رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صحة المصريين.. أمن قومى يا مسئولين


ما دفعنى لكتابة هذا المقال هو قراءتى للاستغاثة المقدمة من بعض المستثمرين المساهمين بشركة مستشفى القاهرة التخصصى، والتى تضمنت أن شركة أبراج «كابيتال دبى» استحوذت على 53% من أسهم المستشفى، ثم قامت بشطبه من البورصة المصرية، مما يعنى أن الشركة المالكة تتصرف كيفما تشاء بالمستشفى. وقد حدث هذا بالفعل، بالاستغناء عن الأطباء والمديرين ذوى الخبرة العالية، والعاملين بالمستشفى منذ نحو عشرين عاماً.
وتعيين أطباء ومديرين جدد منهم العضو المنتدب للمستشفى، وهو
فى الوقت نفسه مالك لشركة تأمين صحى خاصة تتعامل مع المستشفى ومديونة له بمبالغ كثيرة.

غير أمور أخرى تحدث لا يعرف عنها العاملون شيئاً مثل تعيين عمالة زائدة عن الحد، وصرف مرتبات سرية، فى الوقت نفسه الذى لم يتم صرف الأرباح السنوية المعتادة للمساهمين، بل أعلنت الإدارة أنها ستوقف صرف الأرباح لعدة سنوات لاحتياج الشركة للتوسع. وقد اشترت شركة أبراج أيضاً مستشفى كليوباترا، ومستشفى النيل بدراوى، ومعمل البرج، و49% من معمل المختبر، وجار التفاوض مع مستشفيات كبرى، حيث تعتزم الشركة إدماج تلك المستشفيات والكيانات الصحية فى احتكار واحد كبير. وتدق الاستغاثة ناقوس الخطر، تهديد الأمن القومى للبلاد بالاستيلاء على صروح طبية تقوم بخدمة علاجية لقطاع من المواطنين. كما تحذر الاستغاثة من أن يعمل الموظفون بالمستشفى تحت قيادات أجنبية غير مصرية لهذه الشركة. ومن المعروف أن شركة «أبراج» هى مجرد وسيط لشراء تلك المؤسسات لصالح شركتين أخريين، إحداهما شركة «أوف شور» مؤسسة فى مالطة برأسمال اسمى 100 يورو، وهو أسلوب شركات غسيل الأموال المشبوه. «انتو فين يا حكومة صحوا النوم» أين وزارة الصحة مما يحدث تجاه تشكل احتكار جديد للأجانب لقسم مهم من خدمات العلاج الطبى الخاص، مما يؤدى إلى رفع أسعار الخدمات المقدمة للمواطنين ويفتح المجال لتلك الشركات بالعمل مثلاً فى تجارة الأعضاء! أليس كل هذا يضر بالأمن الصحى المصرى؟ ومن الجدير بالذكر أن مدير شركة «أبراج كابيتال» فى مصر هو رجل الأعمال الباكستانى يسمى «عارف مسعود»، قد تم التحقيق معه عام 2012 فى القضية رقم 10427 المتهم فيها علاء وجمال مبارك وسبعة من رجال الأعمال بتهمة التلاعب فى البورصة وتسهيل الاستيلاء على المال العام. هذا هو المشهد الأول فى قضية صحة المصريين.

وإذا رجعنا إلى الوراء قليلاً نشهد عدداً من القضايا المهمة والقوانين التى يتصارع المسئولون لإصدارها، والتى عليها العديد من التحفظات ترقى للرفض الكامل ومنها: القانون الخاص بالتجارب السريرية «الإكلينيكية»، الذى يسمح بإجراء شركاء الدواء الأجنبية لإجراء التجارب على المرضى المصريين من أجل تشجيع تلك الشركات على الاستثمار فى مصر كما يقول أصحاب القانون. والتجارب السريرية تعنى دراسة تجرى لتقييم سلامة وكفاءة أى علاج أو عملية جراحية أو جهاز للعلاج أو التشخيص. ومن المعروف أن هذه التجارب والدراسات لها قواعد وبروتوكول يتم إعداده قبل البدء فى التجربة حرصاً على المرضى الذين تتم عليهم هذه التجارب. وهذا البروتوكول يجب أن يشترط على أن خيار المشاركة يعود إلى المريض، كما أن على المريض أن يعلم جيداً المخاطر والمنافع قبل الموافقة على المشاركة. ويجب أن يحتوى البروتوكول على قيود وقوانين لتوقيع العقوبة على الباحث الذى لا يطبق هذه الشروط. لأن التجارب على البشر لها قوانين وأخلاقيات. وعند مناقشة هذا القانون تم رفضه من العديد من الجهات ومنها نقابة الأطباء ولجنة الأخلاقيات الطبية بكلية الطب جامعة الإسكندرية، ولجنة الدفاع عن الحق فى الصحة. وطالب الجميع بوضع شروط تحمى المصريين حتى لا نصبح فئران تجارب. وننتقل إلى كارثة أخرى يا سادة يامسئولين يا نائمين، وهى كارثة مشروع قانون بشأن المستشفيات الجامعية المقترح، والذى تم رفضه من أساتذة الطب بقصر العينى وطب عين شمس وطب الأزهر والنقابة العامة للأطباء ولجنة الدفاع عن الحق فى الصحة. إن المستشفيات الجامعية تمثل خط الدفاع الطبى الأخير عن المواطن. عدد المستشفيات 88 مستشفى تتبع 17 جامعة حكومية، تخدم 30% من المرضى، وتقدم 75% من الخدمات المهارية مثل علاج الأورام وجراحات وقساطر القلب والمخ وزرع الأعضاء وغيرها. كما تقوم بتعليم وتدريب طلاب الطب والأطباء، والقيام بالأبحاث العلمية فى مجال الطب، فهذا هو دور المستشفيات الجامعية بجانب تقديم الخدمة العلاجية. كما تحملت المستشفيات الطبية العبء الأكبر خلال الحروب والكوارث والحوادث الكبرى. وكانت الطامة الكبرى فى موضوع المستشفيات الجامعية هى بلورة مشروع قانون بشأن تنظيم العمل بالمستشفيات الجامعية، يسلب تلك الجامعات المستفيات التابعة لها، بالفصل بين الأقسام الإكلينيكية بالكلية مثل قسم الجراحة والباطنة والنساء وغيرها، وبين الكلية فتقتصر وظيفة تلك الأقسام على المحاضرات النظرية دون تدريب عملى! ويتضمن فى المادة 15 تحويل المستشفيات الجامعية إلى وحدات مستقلة إداريا وفنيا وماليا وتتكون موارد ميزانيتها من عائد الخدمات التى تؤدى للغير، والتبرعات التى يقبلها مجلس الأمناء، وعائد استثمار الأموال الخاصة بالمستشفى مقابل العلاج بأجر وفقا لما يحدده المجلس الأعلى للمستشفيات الجامعية. هذه المادة لا يوجد فيها أى ذكر لتخصيص ميزانية للمستشفيات الجامعية من ميزانية الدولة أو ميزانية وزارة التعليم العالى أو الصحة. لا يوجد ذكر فى القانون لمسئولية الدولة، كما لا يوجد ذكر لطبيعة الهيئة الجديدة بمعنى هل ستظل هيئة غير ربحية مثل وضع المستشفيات الجامعية الآن أم ستتحول إلى شركات ربحية؟ يجيب عن هذا السؤال المهم محضر اجتماع مديرى المستشفيات الجامعية بتاريخ 14 يونيو 2012. حضر هذا الاجتماع مديرو المستشفيات الجامعية مع وزراء التعليم العالى والصحة ورئيس المجلس الأعلى للجامعات الدكتور أشرف حاتم، وناقشوا مشاكل المستشفيات الجامعية وطرحوا حلا لها يتمثل فى تحويل كيانها القانونى إلى شركات!!

يا سادة يا مسئولين ليست للبيع، وأفراد الشعب المصرى ليسوا فئران تجارب، صحة المصريين خط أحمر وأمن قومى لا يمكن المساس به، فالصحة حق للمواطن وخدمة وليست سلعة