستوعب كثافة الأيدى العاملة المصرية، تدريب وتأهيل وتشغيل الشباب فهم ثروتنا البشرية. العمل على تسهيل عودة أولادنا من ليبيا، وأكبر تشجيع لهم هو توفير فرص عمل أو إعانة بطالة. مصر أولى بأولادها وسواعد أولادها، يبنوها ويعمروها ويزرعوها ويخضروها.