رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى ذكرى اجتماعها الأول..

عصبة الأمم تفشل فى فرض هيبتها على العالم

 الرئيس الأمريكى،
الرئيس الأمريكى، وودرو ويلسون

قبل أكثر من 95 عام من الآن تم تأسيس منظمة دولية، تم اعتبارها بمثابة نقلة نوعية في الفكر السياسي الذي كان سائدًا في أوروبا، والعالم طيلة السنوات المائة السابقة على إنشائها، وهى عصبة الأمم التى إنطلقت من هدفا أساسيا هو الحفاظ على السلام العالمى، وفكّ النزاعات قبل أن تتطور لتصبح نزاعاً مسلّحاً كما حدث في الحرب العالمية الأولى.
وفى يوم 16 يناير من عام 1920 م، عقدت عصبة الأمم أولى اجتماعاتها، بعد إبرام معاهدة فيرساي بستة أيام وهى المعاهدة التى أسدلت الستار بصورة رسمية على وقائع الحرب العالمية الأولى، بعد مؤتمر باريس للسلام.
وإن كان الطرح الأول لإنشاء هذا الكيان يرجع إلى عام 1795 م، وذلك بطرح أول مفهوم لمجتمع سلمى للأمم، تلخصت الفكرة فى إقامة عالم يسوده السلام، تتعامل فيه كل دولة بوصفها دولة حرة تحترم مواطنيها وترحب بالأجانب، وذلك لأن إحترام الدول الحرة من شأنه أن يعزز المجتمع السلمى فى جميع أنحاء العالم، ما يجعل هناك التزام بسلام دائم فى المجتمع الدولى، وذلك فى كتاب" السلام الدائم.. صورة فلسفية" لـ إيمانويل كانط.
وبعد أن دعا الرئيس الأمريكى، وودرو ويلسون، إلى تأليف العصبة بشكل عملى، وتم صياغة ميثاق العصبة من قبل جمعيّة مختصة، ليتم تشكيلها بشكل رسمى بعد توقيع 44 دولة على ميثاقها، منها 31 دولة شاركت بالحرب، رفضت الولايات المتحدة بقيادة الكونجرس والحزب الجمهورى التصديق على ميثاقها أو الانضمام لها، رأت أنها محاولة من الدول الأوربية الإستعمارية الكبرى للاستئثار بغنائم الحرب العالمية الأولى.
وحددت اللغات الرسمية لها وهي الفرنسية، والإنجليزية، والإسبانية وبداية من 1920 تبنّت عصبة الأمم اعتماد الإسبرانتو، كلغة عمل رسمية لها، وهى لغة مصطنعة وثيقة الصلة بالعبرية الحيثة، اخترعها لودفيغ ألليعزر 1887 م كمشروع لغة اتصال دولية.
ولم يكن لعصبة الأمم علم أو شعار لمدة 19 عام، وذلك لأن الدول الأعضاء لم تتوصل إلى اتفاق بشأن تصميم معين، حيث كان ينتابهم الخوف من وجود قوة دولية على هذا الشعار تُهمش وجودهم، حتى 1939 ظهر شعار شبه رسمي من نجمتين خماسيتين على خلفية خماسية زرقاء، ورمزت تلك النجمتان للقارات الخمس، والأعراق الخمسة، مع قوسين في الأعلى والأسفل يحملان اسم المنظمة بالإنجليزية.
فى البداية افتقدت عصبة الأمم المتحدة لقوة مسلحة خاصة بها، تستطيع من خلالها تحقيق الهدف من إنشائها وهو إحلال السلام العالمي، ولهذا اعتمدت على القوة العسكرية للدول العظمى كى تفرض قراراتها وكذلك العقوبات الاقتصادية على الدول المخالفة لقرار ما اتخذته، حيث كانت تتعارض أهدافها مع مصالح أعضائها الذين قاموا فى بعض الأحيان بتحدى قراراتها واحتقارها.
وتكونت الأجهزة الرئيسية لعصبة الأمم المتحدة وفق ميثاقها من الجمعية العامة، مجلس عصبة الأمم، والأمانة العامة الدائمة التى يرأسها الأمين العام، كما نص ميثاق العصبة على إمكانية إنشاء هيئات مساعدة لمختلف المسائل ذات الطابع التقني، وبناءً عليه فقد كان للعصبة العديد من الوكالات والمؤسسات المساعدة في مثل هذه القضايا، واعتبرت من أجهزتها أمثال للمحكمة الدائمة للعدل ومنظمة العمل الدولية.
نشأت انتدابات عصبة الأمم وفقًا للمادة 22 من ميثاق عصبة الأمم، وأشرفت لجنة الانتداب الدائمة في عصبة الأمم، على تنظيم استفتاءات عامة في المناطق المتنازع عليها، بحيث يمكن أن يقرر سكان تلك المناطق لأي بلد ينضمون، وقسمت إلى ثلاث أنواع من الانتداب، انتداب من الدرجة الأولى والثانية والثالثة.
وأثبتت عصبة الأمم عجزها فى فرض هيبتها على العالم كله، ولعل أسباب فشلها يكمن فى إعتمادها على التصويت بالإجماع بدلا من رأى الأغلبية وهو ما كان غير منطقيا، بالإضافة عدم احتوائها على الدول المهمة كالولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتى بعد طرده بسبب غزوه لفلندا، وكذلك انسحاب كل من إيطاليا واليابات الأعضاء الدائمين، وعدم فاعليتها تجاه الغزو الإيطالى لإثيوبيا فى منتصف ثلاثينيات القرن العشرين، والتفات أعضائها البارزين إلى مصالحهم الشخصية والوطنية وعدم الاكتراث بباقى شعوب العالم..
وبهذا فلم تحقق هدفها فى الحفاظ على السلام، واتضح عدم قدرتها على مواجهة القوى الفاشية في العالم، ولم تستطيع منع وقوع الحرب العالمية الثانية، ما تطلّب استبدالها بهيئة الأمم المتحدة وذلك فى أعقاب الحرب العالمية الثانية.