رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الشباب وأحلام اليقظة


لا أدرى لماذا قفزت إلى مخيلتى لحظة تأهبى للكتابة عن الشباب وصناعة المستقبل فى عالمنا المصرى والعربى الذى يلقبونه بالعالم الثالث، هذه الأبيات للشاعر العربى «أبو العتاهية».

بكيْتُ على الشّبابِ بدمعِ عينى.. فلم يُغـــنِ البُكـــــاءُ ولا النّحـــيبُ.. فَيا أسَفـًــا أسِفْتُ على شَــبابٍ.. نَعـاهُ الشـيبُ والرَّأسُ الخَضِيــــبُ.. فيَا لَيتَ الشّــــــــــبابَ يَعُودُ يَوْماً.. فأُخبـــرَهُ بمَــا فَعَــلَ المَشــــيبُ

... هكذا كان الشاعر العربى «أبو العتاهية» يتحسر على ضياع أيام الشباب والفتوَّة فى مقتبل حياته.. فهل آن الأوان أن نأخذ العظة والعبرة من هذا الندم، ونبدأ فى الحفاظ على هذه القوة الهائلة فى المجتمع وهى عزم وعزيمة الشباب : زمنًـا وبشرًا؟

وكان الشعار المرفوع والذى تغنينا به فى فترة مائزة من فترات حياتنا فى مصر، هو شعار «الشباب نصف الحاضر وكل المستقبل»، واستطعنا أن نعبر المخاطر والأزمات بتلك العزيمة الشبابية فى فترة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضى، هذا قبل تغير المسار والسياسات التى عملت على تهميش الانتماء الوطنى وتجريد وتجريف كل المعانى التى تعمل على صناعة الأمل للشباب فى مستقبل واعد للوطن، والأخذ بكل مظاهر ومظهريات التكنولوجيا المستوردة دون العمل على خلق وإعطاء فرص الابتكار والإبداع فى نفوس الشباب، وتجاهل أن الشباب هم مصدر الطاقة والحيوية وحجر الزاوية فى بناء حضارات الأمم والدول التى تتطلع إلى تحقيق الرفاهية لشعوبها.لكن من يتأمل وضع شبابنا الآن يبكى على ما يعانونه من ضجر بالحياة وفقدان الرغبة فى العمل والإنتاج فهم يشغلون المقاهى والكافيهات قتلاً للوقت وتبديداً لأجمل سنوات العمر ومنهم من تجرفه تيارات دينية متطرفة تبث فى عقول شبابنا ما يوسع الهوة بينهم وبين حب الحياة وحب الوطن والإخلاص له بالعمل والبناء، فنجدهم يهدمون ما عانى فى إقامته وتشييده رجال وطنيون سبقوهم كانوا محبين لتراب هذا البلد دفعهم إحساسهم بالانتماء إلى التشييد والابتكار والتفانى فى كل ما من شأنه العمل على رفعة هذا الوطن وخدمة مستقبله والسؤال: من المسئول عن هذه الحالة التى تسيطر على كثير من شبابنا من عدم اللامبالاة والإكتراث؟! نجدهم يتخذون من البطالة حجة. وحين تطرح الحكومة فرصاً للعمل نجد الإقبال على شغلها من الشباب قليلة جداً، لأنهم لا يريدون أن يصعدوا السلم من بدايته فطموحهم فى الثراء السريع يعميهم عن الاختيار الأمثل ويجعلهم عالة على أسرهم ينفقون عليهم لحين مجىء الوظيفة «الحلم» التى تقفز بهم إلى مصاف الأغنياء دون تعب أو بذل للجهد والعرق وهيهات أن تجىء! ولهم نقول: الحياة كفاح.. ومانيل المطالب بالتمنى.. ولكن تؤخذ الدنيا غلابا.. الأمر جد خطير فى ترك هذه الشريحة الكبيرة من شبابنا تتلاعب بهم أحلام الثراء السريع فيصبحون لقمة سائغة لمن يريدون تسخيرهم لأغراض هدامة فيتحولون من قوة تتسلح بها مصرنا الحبيبة إلى قوة ضاربة فى بنيان الوطن بتراخيهم وتخاذلهم عن أداء أى دور إيجابى خلاق ولانصياعهم لأداء أدوار تخريبية تحت سطوة المال والرغبة فى اقتناء أفخم المقتنيات من مسكن وملبس.. إلخ.. فرغبتهم فى الكسب السريع يعميهم عن واجبهم المنوط بهم القيام به فالأوطان لا تبنى هكذا! ومصر أمانة فى أعناقنا جميعاً، فلا نريد أن نلقى تبعة هذه الحالة الرخوة لشبابنا على الظروف وخلافه لابد من طرح حلول جذرية سريعة للاستفادة من الطاقات البشرية لهؤلاء الشباب حتى يصبحوا تكئة من تكئات المجتمع صالحة للاعتماد عليها وبخاصة فى ظروفنا الحالية التى نرى المؤامرات والأخطار تحدق بنا من كل اتجاه وتريد الإطاحة باستقرارمصر وأمنها وهدم مؤسساتها المدنية والعسكرية والثقافية ومحاولة النيل منها، لذا من الأهمية بمكان ألا نترك مشكلاتهم تتفاقم فينفلتوا من بين أيدينا ويصيرون سلاحاً مصوباً ضد مصلحة الوطن لقاء حفنة من الدولارات والمغريات الكثيرة والنماذج حولنا لا تعد ولا تحصى تدق ناقوس الخطر.. أنقذوا شبابنا من أحلام اليقظة الوهمية ليرون الواقع المرير الذى يتطلب منهم تسخير كل ما فى وسعهم للإسهام فى بناء مصر المستقبل التى نحلم بها جميعاً ونتطلع إليها كفانا ما مررنا به وما فقدناه من أرواح، فلنحافظ على ما تبقى لنا من قوة، فشباب مصر هم مستقبلها لتحيا مصر بهم ولهم ولأحفادهم من بعدهم.

■ مركز اللغات والترجمة ـ أكاديمية الفنون