رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأب الروحى لمشروع السد العالى «3»


عندما توترت العلاقات المصرية – الأمريكية والتى بلغت ذروتها فى منتصف عام 1956، ففى 19 يوليو 1956 أصدر المتحدث الرسمى باسم الخارجية الأمريكية «لينكولن وايت» بياناً أعلن فيه سحب العرض الأمريكى لتمويل مشروع السد العالى لأن اقتصاد مصر لن يستطيع تحمل نفقات هذا المشروع!! وهنا فاجأ الرئيس جمال عبدالناصر العالم كله – فى 26 يوليو 1956 – بقرار تأميم قناة السويس والذى كان قراراً سياسياً وسيادياً.

فور ذلك سنحت الفرصة للاتحاد السوفيتى للتقارب من مصر وأعرب عن استعداده لتنفيذ مشروع السد العالى بجميع مراحله بشرط أن يتم ذلك بواسطة مهندسيه وخبرائه، وبذلك رفض الاتحاد السوفيتى أن يأخذ بعين الاعتبار أياً من التصميمات التى سبق أن أعدها المهندس أدريان دانينوس.

وافق الرئيس عبدالناصر ولكن بالروح الإنسانية أحس بما أصاب المهندس أدريان دانينوس من الصدمة والإحباط نظير غض الطرف عن مشروعه الأصلى، لذلك فقد استدعاه الرئيس عبدالناصر وأفاده بأن المتطلبات السياسية والسيادية والوطنية تستلزم هذا الموقف الآن، ثم قام الرئيس بتكريمه ومكافأته عن جميع تضحياته وجهوده المخلصة السابقة وسلمه شيكاً بمبلغ 30 ألف جنيه مصرى تعبيراً عن تقديره واحترامه له. وإثر ذلك نشرت الصحف والمجلات المصرية نبأ هذا التكريم الذى ناله من رئيس الجمهورية شخصياً، فتوافد عليه العديد من الأصدقاء والمعارف لتهنئته على تلك المكافأة المالية التى نالها والتكريم الذى كرمه به رئيس الجمهورية. كان من ضمن المهنئين العديد ممن كانوا قد أقرضوا أموالاً فى السنوات السابقة للمهندس أدريان دانينوس، ولذلك عملاً بمبادئه الشريفة وسمو أخلاقه النبيلة وعرفاناً منه بفضلهم سدد فوراً إلى كل منهم ما كان مستحقاً عليه!! وبالتالى لم يتبق معه إلا اليسير من المال الذى لم يكن يكفيه، حتى إنه فى كثير من الأحيان يطلب من أحد أصدقائه الأوفياء بالإسكندرية بضعة جنيهات تمكنه من استقلال القطار للعودة إلى القاهرة التى كان يقيم فيها. ثم كرّمه بعد ذلك الرئيس عبدالناصر بمنحه معاشاً استثنائياً متواضعاً كان بالكاد يكفيه لمواجهة جانب من تكاليف معيشته وعلاجه بعد أن تدهورت حالته الصحية بسبب أمراض الشيخوخة. ثم ساءت صحته أكثر من ذلك بعد انزلاق وكسر قدمه وأصبح طريح الفراش لشهور عديدة حتى توفى بمدينة القاهرة فى 23 سبتمبر 1976 عن عمر يناهز 89 عاماً.

كان دائماً يردد – فى مناسبات عديدة – عن مدى تأثره بمقولة نابليون بونابرت فى مذكراته التى كتبها فى منفاه فى جزيرة «سانت هيلانة» قبل وفاته: «لو كان القدر قد شاء لى أن أحكم مصر فى يوم ما، لما كنت سأسمح بأن تُهدر فى البحر قطرة واحدة من مياه النيل».كان الأب الروح لمشروع السد العالى المهندس أدريان دانينوس قد نشر بحثاً باللغة الفرنسية بمجلة المجمع العلمى المصرى، المُجلد 30 لسنة 1947 – 1948 صفحات 229 – 249 بعنوان: «الاستخدام المتكامل لمياه حوض النيل». تحية لصديقه الوفى الكاتب ألبير يوسف أبوقاسم الذى احتفظ لنا بسيرة المهندس أدريان دانينوس.

أستاذ بكلية الهندسة- جامعة الإسكندرية