رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الانتخابات.. والمال السياسى


تنص المادة 87 من الدستور على أن «مشاركة المواطن فى الحياة العامة واجب وطنى ولكل مواطن حق الانتخاب والترشح وإبداء الرأى فى الاستفتاء، وينظم القانون هذه الحقوق».

أى أكد الدستور بما لا يدع مجالاً للشك حق المواطن أى مواطن دون تحديد مواصفات لهذا المواطن فى الانتخاب والترشح.. والمساواة وعدم التمييز بين المواطنين قد حددها الدستور فى المادة 53 «المواطنون لدى القانون

 

... سواء وهم متساوون فى الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين أو العقيدة أو الجنس أو الأصل أو العرق أو اللون أو اللغة أو الإعاقة أو المستوى الاجتماعى أو الانتماء السياسى أو الجغرافى أو لأى سبب آخر».

فهل وافق الشعب على إقرار هذا الدستور لتفعيله وتطبيقه على أرض الواقع أم لكى يظل سطوراً على ورق وشعارات جميلة وعبارات رنانة وحقوقاً نظرية لا علاقة بها بأى واقع ودون تطبيق؟

كما أنه من المعروف أن البرلمان هو السلطة التشريعية التى تراقب السلطة التنفيذية وتقوم بتشريع القوانين، ومن المعروف أيضاً أن لا أحد يعمل ضد مصلحته بل العكس هو الصحيح، أى أن العمال والفلاحين والفقراء لهم مصالح يمكن أن تتناقض مع مصالح الرأسمالية ورجال الأعمال، كما أن مصالح واهتمامات الأغنياء غير مصالح واهتمامات الفقراء، فالغالبية الغالبة من الشعب المصرى يقعون تحت خط الفقر، وسكان آلاف العشوائيات مشاكلهم لا يعرفها ولا يشعر بها غيرهم من سكان القصور والمنتجعات، وهناك من يمثل لهم رغيف العيش مشكلة حياتية لا يعرفها من استورد الطعام من الخارج، وهناك شباب ضائع بلا عمل ولا سكن فضاعت آماله وتحطمت أحلامه غير من يمتلك المليارديرات الذين لهم مصالح يريدون الحفاظ عليها وجلب المزيد منها، وهنا يمكن أن نقول إن البرلمان إذا استولى عليه أصحاب المال السياسى الذين يسعون وراء مصالحهم ليست الحياتية ولكن مصالحهم الرأسمالية والتى دائماً ما يحافظون عليها بالسيطرة على البرلمان لضمان تشريع ما يتوافق وما يحقق تلك المصالح فلا مكان ولا مكانة لمصالح الفقراء ولا أمل فى حل مشاكلهم.

فهل قانون الانتخابات وبعض التعليمات المنظمة للعملية الانتخابية مثل ما يسمى بالكشف الطبى على المرشحين والذى سيكون قيمته المادية أكثر من ستة آلاف جنيه يساعد ويمهد ويتوافق مع قطاعات عريضة من الشعب المصرى؟ بل هل هذه القوانين والتعليمات تضع الأغلبية الساحقة من المصريين بين ناظريها حتى يمكنهم أن يمارسوا حقهم الدستورى فى الترشح دون تمييز؟ وهل هذه الرؤية الضيقة يمكن أن تساعد الشباب فى عملية الترشح؟وهل هذه هى الأداة الفعلية والعملية لإمكانية ترشح الشباب؟ أم أن هناك فارقاً كبيراً وبوناً شاسعاً بين الأقوال والأفعال بين الشعارات والتطبيق؟ نعم كان هناك قبل ذلك نسبة 50٪ لتمثيل العمال والفلاحين وكان هدفها سد هذه الثغرات لتمكين طبقات الأغلبية الشعبية فى التمثيل البرلمانى حتى يمكن أن يدافعوا عن مصالحهم، ولكن الآن قد تم إلغاء هذه النسبة لصالح من تتناقض مصالحهم مع مصالح هؤلاء، فماذا تريدون أكثر من ذلك؟

هل الهدف هو وصول القادرين مادياً أصحاب الملايين والمليارديرات جامعى الثروات من المشروع وغير المشروع ناهبى أراضى الدولة مصاصى دماء الشعب حتى نستعيد عهد مبارك وحتى يجمعوا بين الثروة والسلطة؟ وإذاكانت رسوم الترشح ثلاثة آلاف جنيه وقيمة الكشف الطبى ستة آلاف جنيه، أى حوالى عشرة آلاف جنيه قبل أن نقول باسم الله، فمن القادر على ذلك؟ وهل معنى ذلك هو إسقاط المادة 87 من الدستور وإسقاط حق الطبقات الفقيرة وغير القادرة فى الترشح؟ وهل الشباب والعمال والفلاحون والموظفون وأصحاب الحرف البسيطة وغير القادرين مادياً لم يصبحوا مواطنين بعد ولم يعد لهم حق المواطنة والترشح؟ وهل قدرة تمثيل الشعب وإمكانية ممارسة العمل البرلمانى تعتمد على الغنى والفقر؟

وماذا يعنى أن يحدد القانون نصف مليون جنيه سقفاً للدعاية الانتخابية؟ أليس هذا باباً لدخول المال السياسى الداخلى والخارجى للسيطرة على البرلمان وهو أهم وأخطر برلمان فى التاريخ المصرى؟

وإذا كان الأمر كذلك فمن ذا الذى سيدافع عن مصالح هذه الأغلبية الغالبة والكاسحة من المصريين الذين لن يجدوا من يمثلهم التمثيل الحقيقى؟ مع العلم أن الأحزاب إذا كانت برامجها تحدث بعض التوازن نظرياً فى بعض الأحزاب اليسارية ولكن للأسف فلا وجود لهذه الأحزاب بين الجماهير ولن يكون تمثيلها تمثيلاً يذكر فى مواجهة أصحاب المصالح الخاصة والذاتية والقادرين على شراء المقعد بأموالهم، ، أما الأهم أن هناك بعض الأحزاب التى أنشئت بأموال رجال الأعمال من باب الوجاهة السياسية ومن أجل الحفاظ على مصالحهم الرأسمالية وإمكانية تأثيرهم فى القرار السياسى، وهذه الأحزاب سيترشح أشخاص غير قادرين مادياًِ وستمدهم بالملايين للحصول على المقعد وذلك للمراوغة أى بمعنى أنه سيكون هناك أعضاء يدافعون عن مصالح من تتناقض مع مصالحهم ذراً للرماد فى العيون.

والغريب أن يحدث بعدما حدث فى يناير ويونيو بعد أن خرج الشعب المصرى ليعبر عن نفسه ويسقط نظامين وكأن أصحاب القرار لا يسمعون ولا يشاهدون ولا يشعرون، ينايرويونيو قام بهما الشعب، ولكن الأهم هو قيام الفقراء والعشوائيين وغير القادرين والذين لا يجدون قوت يومهم ولا يملكون بصيص أمل فى حياتهم فهذا هو الأهم، فلا حل غير العدالة الاجتماعية غير مشاركة الجميع فى اتخاذ القرار، مشاركة الجميع فى خيرات هذا الوطن حتى يدافع عنه الجميع فى ظل الظروف الاستثنائية التى يعيشها الوطن وحتى تصبح بحق مصر لكل المصريين.

كاتب وبرلمانى سابق