رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأموال المهربة.. وأموال الضرائب بدلاً من التوسل


إلى متى تدلل الدولة كبار الاحتكارين؟ إلى متى تطبطب عليهم فى الوقت نفسه الذى تدور فيه كل الحكومات عقب ثورة يناير بمد اليد إلى الدول الخارجية للاقتراض، أو تعتمد على بعض المنح المقدمة لنا من بعض البلدان الصديقة؟ لقد أدمنت الدولة استمرار الامتيازات الممنوحة لكبار المحتكرين الأثرياء، وأدمنت الاقتراض من صندوق النقد الدولى وفقاً لشروطه فى إعادة هيكلة السوق وخصخصة الشركات، بل والخدمات

طالعتنا جريدة «الوطن» خلال هذا الأسبوع بانفراد عالمى عن الحسابات السرية للمسئولين ورجال الأعمال على مستوى العالم ومنهم المصريون فى بنوك سويسرا. وكان ذلك ضمن تحقيق اشترك فيه مائة وأربعون صحفياً من 45 دولة. وانفردت الجريدة بالإعلان عن الأموال المهربة ببنك واحد هو HSBC بالنسبة للمصريين سواء كانوا مسئولين سابقين أو رجال أعمال تبلغ 3.5 مليار دولار، أى ما يزيد على 26 مليار جنيه مصرى.

فى بنك واحد يا سادة يا قراء 26 مليار جنيه غير باقى الفلوس المهربة للخارج فى بقية بنوك سويسرا وفى غيرها من البلدان، بما يعنى أن أموال المصريين التى تم نهبها فى عهد نظام الاستبداد والفساد والنهب العام «نظام المخلوع»، والتى تقدر بمئات المليارات لم يتم حتى الآن خطوات جدية للحصول عليها. فى الوقت الذى نتوسل ونتسول فيه منذ 25 يناير وحتى الآن أموالاً من أجل حل أزمتنا الاقتصادية.

هذا غير أموال الضرائب التى لم يتم تحصيلها حتى الآن من كبار رجال المال والأعمال المتهربين من سداد ما قيمته أكثر من 60 مليار جنيه، حسب الإحصاءات الرسمية. وإذا توقفنا عند بند الضرائب، وهو أحد الموارد الرئيسية التى تستخدمها الحكومة فى الإنفاق على التنمية والخدمات، نجد أنه حتى عام 2005 كانت الضرائب التصاعدية تصل إلى 42% كحد أقصى. تغير هذا القانون على يد يوسف بطرس غالى وزير المالية آنذاك، ليصبح الحد الأقصى 20% فى سابقة نادرة فى عالم رجال الأعمال. وبعد الثورة وقف نموها عند 25%، فى الوقت الذى تصل فيه الضرائب التصاعدية فى الدول الكبرى إلى ما يدور حول 50% وتصل حتى 62% فى الدانمارك.

هذا غير ما تم الصمت عنه من أموال الصناديق الخاصة، والتى قدرت فى المتوسط بمائة مليار جنيه، والتى طالبنا بضمها إلى الموازنة العامة للدولة ولم يستجب له. إن ناهبى ثروات مصر لم يتهربوا فقط من سداد الضرائب، بل لم يسهموا فى التبرع بأى أموال فى ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التى تمر بها مصر. هذا فى الوقت الذى أسهم الشعب المصرى العظيم بأكثر من 64 مليار جنيه لمشروع قناة السويس.

إلى متى تدلل الدولة كبار الاحتكارين؟ إلى متى تطبطب عليهم فى الوقت نفسه الذى تدور فيه كل الحكومات عقب ثورة يناير بمد اليد إلى الدول الخارجية للاقتراض، أو تعتمد على بعض المنح المقدمة لنا من بعض البلدان الصديقة؟ لقد أدمنت الدولة استمرار الامتيازات الممنوحة لكبار المحتكرين الأثرياء، وأدمنت الاقتراض من صندوق النقد الدولى وفقاً لشروطه فى إعادة هيكلة السوق وخصخصة الشركات، بل والخدمات. هذه الشروط التى كانت سبباً فى خراب الاقتصاد المصرى وتدهور أحوال الشعب المصرى وزيادة الفوارق بين الطبقات ووقوع أكثر من 40% من الشعب تحت حد الفقر، وكانت سبباً رئيسياً فى اندلاع ثورة يناير، والتى نادت بالعدالة الاجتماعية لتوفير معيشة آدمية وكريمة للمواطنين، والحصول على حق الصحة والتعليم والسكن والوظيفة.

دستور مصر العظيم الذى أجمع عليه الشعب فى عام 2014 فى مادة رقم 38، التى تنص على «يهدف النظام الضريبى وغيره من التكاليف العامة إلى تنمية موارد الدولة، وتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية ....تكون الضرائب تصاعدية، متعددة الشرائح على دخول الأفراد وفقاً لقدراتهم التكليفية. ويعد من الأسس التى يقوم عليها النظام الضريبى تشجيع الأنشطة الاقتصادية كثيفة العمالة وتحفيز دورها فى التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية...أداء الضرائب واجب والتهرب الضريبى جريمة».

أين الدولة والحكومة من تطبيق هذه المادة بعد مرور عام على إقرار الدستور؟ أين تطبيق اللوائح والقوانين بشأن الضرائب التصاعدية وبشأن التهرب الضريبى؟

وبدلاً من وضع خطة للتنمية تعتمد على مواردنا الطبيعية وتعبئة موارد الشعب، وتنمية مواردنا البشرية، وتدريبها ورفع مهاراتها، بدلاً من وضع خطة تعتمد على التصنيع والزراعة بغرض الاكتفاء الذاتى، بل والتصدير، بدلاً من كل ذلك تكون الأولوية لاستقدام المستثمرين الأجانب لضخ استثماراتهم فى مصر، وليت ذلك وفق خطة شاملة بما تحتاجه مصر من أولويات حتى يجىء المستثمر للمشاركة فى تنفيذ هذه الخطة. وليس فى تنفيذ ما يريده هو من مشاريع تحقق له المزيد من الربح والمكاسب دون فائدة مميزة للاقتصاد المصرى.

ورغم كل ما تم من تدمير لاقتصادنا ولقطاع الدولة نتيجة انتهاج سياسة الخصخصة منذ تسعينيات القرن الماضى وحتى الآن، ما زلنا نمتلك 146 شركة قطاع أعمال عام تقع ضمن تسع شركات قابضة. تحتاج تلك الشركات إلى إدارة تتوافر لها إرادة سياسية لإعادة هيكلتها وإعادة إحلال وتجديد وصيانة معداتها، وتدريب العاملين بها، وضخ مواد خام لإدارة المكن، تحتاج هذه الشركات إلى القليل من المليارات لتعود صرحاً عملاقاً منتجاً ومصدراً ومعتمداً على الأيدى العاملة المصرية، مثلما تحدثنا فى المقالات السابقة عن إنقاذ الصناعة المصرية.

إن الكرامة واستقلال الإرادة الوطنية تعتمد بالأساس على موارد البلد إذا أحسن استخدامها، وليس بتقديم كل التسهيلات للمستثمرين للقيام بمشروعات لا تعد من أولوياتنا، أو مجىء بعضهم للاستيلاء على مشروعاتنا ومصانعنا ومواردنا الطبيعية، وأموال بنوكنا كى يعملون ويتمتعون بالأرباح على الجاهز. «مش كده واللا إيه؟!».

كاتبة